رعاية الأحفاد في النهج النبوي

 

عن سعيد بن أبي راشد أن يَعْلَى بْنُ مُرَّةَ حدثهم: أنَّهم خرجوا معَ النَّبيِّ إلى طَعامٍ دُعوا لَهُ، فإذا حُسَيْنٌ يلعَبُ في السِّكَّةِ، قالَ: فتقدَّمَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ أمامَ القومِ، وبَسطَ يديهِ، فجعلَ الغلامُ يفِرُّ ها هُنا وَها هُنا، ويضاحِكُهُ النَّبيُّ حتَّى أخذَهُ، فجعلَ إحدى يديهِ تحتَ ذقنِهِ، والأخرى في فأسِ رأسِهِ فقبَّلَهُ وقالَ: حُسَيْنٌ منِّي، وأَنا مِن حُسَيْنٍ، أحبَّ اللَّهُ من أحبَّ حُسَيْنًا، حُسَيْنٌ سبطٌ منَ الأسباطِ"[1] .

ورد في السّيرة النبوية أنه كان للنبي سبعة أولاد، ثلاثة ذكور وأربع أناث، وسبعة أحفاد، هم: الحسن بن علي، والحسين بن علي، وأم كلثوم بن علي، وزينب بنت علي، وهؤلاء أمهم فاطمة الزهراء ، وعبدالله بن عثمان بن عفان، أمّه رقية ، توفي في حياته ، وأمامة بنت أبي العاص، أمّها زينب ، وقد تزوجها الإمام علي بعد وفاة فاطمة الزهراء ، وعلي بن أبي العاص، أخو أمامة، توفي في حياة رسول الله .

وهكذا لم يكن للنبي عقبٌ إلّا من ابنته فاطمة الزهراء ، فانتشر نسله الشريف من جهة السبطين الحسن والحسين .

ونجد في الأحاديث ووقائع السيرة النبوية أنّ النبي ومع عظيم انشغالاته الرسالية والقيادية، إلّا أنه كان يصرف جهدًا ويبدي اهتمامًا برعاية أحفاده، وخاصّة الحسنين .

ولا شك أنّ في ذلك تبيينًا لمقامهما وفضلهما أمام الأمة.

لكننا يجب أن نأخذ من ذلك دروسًا تربوية. ضمن النقاط التالية:

1/ أهمية إغداق العطف والحنان على الصغار من الأبناء والأحفاد.

عن أبي هريرة قال: قبَّل النَّبِيُّ الْحسنَ بنَ عَليٍّ، وَعِنْدَهُ الأَقْرعُ بْنُ حَابِسٍ، فَقَالَ الأَقْرَعُ: إِنَّ لِي عَشرةً مِنَ الْولَدِ مَا قَبَّلتُ مِنْهُمْ أَحدًا، فنَظَر إِلَيْهِ رسولُ اللَّه فقَالَ: "مَن لا يَرْحَمْ لَا يُرْحَمْ"[2] .

2/ كان يظهر محبة واحترام أحفاده أمام الناس.

حيث كان يكثر من ذلك ويظهره أمام الأمة، ولم يكن مجرّد تصرّف داخل بيته فقط، كما نجده عند كثير من الآباء والأمّهات. فكثير من الآباء لا يظهرون مشاعرهم وعطفهم على أولادهم خارج البيت، بل على العكس، قد يبالغ بعض الناس في إبراز علاقة الفتور مع عائلته أمام الناس وكأنه من المعيب أن يتعامل بالشفقة والعطف مع أبنائه أمام الناس! رسول الله على العكس من ذلك، كان يغدق الحنان والعطف على سبطيه داخل البيت وخارجه، بل ربما كان يبرز ذلك خارج البيت أكثر، وفي ذلك رسالة:

إنّ إغداق العطف والحنان على الأبناء والأطفال لا يشكل خفّة في الشخصية أو ابتذالًا، بل يبرز الحالة الوجدانية، وقد أراد رسول الله بهذه الطريقة أن يوحي إلى المسلمين أن أغدقوا العطف والحنان على أبنائكم أمام الناس؛ لأنّ ذلك يُعزّز شخصية الطفل، ويزيده ثقة بنفسه، لشعوره أنه مورد اهتمام واحترام، بخلاف زجره أمام الناس، الأمر الذي لا يراعيه كثير من الآباء، حيث يشعر الابن بزجره أمام الناس بالدونية، ويزرع في نفسه عقدة الحقارة، ويشعره بالامتهان.

عن أبي بكرة: أنَّ رَسولَ اللهِ كانَ يُصَلِّي، فإذا سجَدَ وَثَبَ الحَسَنُ على ظَهرِهِ وعلى عُنُقِهِ، فيَرفَعُ رَسولُ اللهِ صلَّى رَفْعًا رَفيقًا لِئَلَّا يُصرَعَ، قالَ: فعَلَ ذلك غَيرَ مَرَّةٍ، فلمَّا قَضى صَلاتَهُ، قالوا: يا رَسولَ اللهِ، رَأيناكَ صَنَعتَ بِالحَسَنِ شَيئًا ما رَأيناكَ صَنَعتَهُ. قالَ: إنَّهُ رَيحانَتي مِنَ الدُّنيا[3] .

عن أبي أيوب الأنصاري قال: دخَلْتُ على رسولِ اللهِ والحَسَنُ والحُسَينُ يلعبان بينَ يدَيه أو في حِجرِه فقلْتُ: يا رسولَ اللهِ، أَتُحِبُّهما؟ فقال: وكيف لا أُحِبُّهما وهما رَيحانتايَ مِنَ الدُّنيا أَشُمُّهما؟[4] .

