أدب جعفر

 

أكوام متناثرة من الأدوات على مكتبة، وأدرج خاوية، وفوضى عارمة في غرفته، كان يتنقل على أرض كأنها خاضت معركه معه. يبحث عن كتيب صغير لونه أخضر بشعار سيفين ونخلة كُتب عليه جواز سفر.

كان يبحث عن ما يثبت هويته كمواطن سعودي، داست قدمه على كومة ورق، سمع صوتاً غريباً وإذا به صوت كسر نظارته، لم يحفل كثيراً بخسارتها كان بداخله قلق كامن، يزداد كلما تخيل له لو أنه لم يجده؟

لكنه أخيرا ً وجدهُ محصوراً داخل درج ملابسه، عندها أطلق صوت أنفاسه عالياً، تنفس الصعداء، فسرعان ما هدأت نبضات قلبه التي اشتعلت بخوفه. وبعدها جلس كمن ربح الجائزة الكبرى. هذا الشاب كان يمارس الطبيعة المتوقعة لأي واحد منا بعد فقد جوازه.

قف معي دقيقة... وأجب عن سؤال يراودني «هل أنت قلق على هويتك الدينة؟» هل هذا الرعب الذي يراودنا بفقد كتيب يثبت جنسيتنا هو نفس ذلك الرعب الذي نمارسة عندما نفقد هويتنا الدينية.

كما صَمت وأنت تقرأ الآن باحثا عن أجابة كثير بالواقع سيلتزمون الصمت مثلك، وقلة من يملك إجابات خجلة. عن نفسي حصلتُ على إجابة ولكن بعد الاستماع لمحاضرة الشيخ الصفار بعنوان «القلق على الهوية».

جميل ما بدأ به الشيخ الصفار حديثه عن دوائر هوياتنا التي هي بالأصل مترابطة لكن الظروف الخارجية والصراعات جعلتها متضادة.

عربي، مسلم، سعودي، شيعي، عربي اللغة، وووو هذه السمات هي مجموع دوائر تخلق ماهيتنا واتجاهاتنا التي نعتز بها وندافع عنها وننتمي إليها، وقد ننحاز أحياناً إلى إحدى هذه الدوائر وننشد لها أكثر عندما يستهدفها الخطر.

تابعت محاضرة الشيخ الصفار وتسلسلها في طرح دور الهوية ونتائجها على أفراد مجتمعنا وأختصرها في ثلاث نتائج مهمة:

- زرع الثقة في النفس وهذا ما يشعرنا بشعور الطمأنينة الناتج عن الانتماء.

- تحفيز المجتمع لمواجهة التحديات والكوارث وما نجده اليوم من تعاون ووعي في مواجهة فايروس كورونا هو جزء من الدفاع عن هويتنا تجاه الوطن.

- تعزيز التلاحم والتضامن الداخلي بين بعضنا فإن أقوى الدول هي من تمنح مواطنيها الحريات والتعبير عن الرأي.

لكل منا بصمة تختلف عن الآخر، وخلقنا الله من أعراق مختلفة وألوان متعددة، لهدف رباني وهو التنوع والحيوية والإبداع الذي يزيد الحياة جمالا وإثراء، لذلك نحن نختلف في هوياتنا لأجل أن نتعاون لترتيب عالم متكامل مزهر بالمحبة، لكن طبيعتنا البشرية بحب الذات ونزعات الشيطان تقف أحيانا دون ذلك وتجعلنا في صراع.

كم كانت كلمات الشيخ الصفار مثقلة بالعزة والقوة رغم الآلم، وهو يتحدث عمن نالوا أنواع العذاب والقتل والسبي، كونهم دافعوا عن هويتهم بالإمامة وهم «أهل البيت»  .

كان وما زال أعداء أهل البيت يحاولون حجب أصوات كل من يتحدث عن سيرة بيت النبوة، ويسعون جاهدين لتشويه هذه السيرة واتهامهم بالباطل لجعل هذه الهوية ضعيفة ومهمشة.

وضع الشيخ الصفار المعادلة في أبسط صورها من أجل إعادة تأهيل هويتك لتكن أكثر فاعلية لتتعمق بفهمها والدفاع عنها، وتكمن المعادلة

في خمس نصائح منبثقة من سيرة أهل البيت إذا اتبعتها ستنجح بالحفاظ على هويتك الدينية.

النصيحة الأولى: كن واثقا دائما من خط ولايتك نعم أنت تسمى رافضي لأنك رافض للخطأ مطالب بالحق كن فخورا بهذا الاسم دائما.

النصيحة الثانية: كن صادقا بانتمائك ما تردده بلسانك وافقه بعملك فالهوية ليست ادعاء وشعارا.

النصيحة الثالثة: انشغل ببناء ذاتك وانتاجك العلمي والكمال الأخلاقي فالدين ليس عاطفة فقط اجتهد ببناء العلم فلا مكان للجاهل في الدين.

النصيحة الرابعة: كن حكيما متعقلا في إدارة الصراع ضد كل من يقف ضد الدين كن الطرف الأعقل والأذكى فقوة العقل أقوى من قوة السلاح.

النصيحة الخامسة: تجنب الخطر الداخلي الناتج عن الغلو بأفكارك وتهميش الهويات الاخرى، وكن صادقا في نقل الصحيح من سيرة أهل البيت فكثير منا نقلوا حقائق زائفة لا مكان لها من الصحة.

ختم الشيخ الصفار محاضرته بجملة «عاشوراء تعزيز للهوية» نعم هي ليست تقليد وإنما أوامر وتوجيهات من أهل البيت لممارستها.

اصنع لك في عاشوراء جوازا جعفريا ذا هوية حسينية، فمن السهل أن تلصق عبارة «يا حسين» على سيارتك وتعلق الرايات في شارعك. وتغلف جسدك برداء أسود لكن الهوية الجعفرية الحقيقة تكمن في حسن جوارك وأداء أمانتك وصلة رحمك وزيارة مرضاك وصدق حديثك وحسن خُلقك وكرمك على الفقير وعطفك على الصغير والكبير هنا أنت تستحق الجواز الجعفري لأنك طبقت «أدب جعفر».