ترجمة الشيخ حسن الصفار في موسوعة أعلام الدعوة والوحدة والإصلاح

 

حسن الصفار

حسن موسى رضي الصفار: مفكر سعودي معروف، وأحد دعاة الوحدة. ولد سنة ١٣٧٧ هـ (۱۹5۸م) في مدينة القطيف من المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية، وتعلم القرآن الكريم ضمن الكتاتيب الأهلية في المنطقة، ودرس الابتدائية في مدرسة زين العابدين بالقطيف، ثم التحق بمدرسة الأمين المتوسطة بالقطيف.

هاجر إلى النجف الأشرف للدراسة في الحوزة العالمية سنة ١٣٩١ هـ (۱۹۷۱م)، تم انتقل إلى الحوزة العلمية في قم سنة ۱۳۹۳ هـ (۱۹۷۳م)، ثم التحق بمدرسة الرسول الأعظم في الكويت سنة ١٣٩٤هـ (١٩٧٤م).موسوعة أعلام الدعوة والوحدة والإصلاح

تلقى علومه ومعارفه على يد مجموعة من العلماء والفضلاء، من أبرزهم: السيّد محمد الحسيني الشيرازي، الميرزا حسن الحائري، والسيّد محمد تقي المدرّسي، والسيّد مرتضى القزويني، والسيّد على ناصر السلمان، والشيخ علي المرهون.

درس على يده عدد كبير من طلاب العلوم الدينية من مختلف المناطق، حيث قام بتدريس مادة اللغة العربية ضمن كتابي قطر الندى» لابن هشام و«شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك»، كما قام بتدريس مادة الفقه الإسلامي ضمن كتابي «شرائع الإسلام» للمحقق الحلي و «شرح اللمعة الدمشقية» للشهيد الثاني، وتدريس مادة أصول الفقه ضمن كتابي «أصول الفقه» للشيخ المظفّر، و«رسائل» الشيخ الأنصاري، كما قام بتدريس مادة الاقتصاد الإسلامي، والأخلاق الإسلامية، وتفسير القرآن، ونهج البلاغة ، والخطابة .

وتقديرًا لكفاءته وتوثيقًا لدوره الديني والاجتماعي منحه عدد من كبار مراجع الدين وأعلام الأمة شهادات وإجازات للرواية والتصدي للمهام الدينية، ومن أبرزهم: السيّد علي السيستاني، والسيّد محمد رضا الموسوي الكلبايكاني، والسيد محمد الحسيني الشيرازي، والشيخ محمد إسحاق الفياض، والشيخ محمد مهدي شمس الدين.

بدأ ممارسة الخطابة الدينية عام ۱۳۸۸ هـ (۱۹٦٨م)، وعمره إحدى عشرة سنة، واستضافته مختلف المجتمعات لإحياء المواسم والمناسبات الدينية بمحاضراته في: الإحساء، والبحرين، والكويت، وسلطنة عمان، وقطر، ودبي، ودمشق، وقم، وطهران.

صدر له أكثر من ثمانين كتابًا في مختلف مجالات المعارف الدينية والثقافية، وترجم بعضها إلى لغات أخرى. ومن مؤلفاته المطبوعة: التعددية والحرية في الإسلام، التسامح وثقافة الاختلاف: رؤى في بناء المجتمع وتنمية العلاقات، الشيخ علي البلادي القديحي.. دراسة في شخصيته وتاريخه، المرأة العظيمة.. قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي، التنوع والتعايش.. بحث في تأصيل الوحدة الاجتماعية والوطنية، علماء الدين.. قراءة في الأدوار والمهام، أحاديث في الدين والثقافة والاجتماع، شخصية المرأة بين رؤية الإسلام وواقع المسلمين، الحوار والانفتاح على الآخر، فقه الأسرة: بحوث في الفقه المقارن والاجتماع، الخطاب الإسلامي وحقوق الإنسان، السلفيون والشيعة نحو علاقة أفضل، المذهب والوطن مكاشفات وحوارات صريحة، السلم الاجتماعي.. مقوماته وحمايته، السياسة النبوية ودولة اللاعنف.

