خطباء المنابر والدور الوطني

إن مملكة البحرين ستبقى بعون الله وطن التعايش والتكاتف تسودها روح الأسرة الواحدة بين جميع المواطنين والديانات الأخرى “هكذا عبرّ جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد حفظه الله وهو يرحب برؤساء المآتم من مختلف قرى البحرين قبل ايام قلائل. كما كانت توجيهاته إلى تهيئة الشباب من أبناء البحرين مفعمة بالمحبة لإعدادهم للإسهام في عملية البناء والعمل والتقدم التي تشهدها المملكة.

ومملكة البحرين تستمد قوتها من مواطنيها ومواقفهم المشرفة وآرائهم التي تصب في مصلحة الوطن وحرصهم على العمل الجاد. وغير خاف على احد الدور الذي ينهض به علماء ورجال الدين نظرا لموقعهم الروحي ومكانتهم لدى الفئات الشبابية. إن دورهم يكمن في نشر قيم التآخي والتسامح والتآلف والمحبة بين كافة شرائح المجتمع والدعوة الى التسامح والتمسك بتعاليم الدين الاسلامي والقيم العربية الاصيلة. وهذا الدور ينطلق من المنابر الدينية وبالتحديد من دور العبادة كالمساجد والمآتم والحسينيات. واحد الأدوار الخطيرة للمأتم اليوم هو مسؤولية ارشاد وتوجيه الشباب للارتقاء بالوطن في كافة الميادين عبر انتهاج الخطاب الوسطي الذي حثت عليه العقيدة الاسلامية السمحاء. خطاب يجمع ابناء الامة على كلمة واحدة وهو ما كانت تضطلع به المنابر الحسينية على مدى المئات من السنين. القائمون على ادارة المآتم يذكرون بالفخر والاكبار والاعتزاز والدعم المقدم من جلالة الملك شخصياً للمآتم والحسينيات الذي اتخذ أشكالا متعددة منها الدعم المادي والآخر المتمثل في توفير كافة المستلزمات والاحتياجات وتجسد هذا بوجه اخص خلال موسم عاشوراء. اضافة الى اتاحة الحرية في ممارسة الشعائر الحسينية طيلة ايام الموسم وبقية المناسبات المرتبطة بها. وهو موضع تقدير من قبل جميع المواطنين.

انّ الثوابت التي ينطلق منها خطاب المنبر الحسيني هو اشاعة روح التكاتف والتلاحم بين الامة وترسيخ الوحدة الوطنية. والقراءة الموضوعية لما يطرحه خطاب المنابر الحسيني في الاعوام الاخيرة هو انها اخذت تعالج القضايا الاسلامية بصورة اشمل مما كان يمارس قبل سنوات.

البعض يفهم خطاب النهضة انطلاقا من الرؤية الإسلامية الشاملة خارج نطاق المذهبية الضيقة وكونه أداة لتعزيز الإخاء الوطني. ولا يغيب عن الاذهان انه في العقود الاخيرة اسهم العلماء والمفكرون في اجراء تحديث وتطوير على ما يعالجه المنبر ويبرز من بين هؤلاء المفكرين سماحة الشيخ حسن الصفار من المملكة العربية السعودية الذي هو بالإضافة الى دوره البارز والجريء في تحديث الخطاب فانه يعد احدى الشخصيات التي اسهمت في الحوار الوطني في المملكة الشقيقة. التحديث المشار اليه لم يتأطر في الساحة الشيعية وحدها داخل البيئة المحلية بل كان اتسع وشمل كل المناطق الاخرى. وقد احدث بهذه الخطوة قفزة نوعية واخرجت الخطاب من الحالة السكونية والنمطية التي كان يراوح فيها على مدى مئات الاعوام الى آفاق من المعرفة والتجديد. وتمكن بحركته الجريئة وغير المسبوقة من تحقيق ما كان يختلج في العقلية المسلمة شمل طريقة العرض وتخليصه من الروايات الضعيفة والتركيز على الهموم الوطنية المشتركة.

خطاب منبثق من الرؤية الاسلامية المواكبة لأحداث العصر وتحولاته على كافة الاصعدة وتأكيده على القيم الاسلامية كالأخلاق والسلوك وعوامل النهوض والاصلاح الذي هو احد الثوابت الاساسية في النهضة الحسينية. كثيرة هي الاغراض التي يتناولها القائمون على التوجيه والارشاد من خلال المآتم من بينها انه تحول من ارشاد وعظي ونعي الى مدرسة للتثقيف والتوجيه الجماهيري كما انه اصبح اداة للتنوير والتوعية بهدف توجيه الجماهير الى تحمّل المسؤولية الدينية والوطنية. انّ كثيرا من ابناء هذه الارض الطيبة يتذكرون انّ مرحلة عقد السبعينات من القرن المنصرم مثلت الفترة الذهبية للمأتم الحسيني حيث كان موئلاً لجميع ابناء الطوائف وملتقى للمسلم الشيعي مع اخيه السني كما كانت المآتم تحتضن نخبة من اشهر الخطباء الذين يحرصون على المنهج الوسطي. الشباب هم محور الخطط التنموية في النهوض بالعمل الاجتماعي ولتحقيق هذا الهدف عليهم استلهام الشخصيات الرائدة من التاريخ الإسلامي وتراثنا حافل بهؤلاء العظام عبر ما قدموه من مواقف وقيم ومثل رائعة.

الجمعة 25 يونيو 2010م - العدد 619