ثقافة التّشدد

 

يقول تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ ۖ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ. [يونس: 59]

تنطلق التشريعات الدينية من منطلقين أساسين:

الأول: تجسيد العبودية والطّاعة لله تعالى في حياة الإنسان.

الثاني: تحقيق المصلحة للإنسان في دنياه وآخرته.

وتأخذ التشريعات الدينية ظروف الإنسان النفسية والاجتماعية والمعيشية بعين الاعتبار، فهي تتصف باليُسر ورفع الحرج، كما تؤكّد ذلك النصوص الدينية.

يقول تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ. [البقرة: 185]

ويقول تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ. [الحج: 78]

كما وردت أحاديث متضافرة مستفيضة عن النبي وعن أئمة أهل البيت تؤكّد على هذا النهج في التشريع الديني، وبناءً عليه قرّر الفقهاء المسلمون قاعدة (نفي العسر والحرج) واعتبروها حاكمة على جميع التشريعات، فأيّ حكمٍ يكون الالتزام به سببًا للعسر والحرج، يسقط وجوب الالتزام به على الإنسان؛ لأنه تعالى يقول: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا. [البقرة: 286]

والحرج: المشقة التي تكون فوق المتعارف، ويشخّصها المكلّف نفسه، فالذي يرفع التكليف هو الحرج الشخصي. والعسر بمعنى الحرج.

وحينما يُطلق اللفظان معًا الحرج والعسر، يُقصد بالحرج المشقة النفسية، وبالعسر المشقة البدنية والمادية.

بين اليُسر والتّشدد

وبهذا النّهج يستطيع الفرد المتديّن والمجتمع المتدين الإدارة الأفضل لحياته ضمن إطار المبادئ الدينية.

إنّ الله تعالى لم يجعل تشريعاته عائقًا للإنسان عن تسيير شؤون حياته، والارتقاء بها. حتى لا يكون ذلك سببًا لاستثقال الدين والنفور منه.

لكنّ بعض المتديّنين قد ينحون منحى التّشدد والمبالغة في الأخذ بالأحكام الشرعية.

وقد اتسعت عند هذه الجهات مساحة الواجبات والاحتياطات والمستحبات في القضايا العبادية، كما اتسعت مساحة التحريم والحظر في مجالات الحياة، حتى أصبحت حياة المتديّنين ضمن هذه التوجهات غابة من التعقيدات والعوائق والموانع عن الاستمتاع بمباهج الحياة، مع أنّ الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ. [المائدة: 87].

ومع وضوح اليُسر في الأحكام الشرعية حسب النصوص المعتمدة، وفتاوى المراجع والفقهاء، إلّا أنّ هذه الجهات تطرح مقولات مفادها الإعراض عن التيسير في الأحكام الشرعية.

فمثلًا مسألة حلّية وطهارة ما يؤخذ من سوق المسلمين، التي عنونها الفقهاء بعنوان: (قاعدة سوق المسلمين).

ومفادها: أنّ اللحوم والشّحوم والجلود المعدّة للأكل أو للاستعمال فيما يلزم فيه تذكية الحيوانات، محكوم عليها بالتذكية إن أخذت من سوق المسلمين، ما لم يعلم المكلّف بعدم حصول التذكية، أو أنّها مستوردة من غير بلاد المسلمين، مع عدم احتمال مراعاة من استوردها لإحراز التذكية الشرعية.

وما يصنع في بلاد الإسلام من اللحم كاللحوم المعلّبة، أو جلود الحيوانات كالأحزمة والأحذية، محكوم بالتذكية ظاهرًا من دون الحاجة إلى الفحص، بغضّ النظر عن بعض الاختلافات المذهبية في جزئيات التذكية، كالإخلال باستقبال القبلة.

والمدار في كون البلد منسوبًا إلى الإسلام غلبة السكان المسلمين فيه، بحيث ينسب عرفًا إليه، ولو كانوا تحت سلطة مستعمرين كافرين.

لا حاجة للفحص والسؤال

وقد وردت روايات عن أئمة أهل البيت تنهى عن السؤال والفحص، عمّا يؤخذ من سوق المسلمين.

