المثقف المهموم بمجتمعه ووطنه

تتزاحم نقاط القوة وعناصر التميّز في شخصية الأستاذ محمد رضا نصر الله، فيحتار المتحدث عنه بأيها يبدأ، وعلى أيٍ منها يركّز حديثه؟ وهذا ما واجهته حينما طلب مني الأخ فؤاد نصر الله المشاركة في الملف الاحتفائي بالصديق العزيز أبي فراس.

وسأختار هنا تسليط الأضواء على بعد مهم تميزت به شخصيته وسيرته، وهو انشغال فكره الدائم بهموم مجتمعه ووطنه، والجهد المتواصل الذي يبذله على هذا الصعيد.

قبل ذلك لا بدّ من الإشارة للخلفية التي حفّزته لحمل هذا الهم الوطني، فقد نشأ في أحضان أسرة عريقة، أنجبت عدداً من الشخصيات القيادية التي تصدت للزعامة الاجتماعية، وحمل الهمّ الوطني، كالزعيم الشهير الشيخ أحمد بن مهدي نصر الله (1248هـ ـ 1306هـ)، والعالم البارز الشيخ عبدالله بن ناصر نصر الله (توفي 1341هـ)، والزعيم عبدالله بن نصر الله بن مهدي نصر الله (1311هـ ـ 1374هـ)، الذي كان عمدة القطيف ووكيل بيت المال فيها من قبل الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود. وهو جد الأستاذ محمد رضا لأمه.

فلا بدّ وأن يكون لهذه النشأة أثرها في تكوين شخصيته، وتحفيز تطلعاته، خاصة وأن والده الأديب منصور نصر الله (1344هـ ـ 1426هـ) كان ذاكرة رصينة ورواية للتاريخ الاجتماعي، وكانت مجالسه وأحاديثه ثرية بذكريات الأسلاف، ووقائع الأحداث.

محمد رضا نصر اللهوقد سمع الولد من أبيه كثيراً عن تاريخ أسرته ومجتمعه ووطنه، مما يرفع مستوى الثقة بالذات، والشعور بالمسؤولية، والطموح للرقي وخدمة الأهداف النبيلة.

وفي وقت مبكر من حياته اقترب من جيل النخبة الرواد في مجتمعه، من الناشطين في ميدان الثقافة والأدب، والمهتمين بالشأن الاجتماعي والوطني، كالشيخ عبدالحميد الخطي، والشيخ ميرزا حسين البريكي، والمؤرخ محمد سعيد المسلم، والأديب عبدالله الجشي، والسيد علي باقر العوامي، والسيد حسن العوامي، والأديب محمد سعيد الخنيزي، ونظرائهم. وذلك ما عزّز توجهاته الثقافية والأدبية، وأتاح له الفرصة لمواكبة التطورات الاجتماعية والقضايا الوطنية.

كما أن علاقته منذ حداثة سنه بالكتاب، وشغفه بالمطالعة، من خلال مكتبة والده الثرية بالمصادر الأدبية والتاريخية والدينية، فتح أمامه آفاق المعرفة، والاطلاع على سير المصلحين، وتجارب الناشطين في خدمة مجتمعاتهم وأوطانهم. كل هذه العوامل أسهمت في بناء قناعاته وتصوراته، وفي صناعة مشاعره واحاسيسه تجاه مجتمعه ووطنه.

وحين انتقل إلى الرياض وهو في ريعان شبابه ومقتبل عمره، واقتحم ميدان الثقافة والإعلام، بعد إكمال دراسته الجامعية، فظهر نجمه، وبرزت شخصيته، من خلال آرائه المميزة في الكتابة الصحفية والبرامج التلفزيونية، حيث كانت برامجه الحوارية في التلفزيون السعودي ثم في محطة mbc محل متابعة واهتمام محلياً وعلى امتداد العالم العربي، فقد تحاور مع نخبة من قادة الفكر وأصحاب الرأي وأعلام الأدب، وكان بارعاً في إدارة الحوار، وإثارة النقاش الجادِّ حول القضايا الحساسة والمهمة، بعمق وموضوعية متميزة.

وذلك ما لفت الأنظار إلى قوة شخصيته، وعمق ثقافته، واقتداره الأدبي، ووعيه السياسي، وولائه الوطني الذي لا يمكن المزايدة عليه، فأصبحت له مكانة مرموقة، وصار محل احترام وتقدير في الأوساط الرسمية والنخب الاجتماعية.

وبكفاءته وجاذبية شخصيته راكم رصيداً كبيراً من الاحترام، وصنع شبكة واسعة من العلاقات، فقد حظي بتقدير قادة البلاد وكبار المسؤولين، وكان على صلة وثيقة بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز من أيام إمارته لأمارة الرياض، كما كانت له علاقة وطيدة بالملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز، وكبار الأمراء كالأمير سلطان بن عبدالعزيز، والأمير نايف بن عبدالعزيز، ومعظم الأمراء والوزراء والمسؤولين، واختير عضواً لمجلس الشورى في ثلاث دورات متوالية ( 1426هـ ـ 1438هـ).

هذا البروز الثقافي الإعلامي، والمكانة التي حظي بها في الوسط الرسمي، ضاعفت إحساسه بالمسؤولية تجاه وطنه ومجتمعه.

هناك من يحتفظون برصيدهم من البروز والمكانة والمنصب لصالح ذواتهم، ولا يبذلون شيئاً منه لصالح أبناء مجتمعهم ولخدمة قضايا وطنهم.

وبعض هؤلاء ينفصلون عن ناسهم ومجتمعهم، ويكون المنصب والموقع بمثابة برج عاجي يطلون منه على من حولهم غير عابئين بآلامهم وآمالهم.