كما نشرت له عدد من المجلات العلمية والثقافية بحوثاً ومقالات، منها: مجلّة «الكلمة»، ومجلّة «الواحة»، ومجلّة «البصائر »، ومجلّة «الحج والعمرة»، ومجلّة «المنهاج »، ومجلّة «رسالة التقريب» ومجلّة «الوعى المعاصر»، وغيرها، كما نشرت له بعض الصحف اليومية مقالات أسبوعية منتظمة، منها: جريدة «اليوم» السعودية ، وجريدة «الوطن» الكويتية ، وجريدة «الأيام» البحرينية.

وهو عضو في الهيئة الاستشارية لمجلة «الكلمة» والهيئة الاستشارية لمجلة «الوعي المعاصر». وعضو في الجمعية العمومية للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية.

وشارك في مؤتمرات الحوار الوطني بالمملكة العربية السعودية، ومؤتمرات مركز الشباب المسلم في الولايات المتحدة الأمريكية، وبعض مؤتمرات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في الكويت، ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في مملكة البحرين، كما أنشأ ورعى عددًا من المؤسسات الثقافية والاجتماعية في مختلف المناطق.

يقول: إن قيام الاتحاد الأُوربّي يشكل تجربة ملهمة للمسلمين، تدلّ على إمكانية تحقّق صبغة مناسبة للتضامن الإسلامي في هذا العصر، وأن ذلك ليس أملا خادعًا ولا أمنية تسرح في الخيال، خاصة مع ما يختزنه الوجدان الإسلامي في نفوس أبناء الأمة من تطلع للوحدة، ومع ما تحمله مفاهيم الإسلام من قيم وتعاليم دافعة نحو التضامن والتماسك..

لا شك أنّ ما يحدث الآن من مآسي النزاع والاحتراب في أكثر من ساحة إسلامية بفجّر الألم والغضب في نفوس أبناء الأمة، حيث تسيل دماء المسلمين على أيدي المسلمين، ويحلّ بديارهم الخراب والدمار من خلال معاركهم الداخلية، فضلًا عن توقّف مسيرة التنمية وضياع الثروات والقدرات. وتمنح هذه الصراعات الدامية للقوى الأجنبية أفضل فرص التدخّل والهيمنة وبسط النفوذ، كما حصل في العراق وأفغانستان والصومال والسودان ولبنان..

لكنّ تصاعد مشاعر الألم والغضب قد ترتد سلبًا على واقع الأمة حين تصيب النفوس بالإحباط واليأس، وقد تدفع باتجاهات تدميرية انتقامية تضر بالذات أكثر مما تضرّ بالأعداء وتضاعف المآسي بدل معالجتها، كما نرى ذلك في الممارسات الطائشة للإرهاب والعنف الداخلي والخارجي الذي شوه صورة الإسلام في العالم وأساء للأمّة إساءة بالغة.

إنّ واجب العلماء والمفكرين وقيادات الأمة أن توجه هذ المشاعر بالاتجاه الصحيح: لتكون هذه الأحداث المؤلمة بمثابة الصدمة التي توقظ الأمّة وتدفعها نحو استعادة تضامنها الإسلامي، كما دفعت الحربان العالميتان أوروبّا نحو طريق الوحدة والاتحاد.

وأشير هنا إلى بعض الخطوات التي أراها ضرورية للسير في طريق التضامن الإسلامي:

أولًا: تبلور الإرادة السياسية للوحدة

حيث تمسك القيادات السياسية ضمن الحكومات والأحزاب بأزمّة الأمور في بلاد المسلمين، وبإمكانها أن تنجز مهمة الوحدة والتضامن في واقع الأمة، كما صنعت ذلك القوى السياسية في أوروبا، شرط امتلاكها لوعي حضاري، وتوفّرها على استقلالية القرار.

إنّ كثيرًا من القيادات السياسية في عالمنا العربي والإسلامي لا تحمل أكثر من هم بقائها في سدة الحكم وموقع النفوذ، لذا لا تجد نفسها معنية بمشاريع التغيير والتطوير الحضاري.

كما أنّ ضيق أفقها السياسي يحشرها في زوايا الاهتمامات الذاتية والقضايا الجانبية، فتكون أسرع إلى التصادم مع بعضها.

من ناحية أخرى تخضع بعض هذه القيادات لتأثيرات القوى الخارجية الأجنبية التي لا تريد لهذه الأمّة أن تتوحّد إرادتها وأن تتضامن شعوبها.