وفي كتاب (وسائل الشيعة) باب عنوانه (طهارة ما يشترى من مسلم ومن سوق المسلمين، والحكم بذكاته ما لم يعلم أنه ميتة) أورد فيه اثنتي عشرة رواية حول الموضوع.

منها ما جاء عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ قَالَ: سَأَلْتُهُ [الإمام علي بن موسى الرضا ] عَنِ اَلرَّجُلِ يَأْتِي اَلسُّوقَ فَيَشْتَرِي جُبَّةَ فِرَاءٍ لاَ يَدْرِي أَذَكِيَّةٌ هِيَ أَمْ غَيْرُ ذَكِيَّةٍ، أَيُصَلِّي فِيهَا؟ فَقَالَ : «نَعَمْ لَيْسَ عَلَيْكُمُ اَلْمَسْأَلَةُ، إِنَّ أَبَا جَعْفَرٍ [الإمام محمد الباقر ] كَانَ يَقُولُ: إِنَّ اَلْخَوَارِجَ ضَيَّقُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِجَهَالَتِهِمْ، إِنَّ اَلدِّينَ أَوْسَعُ مِنْ ذَلِكَ»[1] .

هكذا يدين الإمام ثقافة التّشدد، وينسبها للخوارج، ويعتبرها ناتجة عن الجهل بمقاصد الدين وأغراضه.

وعنه بسند صحيح عَنِ اَلرِّضَا قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ اَلْخَفَّافِ يَأْتِي اَلسُّوقَ فَيَشْتَرِي اَلْخُفَّ لاَ يَدْرِي أَذَكِيٌّ هُوَ أَمْ لاَ، مَا تَقُولُ فِي اَلصَّلاَةِ فِيهِ وَهُوَ لاَ يَدْرِي، أَيُصَلِّي فِيهِ؟ قَالَ : «نَعَمْ أَنَا أَشْتَرِي اَلْخُفَّ مِنَ اَلسُّوقِ وَيُصْنَعُ لِي وَأُصَلِّي فِيهِ وَلَيْسَ عَلَيْكُمُ اَلْمَسْأَلَةُ»[2] .

وعن حمّاد بن عيسى قال: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِاَللَّهِ [الإمام جعفر الصادق ] يَقُولُ: «كَانَ أَبِي يَبْعَثُ بِالدَّرَاهِمِ إِلَى اَلسُّوقِ فَيَشْتَرِي بِهَا جُبُنًا، فَيُسَمِّي وَيَأْكُلُ وَلاَ يَسْأَلُ عَنْهُ»[3] ، مع احتمال استخدام أنفحة من حيوان غير مذكى في صناعة الجبن.

وعَنِ اَلْفُضَيْلِ وَزُرَارَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ: أَنَّهُمْ سَأَلُوا أَبَا جَعْفَرٍ [الإمام محمد الباقر ] عَنْ شِرَاءِ اَللَّحْمِ مِنَ اَلْأَسْوَاقِ وَلاَ يُدْرَى مَا يَصْنَعُ اَلْقَصَّابُونَ، قَالَ : «كُلْ إِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي أَسْوَاقِ اَلْمُسْلِمِينَ وَلاَ تَسْأَلْ عَنْهُ»[4] .

كما أفرد الشيخ المجلسي في بحار الأنوار بابًا بعنوان: (حكم ما يؤخذ من سوق المسلمين ويوجد في أرضهم)، أورد فيه عددًا من الروايات، ثم عقّب عليها بقوله: (قد ظهر من تلك الأخبار وغيرها، أنّ ما يباع في أسواق المسلمين، من الذبايح واللحوم والجلود والأطعمة حلال طاهر، لا يجب الفحص عن حاله، ولا أعرف فيه خلافًا بين الأصحاب، ولا فرق في ذلك عندهم بين ما يوجد بيد معلوم الإسلام أو مجهوله، ولا في المسلم بين من يستحلّ ذبيحة الكتابي أم لا، عملًا بعموم الأدلة)[5] .

