الإساءة للرموز الدينية تهديد للسلم والتعايش

 

تسود العالم الإسلامي وهو يحتفي بأيام المولد النبوي الشريف، موجة من الألم والغضب، احتجاجًا على الإساءات المتكررة لشخصية النبي محمد من قبل بعض الجهات الغربية.

وحق للمسلمين أن يغضبوا بل من الواجب عليهم أن يغضبوا لأن النيل من رسول الله هو جرح مؤلم لكرامتهم واعتداء على أهم مقدساتهم.

ومن المؤلم حقًا إصرار هذه الجهات الغربية على تكرار هذه الاساءات وتجديدها عامًا بعد آخر، وتحت غطاء حرية التعبير عن الرأي، مع أنهم يجرّمون التعبير عن الرأي إذا كان تشكيكًا في بعض تفاصيل الهولوكوست وما يسمونه العداء للساميّة.

وهل يصح التمسك بحرية التعبير عن رأي يثير الكراهية والصدام داخل الشعوب الأوربية نفسها، نظرًا للوجود الإسلامي ضمنها، وعلى مستوى العالم حيث يرفض ذلك أكثر من مليار ونصف مسلم على وجه الكرة الأرضية؟ وهل السخرية والاستهزاء بالآخر الديني والحضاري يعتبر رأيًا؟

إن هناك من يعمل لتأجيج الصراع والصدام بين المجتمعات الإسلامية وبين المجتمعات الغربية، كاليمين المتطرف، واللوبي الصهيوني، والتيارات العنصرية، التي يزعجها نمو الوجود الإسلامي في المجتمعات الغربية، حيث أصبح الإسلام هو الديانة الثانية في عدد من الدول الغربية كإسبانيا وفرنسا وبريطانيا ودول أخرى. وهناك إقبال على الإسلام من قبل أبناء المجتمعات الغربية الذين وجدوا فيه ما يبحثون عنه من معنى للذات والحياة، وشعور بالطمأنينة والاستقرار النفسي.

لذلك أصبح هناك من يثير القلق والخوف في المجتمعات الغربية من انتشار الإسلام، ومن أسلمة أوربا، وصدرت تصريحات كثيرة في هذا السياق من جهات سياسية، ودينية كنسية ومؤسسات بحثية وإعلامية، ونشروا ثقافة (اسلاموفبيا).

ويسعى هؤلاء بنشر هذه الإساءات للإسلام وللنبي محمد أن يوقفوا انتشار الإسلام بتشويه سمعته، وباستدراج بعض المسلمين إلى ردود فعل مسيئة، كممارسة العنف والإرهاب، لخلق حاجز بين الإسلام وبين تلك المجتمعات.

وهنا يجب الحذر من هذا الفخ الخطير، فإن ممارسة العنف والإرهاب باسم الدفاع عن النبي محمد كالذي حصل في مدينة نيس الفرنسية (الخميس 29 أكتوبر 2020م) من الاعتداء على كنيسة نوتردام وقتل حارس وامرأتين، هذا العمل هو إساءة أشد للإسلام ولرسول الله ، من نشر تلك الرسوم المسيئة. والإسلام لا يقبل بمثل هذا العدوان الاجرامي على الأبرياء.

إن على المسلمين أن يواجهوا الإساءة لدينهم ونبيهم بالعمل الإيجابي، وذلك بتبيين حقائق الدين، وسيرة النبي للعالم بلغة عصرية حضارية، وان يحتجوا على الاساءات بطريقة سلمية، ضمن قوانين وأنظمة الدول التي يعيشون فيها، وألا تدفعهم هذه الاساءات للانطواء والانفصال عن مجتمعات تلك البلدان، بل عليهم أن يتجهوا أكثر للاندماج فيها، والمشاركة في الحياة السياسية والاقتصادية والعلمية بفاعلية ونشاط.

فذلك هو الذي يعزز وجودهم وقوتهم، ويقدم الصورة المشرقة عن دينهم وحضارتهم.

وعلينا أن نرفع راية الدعوة إلى احترام الرموز الدينية لجميع الأديان والمذاهب، وأن تسعى حكومات البلاد الإسلامية، ومختلف المؤسسات، إلى تحقيق اجماع عالمي أممي على إدانة الإساءة للرموز الدينية لجميع الأمم والشعوب.

وهذا يعني أن نلتزم نحن بهذا السلوك الحضاري في داخلنا كمسلمين، بين مذاهبنا وطوائفنا المختلفة، وفيما بيننا وبين أتباع الديانات الأخرى. فلا يجوز لأبناء مذهب إسلامي أن يسيء إلى رموز المذهب الإسلامي الآخر، لأن تلك الإساءة تثير الكراهية والصدام بين الطوائف الإسلامية. فلا يحق للشيعي أن يسيء إلى رموز أهل السنة، ولا للسني أن يسخر من مقدسات الشيعة، ووجود روايات وأقوال تبرر ذلك في تراث الطرفين هو نتاج لظرف سابق من الخصومات والنزاعات الطائفية التي يجب تجاوزها، والإصرار على الأخذ بتلك الروايات والأقوال ينسف وحدة الأمة، ويمزق مجتمعاتها وأوطانها، وذلك مالا يرضاه الله ولا يقبله العقل.

إن ديننا يربينا على احترام الآخرين لنلزمهم باحترامنا يقول تعالى: ﴿وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ فَيَسُبُّوا اللَّـهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ كَذَٰلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [سورة الأنعام، الآية: 108]، فكل أمة وطائفة تنظر إلى رموزها وشعائرها باحترام وتقديس، وتردّ على من ينال منها بالمثل، فإذا اعتديتَ على مقدسات الآخرين ورموزهم الدينية، فسيواجهونك بالإساءة إلى رموزك ومقدساتك، وهنا يتورط الجميع في خوض حرب دينية مذهبية يخسرون فيها جميعا.