التطوع خير الدنيا والآخرة

 

يقول تعالى: ﴿فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ. [البقرة: 184].

كيف يستثمر الإنسان النعم التي يُغدقها الله تعالى عليه في هذه الحياة؟

إنّ النزعة الذاتية الساذجة تدفع الإنسان لتوظيف هذه النعم في تحصيل الرغبات والمصالح المادية الآنية.

لكنّ هذه النزعة الذاتية إذا خضع لها الإنسان، تحجب عنه البعد الروحي المعنوي في شخصيته، وتتجاهل انتماءه الاجتماعي، وتُغفل مستقبله الأخروي. فيكون همّه تلبية الرغبات المادية لذاته في هذه الحياة.

وهنا يأتي الهدي الإلهي، عبر الرسالات السماوية، ومن أعماق الضمير والوجدان الإنساني، ليوجه الإنسان إلى الطريق الأمثل لاستثمار نعم الله عليه في هذه الحياة، وذلك بالاهتمام بالغير إلى جانب الذات.

إنّ الله تعالى أعطاك هذه النعم، لتستفيد منها لذاتك، ولتبذل منها لغيرك، وتعطي منها للآخرين.

يقول تعالى: ﴿وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ. [النور: 33].

والآية الكريمة تذكّر الإنسان بأنّ إمكاناته ليست من ذاته، وإنّما هي عطاء من الله، وهو مأمور بأن يعطي منها للآخرين.

ويقول تعالى: ﴿وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم. [المنافقون: 10].

فأنت مطالب بالإنفاق مما رزقك الله.

وقد يتصور الإنسان أنّ الأفضل له الاستئثار بما يحصل عليه من مكاسب وإمكانات، ومراكمتها وادّخارها لذاته، فيزداد فرحه كلّما ارتفع رصيده في حساباته البنكية، وتضاعفت ممتلكاته العقارية، ولا يريد أن ينقص منها شيء بالعطاء للآخرين، والإنفاق على المصالح العامة، لكنّ الله تعالى يؤكد للإنسان خطأ هذا التصور.

يقول تعالى: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُم ۖ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ ۖ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. [آل عمران: 180].

إنّ البخل شرٌّ للإنسان؛ لآثاره السلبية المقيتة على نفسه، وعلى مكانته الاجتماعية، ولأنه سبب لغضب الله وعذابه يوم القيامة.

العطاء للذات

إنّ العطاء والبذل للآخرين هو في حقيقته عطاء للذات.

يقول تعالى: ﴿وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ. [البقرة: 272].

ويقول تعالى: ﴿وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ. [محمد: 38].

ويقول تعالى: ﴿فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ. [البقرة: 184].

إنّ التطوع والعطاء، وفي مقابله البخل والشّحّ، لا ينحصر في الجانب المالي، بل يكون في الفكر والجهد والجاه أيضًا.

فالعطاء كما هو مطلوب في مجال الإمكانات المالية، فإنه مطلوب أيضًا على مستوى القدرات الفكرية، والجهد البدني والجاه الاجتماعي، وكذلك فإنّ البخل مرفوض في كلّ هذه المجالات.

وحين يتوفق الإنسان لتجاوز حالة الشّحّ والبخل، ويرتقي إلى ممارسة التطوع والعطاء، فإنه ينال الفلاح والفوز، ويكسب الخير في الدنيا والآخرة.

يقول تعالى: ﴿وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. [الحشر: 9، التغابن: 16].

إنّ التطوع ينمّي المشاعر الإيجابية في نفس الإنسان، ويعزّز القيم الفاضلة في شخصيته، ويوثّق صلته بمحيطه الاجتماعي، ويحقّق له رضا الرّب، والنجاة والنعيم في الآخرة.

وإذا سادت روح التطوع والعطاء في المجتمع يكون أكثر تماسكًا وقوة واستقرارًا.

تقدّم وتفاؤل

وبحمد الله تعالى فإننا نشهد في مجتمعنا حراكًا تطوعيًّا يزيدنا ثقة وتفاؤلًا في مستقبل هذا المجتمع.

وقد أبرزت الاحتفالية الجميلة التي شاركت فيها (23) جمعية و(14) جهة مهتمة بالعمل التطوعي في منطقة القطيف تحت مظلّة مركز التنمية الاجتماعية بالقطيف بالشراكة مع جمعية سيهات لتفعيل يوم التطوع السعودي والعالمي تحت شعار (عطاء وطن)، أبرزت مستوًى متقدّمًا من التفاعل والتجاوب الاجتماعي مع مؤسسات العمل التطوعي.

بدأ الملتقى فعالياته في قاعة الأمير فيصل بن فهد للمناسبات بسيهات، يوم الاثنين 12 ديسمبر، واستمرّ حتى يوم الخميس 14 ديسمبر.

كان الملتقى مناسبة رائعة تجتمع فيها جهات العمل التطوعي تحت سقف واحد، وبجهد تشاركي، ولإتاحة الفرصة لاطلاع الجمهور على مشاريع وإنجازات هذه الجمعيات والمؤسسات، ولإذكاء روح التنافس والتسابق نحو الخيرات.

خُصّصت فيه مسابقة لأفضل مشروع تطوعي، وتكريم (3) متطوعين حازوا أكثر عدد من الساعات التطوعية لكلّ جمعية، فكان عددهم (66) متطوعًا حاز هذه الجائزة.

إلى جانب تكريم (5) من روّاد العمل التطوعي لكلّ جمعية، وبلغ عددهم (130) شخصًا.

جزى الله القائمين على هذه الفاعلية الرائعة خير الجزاء، وشكرًا لمئات المتطوعين الذين شاركوا فيها من أبناء وبنات المجتمع، ولمن حضر وتفاعل مع هذا الحفل الرائع البهيج.

ونتطلّع إلى المزيد من عطاء الخيّرين في المجتمع.

تطلّعات وآمال

إنّ المأمول أولًا: مزيد من الإقبال من أبناء المجتمع لرفد هذه الجمعيات والمؤسسات التطوعية.

ثانيًا: استكمال منظومة العمل التطوعي التخصصي.

فلا تزال هناك كثير من المجالات الشاغرة في المجتمع على الصعيد الصحي والتعليمي والبيئي والثقافي، تنتظر مبادرات لتأسيس جمعيات تطوعية، خاصة وأنّ بلادنا تطمح ضمن رؤية 2030 للوصول إلى رقم مليون متطوع.

ثالثًا: تعزيز ونشر ثقافة العمل التطوعي، داخل الأسرة وفي المدرسة، وفي الإعلام، وعبر الخطاب الديني.

 

خطبة الجمعة 22 جمادى الأولى 1444هـ الموافق 16 ديسمبر 2022م.