ويتعذّر البعض منهم بأنه لا يريد أن ينظر له الآخرون منحازاً لمجتمعه وبيئته، وقد يكون ذلك نابعاً عن شعور بالنقص في هويته الاجتماعية، فإن الانحياز المنبوذ هو ما يكون على حساب النظام والقانون، وليس التعاطف مع القضايا الإنسانية والمطالب المشروعة التي يكفلها النظام والقانون.

إن من يحترم ذاته، ويهتم بمجتمعه، يحترمه الآخرون ويكبرونه، فالمرء حيث وضع نفسه.محمد رضا نصر الله

والأستاذ محمد رضا نصر الله أنموذج مشرق على هذا الصعيد، فهو كلما ارتقى مكانةً ومقاماً، ازداد صلةً وارتباطاً بناسه ومجتمعه، يشارك الناس في أفراحهم وأتراحهم، ويحضر المناسبات الدينية والاجتماعية، ويتواصل مع علماء الدين والأدباء والوجهاء والناشطين اجتماعياً في بلده.

ويتفقد حاجات مجتمعه، ومتطلبات التنمية في بلده، ويستثمر مكانته وعلاقاته الواسعة في خدمة المصلحة العامة، ومعالجة القضايا والمشاكل المجتمعية، فهو يبذل رأيه ومشورته، ويساعد في الوصول إلى جهة القرار، ويسعى شخصيًا في متابعة بعض المشاكل والقضايا حينما يستلزم الأمر ذلك.

ويحث أبناء مجتمعه على التواصل مع مسؤولي الدولة، لثقته باهتمام المسؤولين بقضايا مواطنيهم، ولأن التواصل يعزّز التلاحم بين القيادة والشعب، ويكرّس الولاء للوطن والدولة، ويبذل جهده في إنجاح مبادرات التواصل، وتحقيق تطلعات المواطنين، في معالجة المشاكل واستكمال الخدمات التنموية.

كما يشجع أبناء مجتمعه على الانفتاح والتواصل مع الأطياف الوطنية المختلفة، وقد لمست منه دعماً كبيراً في مبادراتي التواصلية على هذا الصعيد، فقد نسّق لي بعض اللقاءات مع عدد من المسؤولين والشخصيات الوطنية، وأقام في منزله دعوات وضيافات ليجمعني فيها ببعض الشخصيات البارزة.

وحين ابديت رغبتي في لقاء مفتي المملكة الراحل الشيخ عبدالعزيز بن باز لكسر الحاجز النفسي، وصنع أجواء علاقة طيبة تخفّف الاحتقان الطائفي، تحمّس للفكرة، وشجّعني على القيام بها، وساعد في تحقيقها بتواصله مع الأمير سطام بن عبدالعزيز نائب أمير الرياض آنذاك، ولما تحدد موعد اللقاء منتصف شهر ذي القعدة 1416هـ كان حريصاً على المتابعة ومعرفة ما دار فيه، وكتب حول هذا اللقاء في جريدة الرياض تحت عنوان: (هذا ما جرى في مجلس الشيخ ابن باز) بتاريخ 18/6/2003م.

وعندما دُعيت لإلقاء محاضرة في خميسية الشيخ حمد الجاسر بالرياض بتاريخ 9 ديسمبر 2004م كان هو المقدم للندوة.

وحين أَستضيف في مجلسي بالقطيف أي شخصية من شخصيات الوطن، من الرياض أو من جدة أو غيرها، ويكون الأستاذ محمد رضا موجوداً في القطيف، فإنه لا يتأخر عن تلبية الدعوة، ويضفي على اللقاء بحضوره ومداخلاته حيوية وجمالاً، كل ذلك يأتي في إطار اهتمامه بتعزيز الوحدة الوطنية، وتشجيع الانفتاح والتواصل بين مختلف مكونات الوطن وشرائحه.

وعلى الصعيد الوطني العام، فإن معظم مقالاته التي نشرها في جريدة الرياض لعقود من الزمن، كانت تواكب حركة التطور والنهضة في الوطن، بطرح المشاريع والمقترحات، ومعالجة الثغرات والعوائق، وتصويب التوجه الفكري والثقافي نحو الانفتاح ومواكبة العصر، واستيعاب المتغيرات العالمية، وتجاوز حالة الانغلاق والتشدد.

وفي نفس السياق كانت حواراته التلفزيونية المميزة، التي تخطت ألف ساعة من الحوار الجادّ، مع نخبة من قادة الفكر والأدب على المستوى العربي والعالمي.

كما كان له حضور فاعل في مختلف المشاريع الثقافية الوطنية، فهو من الأعضاء المؤسسين لنادي الرياض الأدبي، وشارك في جهود إنشاء نادي الشرقية الأدبي، وله مشاركة فاعلة في التخطيط لبرامج مهرجان الجنادرية الثقافي الذي يقيمه الحرس الوطني، وخلال عضويته لمجلس الشورى التي امتدت لأثنى عشر عاماً، كانت مشاركاته ومداخلاته ذات تأثير ومحل تقدير، من المسؤولين ومن إدارة المجلس وزملائه الأعضاء.

ولا يمكن إغفال مشاركته في كثير من المؤتمرات الثقافية والأدبية على مستوى العالم العربي كملتقى التنمية الخليجي، ومهرجان أصيلة بالمغرب، ومعرض القاهرة الدولي للكتاب، ومهرجان المربد في الأردن، حيث حقق فيها خير تمثيل لوطنه ومجتمعه، بكفاءته الثقافية، وسحر شخصيته الجاذبة.

رعاك الله يا أبا فراس، وأطال عمرك، ومتّعك بالصحة والعافية، وأثابك على ما قدمت لمجتمعك ووطنك خير الجزاء.