الضوء الجاذب للسعادة

 

 

عند الساعة التاسعة والنصف مساءً، كنت استعد للاستماع لمحاضرة الشيخ حسن الصفار اليومية بموسم عاشوراء لهذا العام. كان الهدوء يعم الغرفة لا شيء سوى صوت الشيخ وهو يقرأ عنوان محاضرته الرئيسة «التحديات وفرص التقدم» وكيف تصبح المحنة منحة؟.

كان لكلمة «تحديات» أثر غريب، نبشت في داخل ذكرياتي، وأخذتني للوراء قبل ثماني سنوات تقريبا؛ إلى لوحة في معرض فني مررت به صدفة مقام في إحدى المكتبات الوطنية.

تلك اللوحة عندما تتأملها بالنظرة الأولى؛ تشعر بالألفة معها، أشكالها المرسومة غير المفهومة التي تزينت باللون الأصفر، والبرتقالي، ومجموعة ألوان زاهية؛ تجذبك لمشاهدتها والتمعن في تفاصيلها.

وقفت أنظر للوحة؛ في محاولة لفهم إيحاءاتها، حتى باغتني صوت يلقي التحية والسلام؛ ألتفت لأجد شابًا وسيمًا، يقترب مني بحذر، يحمل أوراقًا بيديه، رفع رأسه مرحبًا بي، معرفا بنفسه، ويسألني إذا أعجبت بلوحته؟ كنت حينها أنظر إلى عينيه، التي اتضح لي من إعاقتها، أنه فاقدا للبصر.

عبرت له عن إعجابي باللوحة؛ بدأ بشرح فكرتها، وهي «الضوء الجاذب للفراشات» تبادر إلى ذهني سؤال وجهته له بخجل، كيف ميزت الألوان؟ قال لي: لا أرى الألوان بعيني بل بعيون الناس. فالأبيض ينشر السلام، والأحمر يبعث على الحب، والأخضر يبني الأمل، والأزرق يولد الطاقة. كنت أستمع إليه باندماج، عندها أعطاني نسخة من الأوراق التي بين يديه، كانت تحوي سيرته الذاتية، التي بُهرت بها حقا، فهو حاصل على شهادة ماجستير، كاتب، ممثل، وعازف بيانو، ومدرس، ورسام، وناشط اجتماعي، بالإضافة إلى قائمة من الجوائز التي منحت له.

صافحته بود، وكانت قبضة يده تبادلني الود بحرارة؛ أخرجت هاتفي واستأذنته؛ لالتقاط صورة تجمعني به؛ لتكن ذكرى لي مع نجم حقيقي لمع في سماء التميز.

إننا نسمع عن الكثير من المبدعين الملهمي رغم إعاقتهم؛ ولكن هذه المرة الأولى، التي ألتقي احد منهم بشكل مباشر، بهذة الثقة، أيقظ بداخلي مشاعر الخجل من نفسي وأنا المبصر للنور.

لم ير الضوء؛ لكن لوحاته مشعة بالبهجة، لم يضع بها بقعة سواد، يملك رضا عجيبا بما رزقه الله؛ كأنه يقول الحمد لله الذي سلب مني بصيرة النظر، ورزقني بصيرة القلب، لم يلبس نظارة سوداء تخفي تشوه عينيه؛ بل رفع رأسه عاليًا فخورًا بما وهبه الرحمن، أنا لا أتمنى أن يكون قدوة لكل أصحاب الهمم ممن فقدوا بعض حواسهم؛ وإنما أتمنى أن يكون قدوة لنا نحن قبلهم؛ لنرى نعم الله بعين الرضا والتفاؤل مثله.

هذه النظرة هي التي ارتكزت عليها محاضرة الشيخ حسن الصفار، التي أكد فيها على أننا مهما كنا غارقين في مشاكلنا، ونشعر بالوجع والحرج منها، لابد من التوقف عن الندم والحزن، والاتجاه للتفكير بحلول لها، حتى لو كان ذلك الحل جزئيا غير كامل.

ومن الضروري التفكير المطول فيها، لذا اسمح لنفسك بالتفكير بكل الجوانب، وتقبل تحمل المسؤولية في الأمور التي أخطأت فيها، ولا خجل من طلب المساعدة من الآخرين والأستفادة من خبرتهم ونصحهم.

ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكنت أظنها لا تفرج..... إن الثقة بالله غاية أساسية يجب الإيمان بها؛ واستند سماحة الشيخ على مجموعة من الآيات القرآنية التي توضح ذلك منها «ولا تيأسوا من روح الله». ولو جلست بثوان، واستذكرت كم من الأمور التي حلت لك بشكل غير متوقع؛ ستجد نفسك مبتسما ابتسامة الحمد، شاكرا لله من صميم قلبك، فهو العادل في عالم ممتلئ بالظلم، وهو الكريم في زمن اجتمع فيه البخل مع الفساد، وهو المتسامح الذي لا يغلق بابه رغم سوء ظننا الدائم به.

إن أسوء الظروف التي نمر بها تبرز أفضل طاقاتنا، وتغييرك لمفهوم البلاء، من عقاب إلى نعمة؛ سيشعرك براحة كبيرة؛ تجعلك شخصًا أفضل، وستمنحك القوة؛ لتقبل الأمور والتعلم منها، فكل محنه تمر علينا؛ نتعلم منها شيئا جديدا، تجعلنا أفضل من ذي قبل.

كما أكد الشيخ الصفار، أن لا وجود لإنسان كامل خالي من الضغوط، فكل أنبياء الله عاشوا الظلم والقسوة لسنوات؛ لكنهم نالوا أثر صبرهم فيما بعد.

ولنا بالرسول ﷺ وهو حبيب الله قدوة حسنة عاش يتيمًا، محاربا بكل أساليب العنف والصد؛ لكنه أصبح بصبره رسول الأمة.

إن كل لحظة ضعف تمر بها؛ تذكرك أنك خلقت على هذه الأرض؛ لهدف إعمارها، وقد أعانك الله على هذه المهمة بالكثير من النعم والكرامات، فلا تقلق إذا نقصت بعض هذه النعم. كن ممتنا لله، وسيهديك بحمدك أضعافها.

رغم أنة فاقد البصر، رسم ببصيرة الحب والأمل ضوءا، يجذب به فراشات لم يرها يومًا. ولكل من يقرأ كلماتي هذه بعين سليمة، أشكر الله، وابدأ بإبراز نور الرضا والحمد من داخلك؛ لتجذب به الخير والسعادة لك ولمن حولك، ولتطمئن على يومك ومستقبلك مادام بعين الله.