هل قفز الصفار على البريك؟
كنت أتوقع أن يحاول مقدم برنامج «البيان التالي» عبد العزيز قاسم اجترار محاوراته السابقة مع الشيخ الصفار في جريدة عكاظ مرة أخرى كما تعود في كل حواراته السابقة مع الشيخ، وكنت أتوقع أيضا أن يحاول المقدم والضيف تحويل الحوار من موضوعه الأصلي وهو التعايش بين الشيعة والسنة، إلى حوار طائفي، أو مذهبي. ولم يخيب قاسم توقعاتي فيه، فهو لم يبذل أي جهد في الإعداد لهذه الحلقة، بل أعاد صياغة بعض أسئلته في مكاشفاته السابقة مع البريك والصفار في هذه الحلقة، وكما عودنا قاسم بأن يشحذ أنصار الخط الذي يمثله في تقديم مداخلات، أقل ما توصف أنها لم تكن إلا تأصيلا للخطاب السلفي المتشدد الخالي من أي مرونة أو رؤية وطنية.
لسنا بحاجة للقول ان عبد العزيز قاسم ليس إعلاميا، بل ناطق غير رسمي أو من تحت غطاء شفاف جدا عن التيار السلفي المتشدد، ولو تقنع بعقال ولحية مشذبة، إلا أنه لا يعدو وجها لهذا التيار الحائر بين الوضع السياسي الراهن، وبين الاتجاه الرسمي للمملكة العربية السعودية، المداخلات التي تمت خلال الحلقة كانت مناسبة جدا لأن تكون على احدى القنوات التي تدعي انها مستقلة والتي تبث من شقة بائسة في لندن، فقد اتسمت ببث السموم الطائفية التي ادعى قاسم في بداية الحلقة أنه سيكون بعيدا عنها.
إن العجيب في الأمر أن قاسم استفتح الحلقة بكلمات خادم الحرمين الشريفين من خطابه الأخير في مجلس الشورى السعودي، واختتمها بكلمات الملك في مؤتمر حوار الأديان في نيويورك، أي أنه غلف الحلقة بهذا الغلاف الأنيق، ولكنه حشاها بالخطاب الطائفي المريض، وبإلقائه بين الحين والآخر بكلمات تبث السموم بين المواطنين، كوصفه للحرب العراقية الإيرانية بالحرب الإيرانية، وبإدخاله لوضع السنة في إيران وإسقاطه على الوضع السعودي. ولم يشذ الشيخ سعد البريك عن زميله قاسم في هذا، بل كان جاهزاً بمقتطفات من بعض كتب الشيعة وبعض الفتاوى الشاذة، ولا أدري ما علاقة هذا بالوطن والمواطنة، وإذا كان البريك لا يقر بالتقارب بين المذاهب، بل يدعو للتعايش، فما يهمه ما تحتويه كتب هذا المذهب تجاه أي مذهب آخر إذا كان الكلام عن التعايش الوطني فقط؟!
وما أثار انتباهي وتعجبي وحيرتي أكثر هو الشيخ حسن الصفار، فبالرغم من هذا الجو المشحون من قبل المقدم والبريك والسعيدي والقرني، وإسقاط إيران على موضوع الحوار، لم ينزلق الصفار في ذالك الوادي السحيق الذي حاول الثلاثة جره إليه جراً، لقد كان صبر الرجل على هذا، وابتسامته التي لم تفارق وجهه طوال الحلقة، بل حتى جلسة الرجل لم تتغير في معظم الحلقة أمرا مثيرا للعجب والإعجاب، فكيف استطاع الرجل الصبر، والإصرار على توجيه الموضوع الأساسي للحلقة وهو التعايش بين المواطنين الشيعة والسنة في المملكة؟ لقد تمكن الرجل بحق من قاسم والبريك والسعيدي والقرني، وجعلهم مسجونين في داخل قفصهم الطائفي المذهبي، وتوجه هو لوحده للعنوان الأكبر وهو الوطن.
الكلمة الأخيرة التي أوجهها لقاسم ومن هم خلفه، إذا كانت الحكومة الإيرانية تضطهد مواطنيها السنة، فإن قول هذا للشيعة في المملكة أو في الخليج هو إهانة لحكومة المملكة قبل إيران وحكومته،أنتم وضعتموهم في كفة واحدة، ولكننا نحسن الظن والنظر لحكومتنا، ولا نقارن بين حكومتنا والحكومات التي تتعمد ظلم مواطنيها، ولا نضع حكومتنا في نفس الكفة، ولا ننافح للدفاع عن من مارس العمل الإرهابي على الأرض ضد البلد والحكومة ولا نتأول لهم.