إنّ هذا الكلام لا يأتي في سياق عقلية المؤامرة وإلقاء مسؤولية أوضاعنا على الخارج، بل يمثل حقيقة واضحة تكرّر مصاديقها وشواهدها كل يوم.

فهل تُخفي إسرائيل وأمريكا تشجيعها لحالة الصراع الداخلي الفلسطيني؟ وهل تتستّر أمريكا وحلفاؤها على محاولات إفشال أي توافق لبناني؟ وهل يحتاج الأمر إلى أدلة لإثبات دور الاحتلال الأمريكي في اقتتال العراقيّين؟

لقد آن أن يدرك السياسيون في العالم العربي والإسلامي أنهم في مأزق خطير، وأنّ حسابهم أمام التاريخ وشعوبهم صعب عسير، فلا بدّ من المبادرة لإصلاح المسار، وتبنِّي هموم الأمة، والانطلاق من مصالحها بعيدًا عن تأثيرات القوى الأجنبية، وتجاوز الحسّاسيّات والخلافات الجانبية، فـ «إِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يُعْطِ أَحَداً بِفُرْقَةٍ خَيْراً مِمَّنْ مَضَى وَلاَ مِمَّنْ بَقِيَ» كما يقول الإمام علي ، وكما تؤكّد حقائق التاريخ.

ثانيًا: حماية الوحدة الوطنية

لعل أخطر ما تواجهه الأمة الآن هو استهداف وحدة أوطانها بإشعال الفتن داخل المجتمعات لتمزيق الأوطان والشعوب، وما كان لهذه الفتن أن تنجح وأن يتّقد أُوارها لو لم تكن لها بذور ولو لم تتوفّر الأرضية الخصبة لنموها.

إنّ من أهم منافذ الفتن وعوامل النزاع الداخلي غياب العدل والمساواة واعتماد سياسات التمييز بين المواطنين على أساس تنوعهم القومي والديني. وهناك منفذ آخر شديد الخطورة هو التعبئة الطائفية، حيث تعالت أصوات الاتجاهات التعصبية المذهبية التي استغلت تنوع مذاهب أبناء الأمة لشن حملات التحريض على الكراهية بين أتباع المذاهب والدفع بهم نحو النزاع والاحتراب.

رغم أن هذا التنوع المذهبي ليس جديدًا ولا طارئًا بل هو أمر قائم عريق في تاريخ الأمّة، إلا أنّ هناك جهات خارجية وداخلية تريد اللعب على هذا الوتر وإثارة صراع مذهبي يمنع تلاحم قوى الأمة وتوجّهها لمقاومة العدو الصهيوني والهيمنة الأجنبية.

ويتحمّل علماء الأمّة القسط الأكبر من المسؤولية لمواجهة أخطار هذه الفتنة الداهمة؛ إذ أن عليهم القيام بواجب التذكير بمبدأ الوحدة والدعوة إلى الاعتصام بحبل الله وعدم التفرق والنزاع، وأن يبشّروا بثقافة التسامح واحترام تعددية المذاهب وشرعية الاجتهاد وحرية الرأي.

إنّ مكر الأعداء عظيم، لذلك يسعون إلى استدراج بعضنا بإثارة الغيرة على المذهب والنصرة للطائفة؛ للإيقاع بنا في فخ الفتنة والنزاع، بما يمحق أصل الإسلام ويكسر شوكة الأمّة.

ثالثًا: تفعيل منظمة المؤتمر الإسلامي

يُعَدّ قرار إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي استجابة مهمّة للتحدّيات التي تواجه الأمّة ولتطلعات الشعوب الإسلامية، لكنه رغم مرور أكثر من ثلاثة عقود على تأسيس هذه المنظمة - حيث عقد أول مؤتمر قمة إسلامي سنة ۱۳۸۹هـ / ١٩٦٩ م - لا زالت تعاني من ضعف في الجدّية والعزيمة وبطء في المسيرة والحركة.

لقد انضمت إليها كلّ الدول الإسلامية وتكوّنت فيها المؤسّسات والأجهزة التي تعنى بمختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والدينية والثقافية، لكنّه لا تزال تشكو من ضعف الإمكانيات المادية؛ لعدم التزام عدد من الدول الأعضاء بدفع مساهماتها المعتمدة لميزانية المنظّمة، كما يغلب على اجتماعاتها طابع المجاملات الشكلية وإصدار البيانات العامة بعيدًا عن اتخاذ القرارات الجادة وطرح المعالجات الجريئة للمشاكل الحقيقية التي تعاني منها ساحة الأمة.