وهذا ما يُفتي به الفقهاء في الماضي والحاضر، ولم يفتِ أحدٌ بخلافه.

وقد ذهب جمع من الفقهاء إلى القول بكراهة السؤال، ولعلّ الأكثر ذهبوا إلى ذلك.

قال صاحب الجواهر: (ما يباع في أسواق المسلمين من الذبائح واللحوم والجلود يجوز شراؤه، ولا يلزم الفحص عن حاله أنه جامع لشرائط الحلّ أو لا، بل لا يستحب، بل لعلّه مكروه، للنهي عنه)[6] .

ويشير صاحب الجواهر إلى أنّ النصوص الواردة عن الأئمة في حلّية ما يؤخذ من سوق المسلمين، جاءت في وقت كان فيه سوق المسلمين يسوده الرأي القائل بحلّية ذبائح أهل الكتاب، ومع ذلك كان موقف الأئمة التأكيد على الحلّية، قال ما نصّه: (فما عن التحرير من اعتبار كون المسلم ممن لا يستحل ذبائح أهل الكتاب واضح الضعف، خصوصًا بعد اشتهار الجواز بين المخالفين الذي كان في ذلك الزمان لا يعرف سوق إلّا لهم، ومورد النصوص الأخذ منهم)[7] .

ويقول السيد الخوئي: (بل وفي بعض الأخبار الحث والترغيب على معاملة الطهارة والذّكاة مع ما يؤخذ من أسواق المسلمين، فعن الحسن بن الجهم قال: قُلْتُ لِأَبِي اَلْحَسَنِ [الإمام الرضا ]: أَعْتَرِضُ اَلسُّوقَ فَأَشْتَرِي خُفًّا، لاَ أَدْرِي أَ ذَكِيٌّ هُوَ أَمْ لاَ؟ قَالَ: «صَلِّ فِيهِ»، قُلْتُ: وَاَلنَّعْلُ؟ قَالَ: «مِثْلُ ذَلِكَ»، قُلْتُ: إِنِّي أَضِيقُ مِنْ هَذَا، قَالَ: «أَتَرْغَبُ عَمَّا كَانَ أَبُو اَلْحَسَنِ يَفْعَلُهُ»[8] )[9] .

ويضيف رحمه الله: (ثم إنّ أمّارية السُّوق لا يعتبر فيها الإيمان؛ لأنّ الأسواق في تلك الأزمنة كان أهلها من العامة الذين يرون طهارة الميتة بالدّبغ؛ لقلة الشيعة وتخفّيهم في زمانهم (عليهم السلام) ومع هذا حكموا باعتبارها)[10] .

ويرى السَّيد السبزواري أنّ الأرجح شرعًا عدم الفحص والسؤال عمّا يؤخذ من سوق المسلمين، بل قد يكون الفحص والسؤال حرامًا في بعض الحالات، حيث قال ما نصّه: (الظاهر مرجوحیة التفحّص والسؤال في سوق المسلم ومورد يده؛ لما تقدّم في بعض الأخبار: «ليس عليكم المسألة»، بل قد يحرم إن كان من الوسواس، أو أوجب الاستخفاف بالقواعد الشرعية)[11] .

ويؤكد السَّيد الشيرازي على حلية ما يشترى من سوق المسلمين من الذبائح واللحوم، ولا يلزم الفحص عن حاله، وإن ظُنّ بعدم صحته[12] .

صناعة ثقافة التّشدد

وليس خفيًّا أنّ غرض الشرع من ذلك، التيسير على الناس، وتكريس الثقة وحسن الظنّ في وسط الاجتماع الإسلامي.

مع كلّ هذا الوضوح في الحكم الشرعي، فإنّ هناك من المتديّنين من يحذّر من الأكل مما في سوق المسلمين، بدعوى احتمال عدم ذكاتها واقعًا، فتترك حينئذٍ أثرًا نفسيًّا وروحيًّا، حيث تسلب التوفيق، وتمنع الاقبال على العبادة، وتحجب الدعاء، وتؤثّر في صلاح الذرية، وأمثال ذلك من النتائج السَّلبية التي يتحدّثون عنها.