3/ إشراك الأبناء في الشأن العام.

كان رسول الله حريصًا على إبراز سبطيه الصّغيرين في السنّ للأمة، كما حدث في إحضاره لهما في قضية المباهلة، ﴿فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ‎[5]  وقبوله البيعة منهما، وما ورد في السيرة أنه سجل شهادتيهما على كتاب المعاهدة بينه وبين قبيلة ثقيف، وإحضاره لهما في الجوّ العام للأمة، الذي استفاضت به الروايات، كما نقل أنّ الإمام الحسن بن علي كان يحضر مجلس رسول الله وهو ابن سبع سنين، فيسمع الوحي ويحفظه، فيأتي أمّه فاطمة الزهراء فيلقي إليها ما حفظه، وكلّما دخل علي عليها وجد عندها علمًا بالتنزيل فيسألها عن ذلك فتقول: "مِنْ وَلَدِكَ اَلْحَسَن"[6] .

كان رسول الله يهتم بإحضار سبطيه الصّغيرين إلى المسجد. روى أبو بكرة قال: رأيت رسول الله على المنبر والحسن ابن علي إلى جنبه وهو يُقْبل على الناس مرّة وعليه أخرى ويقول: إنّ ابني هذا سيّد، ولعلّ الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين[7] .

من هنا ينبغي أن يهتم الكبار بإحضار أبنائهم في المجالس العامة. فوجود الطفل في أماكن اجتماع الناس ينمّي شخصيته سيّما في مكان كالمسجد، لكنّنا إذا تصفّحنا المساجد فقلّما نجد أطفالًا بصحبة آبائهم! كثير من الآباء يتعذّر بخشيته أن يكون أبناؤه مصدر إزعاج للمصلين، أو يقوموا بتصرفات لا تليق بقدسية المسجد. وهذا خلاف ما نجده في السنة النبوية، إذ كان رسول الله يصلي ويسمع بكاء طفل فيختصر في صلاته.

هناك رواية تشير إلى كراهية تمكين الأطفال في المساجد. باعتبار أنّ المسجد للعبادة ولا يصلح للصّغار، لكنّ بعض العلماء التفتوا إلى أنّ الرواية ضعيفة من جهة، ومن جهة ثانية أنّ المراد بالأطفال هم الذين لا يتحفّظون في النّجاسة. ولهذا يعلّق السيّد الشيرازي (رحمه الله) في موسوعته الفقهية على هذه المسألة قائلاً: «والظاهر أنّ المراد الأطفال الذين هم مظنّة التنجيس والأذية ونحوهما، لا الأطفال للصّلاة، فقد صح دخول الحسن والحسين وأمامة وغيرهم مسجد رسول الله وعناية الرسول بهم، بل الإطلاقات منصرفة عن ذلك»[8] . ويعلّق السيّد السيستاني على هذه المسألة في العروة الوثقى بقوله: إذا لم يؤمن تنجيسهم المسجد، وإزعاجهم فيه، وإلّا فلا بأس به ولربما يكون راجحًا[9] .

4/ في هذا العصر ومع انشغال الأبوين عادة على الأجداد والجدّات أن يبدوا اهتمامًا أكبر بالأحفاد والأسباط، ليساعدوا في تربية الأحفاد، ويملؤون الفراغ الذي يحصل من انشغال الأبوين.

إنّ إغداق الحبّ والحنان على الأبناء والأحفاد ضروري جدًّا لإثراء مشاعرهم الإيجابية، وبناء نفوسهم القويمة. ويجب التحذير من أساليب العنف مع الأبناء فإنه يجرح مشاعرهم، ويزرع العقد والسّلبيات في نفوسهم، ويربّيهم على ممارسة العنف مع الآخرين.

ومن المؤسف جدًّا ما تتحدّث به بعض الإحصائيات عن ارتفاع معدّلات استخدام العنف ضدّ الأطفال في بلادنا.

فقد (استقبل مركز مساندة الطفل التابع لبرنامج الأمان الأسري خلال العام 2019م 3600 حالة، وتنوعت الحالات ما بين عنف عاطفي بنسبة 34 % وجسدي بنسبة 29% وإهمال بنسبة 26%)[10] .

إنّ رعاية الطفولة وتربية الجيل الناشئ مهمّة دينية وطنية اجتماعية، يجب أن تشارك كلّ الجهات في إنجازها لنضمن للوطن والمجتمع مستقبلًا أفضل وجيلًا صالحًا.

 

الجمعة 27 ذو الحجة 1442هـ الموافق 6 أغسطس 2021م.

[1]  الألباني: صحيح ابن ماجه، ح118. سلسلة الأحاديث الصحيحة، ح1227.
[2]  صحيح البخاري، ح5997.
[3]  مسند ابن حنبل، ج7 ص334، ح20539.
[4]  الطبراني: المعجم الكبير، ج4 ص207.
[5]  سورة آل عمران، الآية: 61.
[6]  بحار الأنوار، ج43 ص338.
[7]  صحيح البخاري. ج3 ص170.
[8]   السيد محمد الحسيني الشيرازي. الفقه، كتاب الصلاة، ج19، الطبعة الثانية 1408ﻫ، (بيروت: دار العلوم للتحقيق والنشر)، ص285.
[9]   العروة الوثقى للسيد محمد كاظم اليزدي مع تعليقة السيد علي السيستاني. ج2، كتاب الصلاة هامش ص88. الطبعة الأولى 1415ﻫ، (قم: مكتب آية الله السيد علي السيستاني).
[10]  (العنف.. آثار مدمّرة على صحة ودراسة الأطفال)، جريدة المدينة 2 ديسمبر 2020م.