إنّه يجب تفعيل دور هذه المنظّمة؛ لتكون المؤسّسة الجامعة لشمل الأمّة ولتبدأ من خلال أجهزتها خطوات التعاون والتكامل بين الدول الإسلامية، وصولًا إلى تحقيق التضامن الإسلامي.

رابعًا: ثقافة الوحدة الإسلامية

في غمرة الاندفاع الديني الذي يسود أجواء الأمّة تعالت في الأيّام الأخيرة أصوات طائفية بغيضة تريد الانحراف بحماس أبناء الأمّة ليتجه صوب الخلافات الداخلية بدل استهداف الأعداء الطامعين.

وكانت ساحة العراق التي تئنّ تحت وطأة الاحتلال الأمريكي هي مختبر الإنتاج ومنطقة التصدير لهذه البضاعة الكريهة، حيث يشتغل أوار فتنة طائفية هوجاء وقودها المواطنون العراقيون الأبرياء من مختلف الطوائف. ويُراد لهذه الفتنة أن تنتشر لإحراق مختلف ساحات المنطقة، تطبيقًا لمبدأ نشر الفوضى الخلّاقة الذي تبنّته الإدارة الأمريكية.

بالطبع، لا يمكننا إنكار وجود بذور للطائفية في تراثنا وثقافتنا وأنماط علاقاتنا، وإنّما تقوم الاتّجاهات التعصّبية برعاية تلك البذور، فيجد الأعداء من خلال ذلك فرصتهم المناسبة لتمزيق صفوف الأمة، من هنا تبرز أهمّية مراجعة هذا التراث وتنقية الثقافة المتداولة بين المسلمين من آثار وشوائب عصور التخلف والصراعات الطائفية.

إنّ الجهاد الأكبر لفقهاء الأمّة وعلماء المسلمين يتمثّل اليوم في التأكيد على مبدأ الوحدة، وتحريم وتجريم أيَّ قول أو فعل يضرّ بوحدة الأمّة، وكذلك التأكيد على أصول الإسلام التي تمثل الجامع المشترك بين المسلمين بمختلف مذاهبهم، والتقليل من شأن الاختلافات الفرعية في المعتقدات والأحكام باعتبارها نتاجًا طبيعيًّا لاختلاف الآراء والاجتهادات.

خامسًا: القضايا المصيرية

وأبرز قضية مصيرية تمثّل عنوان التحدّي للأمّة في هذا العصر هي القضية الفلسطينية والاحتلال الصهيوني للقدس الشريف وسائر الأراضي المحتلّة.

إنّها قضية عادلة مقدّسة لا يختلف عليها اثنان من أبناء الأمّة، فيجب أن تكون محورًا الوحدة الأمة وتضامنها ومنطلقًا لنهضتها وانبعاثها، فهي أعمق من احتلال أرض وقهر شعب.. إنّها مواجهة لمشروع صهيوني يستهدف إخضاع إرادة الأمّة والهيمنة على هذه المنطقة الاستراتيجية التربية ليكون القرار الإسرائيلي هو النافذ فيها.

وحين تتضافر قوى هذه الأمّة وتتوحد جهودها في مقاومة العدوان والأطماع الصهيونية فإنّ ذلك سيكشف للأمّة قوتها وعظيم قدرتها، وسيكسبها احترام العالم وتقديره، وسيعرف الصهاينة حجمهم الحقيقي بعيداً عما يحيطون به أنفسهم من تضخيم وتهويل.

وما صمود الفئة المقاومة في لبنان في حرب تمّوز الماضي وإيقاعهم الهزائم النكراء في الجيش الذي لا يقهر كما يدّعون إلّا أنموذج لما تختزنه هذه الأمة العظيمة من إرادة الصمود وقوة المقاومة وروح التضحية والفداء.

(انظر ترجمته في المنتخب من أعلام الفكر والأدب: ١١٥).

 

محمد الساعدي: موسوعة أعلام الدعوة والوحدة والإصلاح، الطبعة الأولى، 1431هـ-2010م، نشر المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية (ج1، ص316 -322).
محقّق، عالم دیني، مفكّر إسلامي عراقي.