وليس هناك أيّ دليلٍ على صحة هذه الفكرة.

وقد يستندون إلى بعض الروايات التي تتحدّث عن مساوئ أكل الحرام، كما ورد عن النبي : «مَنْ أَكَلَ لُقْمَةَ حَرَامٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، وَلَمْ تُسْتَجَبْ لَهُ دَعْوَةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً، وَكُلُّ لَحْمٍ يُنْبِتُهُ اَلْحَرَامُ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ»[13] .

لكنّ مثل هذه الروايات تتحدّث عن أثر أكل الحرام، وليس أكل الحلال، وقد ثبت بالدليل أنّ الأكل من سوق المسلمين حلال، فلا يسمّى أكل حرامًا.

وسياق مثل هذه الروايات، التحذير من أكل المال المغصوب، والمأخوذ بغير حقٍّ، أو ما حرّم أكله بدليل شرعي.

أمّا ما حكم الشرع بحلّيته ظاهرًا، فلا يوجد دليل على الادّعاء بأنّ له أثرًا وضعيًّا سيئًا على نفس الإنسان، لو كان في الواقع غير مذكًّى، إنّ هذا الادّعاء الذي لا دليل عليه، يستهدف تعطيل مفعول حكم شرعي أكّدت عليه نصوص كثيرة، ويجسّد عنوانًا رئيسًا في التشريع الديني، وهو اليسر ورفع الحرج، كما يعزّز أجواء الثقة وحسنّ الظنّ في الوسط الاجتماعي الإسلامي.

يقول السَّيد الشيرازي: (وما اشتهر في بعض الألسنة من أنّ الحرام الواقعي يؤثر أثره، لم أجد عليه دليلًا، بل سيرة النبي والأئمة والعلماء الرّاشدين على خلافه، وإنّ المعيار الظاهر)[14] .

وقد قُدم للسَّيد السيستاني السؤال التالي حول الموضوع: (البعض يُردّد دائماً أنّ تطبيق قاعدة السوق والأكل منه فيه آثار وضعية تترتب على المسلم كقسوة القلب وغيرها، فهل هناك أثر أم لا؟ أفتونا مأجورين).

فكان نص جوابه: (لا تأثير للحلال)[15] .

كما قدم للسَّيد صادق الشيرازي سؤال مشابه، فأجاب: (لا أشكال فيه، وليس من الثابت ترتب جميع الآثار الوضعية المذكورة في مثل هذه الحالات)[16] .

التبرير باختلاف الزمن والظروف

وبعضهم يثير مسألة اختلاف الظروف الحاضرة في مجتمع المسلمين عن الماضي، انطلاقًا من أنّ حالة الالتزام بالأحكام والضّوابط الشرعية كانت أفضل في الزمن الماضي، وأنّ استيراد اللحوم من البلدان الأجنبية أصبح الآن هو السّائد، فلا مجال للثقة في سوق المسلمين حاضرًا، وعدم الفحص والسؤال، لكنّ الأدلة مطلقة، وتدلّ الروايات الواردة أنّ المخالفات للأحكام الشرعية في هذا المجال كانت قائمة في زمن النص الإسلامي بدرجة أو أخرى، وكان هناك اختلاف في شرائط التذكية الشرعية بين مدرسة أهل البيت وغيرهم، ولذلك كانت القضية محلّ سؤال وتردّد عند أصحاب الأئمة، لكنّ موقف الأئمة كان واضحًا على هذا الصَّعيد، فقد ورد عَنْ أَبِي اَلْجَارُودِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ [الإمام محمد الباقر ] عَنِ اَلْجُبْنِ، فَقُلْتُ لَهُ: أَخْبَرَنِي مَنْ رَأَى أَنَّهُ يُجْعَلُ فِيهِ اَلْمَيْتَةُ، فَقَالَ: «أَمِنْ أَجْلِ مَكَانٍ وَاحِدٍ يُجْعَلُ فِيهِ اَلْمَيْتَةُ حُرِّمَ فِي جَمِيعِ اَلْأَرَضِينَ؟ إِذَا عَلِمْتَ أَنَّهُ مَيْتَةٌ فَلاَ تَأْكُلْهُ، وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ فَاشْتَرِ وَبِعْ وَكُلْ، وَاَللَّهِ إِنِّي لَأَعْتَرِضُ اَلسُّوقَ فَأَشْتَرِي بِهَا اَللَّحْمَ وَاَلسَّمْنَ وَاَلْجُبْنَ، وَاَللَّهِ مَا أَظُنُّ كُلَّهُمْ يُسَمُّونَ»[17] .

لذلك يقول السيد الشيرازي: (وبذلك يظهر، أنّ القول بأنّ زماننا حيث صار المسلمون غير مبالين ليس مثل زمن الرواية، مخدوش، كما أنّ القول بأنّ في زماننا تستورد اللحوم عن بلاد الكفار ولم يكن كذلك زمان الروايات، غير تام، إذ كلا الأمرين لا يقفان أمام الإطلاقات، وفي الأزمنة السابقة أيضًا كان كثر منهم غير مبالين، وكانوا يستحلّون ذبائح الكفار)[18] .

الحكم الشرعي والحالة المزاجية

إنّ من حقّ الإنسان أن يمتنع عن شراء ما لا يرغب فيه أو لا يرتاح له نفسيًّا لسبب أو لآخر، لكن لا يصح له أن ينسب ذلك إلى الدّين، ويعتبره حكمًا شرعيًّا، فذلك نوع من التشريع المحرم.

يقول تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ ۖ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ. [يونس: 59].

ومن أراد الاحتياط لنفسه، فذلك شأن شخصي لا ينبغي له أن يفرضه على الآخرين، ولا أن يأخذ موقف المزايدة على ما ورد عن الأئمة ، فهم لم يوجّهوا السّائلين لهم عن هذا الموضوع للاحتياط، وكذلك فإنّ فتاوى الفقهاء لم تُشر إلى الاحتياط.

كما أنّ ثقافة التّشدد تخالف وتباين ثقافة اليُسر والتيسير التي تؤكّدها النصوص الدينية.

ورد عن النبي : «إِنَّمَا بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ»[19] .

وفي رواية أخرى: «بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ اَلسَّمْحَةِ اَلسَّهْلَةِ»[20] .

وتؤدي ثقافة التّشدد خاصّة في هذا العصر إلى تشويه صورة الدين، واستثقال أبناء الجيل للالتزام بأحكامه، وتنفير الناس منه.

 

 

خطبة الجمعة 25 شعبان 1444هـ الموافق 17 مارس 2023م

[1]  وسائل الشيعة: ج3، ص491، ح4262.
[2]  المصدر نفسه، ج3، ص492، ح4265.
[3]  نفسه، ج3، ص492، ح4267.
[4]  الكافي، ج6، ص237، ح2.
[5]  بحار الأنوار، ج77، ص83.
[6]  جواهر الكلام، ج36، ص138.
[7]  المصدر السابق، ج36، ص139.
[8]  الكافي، ج3، ص404.
[9]  الشيخ ميرزا علي الغروي: التنقيح في شرح العروة الوثقى، تقرير بحث السيد أبو القاسم الخوئي، كتاب الطهارة، ج2، ص538.
[10]  نفسه، ص539.
[11]  السيد السبزواري: مهذب الأحكام، ج1، ص328
[12]  الفقه، ج75، ص414.
[13]  بحار الأنوار، ج63، ص314.
[14]  الفقه، ج75، ص414.
[15]  استفتاء خطي بتاريخ 29 جمادى الآخرة 1436هـ، ونشر على شبكة المنير https://www.almoneer.org/?act=artc&id=1368
[16]  https://alshirazi.com/rflo/ajowbeh/arshif/alatama.htm
[17]  وسائل الشيعة، ج25، ص119، ح31380.
[18]  الفقه، ج75، ص416.
[19]  المعجم الكبير للطبراني، ح7618.
[20]  بحار الأنوار، ج64، ص 136.