تقديم لكتاب في رحاب صلاة الفجر للدكتور علي الدرورة

 

بسم الله الرحمن الرحيم

كل يوم جديد هو صفحة جديدة بيضاء في كتاب حياة الإنسان، ويمثل فرصة متجدّدة لتجاوز الثغرات، وتحصيل المكاسب.

وقد شاءت حكمة الله تعالى أن يكون الليل مساحة زمنية فاصلة، يركن فيها الإنسان إلى السكون والراحة، بعد مسيرة كدحه اليومي، ليستقبل اليوم التالي بحيوية ونشاط متجدد. يقول تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ [سورة غافر، الآية: 61].

إن التفات الإنسان إلى حقائق الكون والحياة، واهتمامه بمعرفة أسرارها ووظائفها، يجعله أكثر قدرة على التفاعل معها، والاستفادة منها، لذلك تتحدث كثير من آيات القرآن الكريم عن ظواهر الطبيعة، كحركة الشمس والقمر، واختلاف الليل والنهار، لتثير فكر الإنسان حولها، وتدفعه إلى ضبط مسار حركته في إطار هذا النظام الكوني البديع.

وفي هذا السياق يمكننا فهم ارتباط توقيت أهم العبادات والشعائر الدينية كالصلاة والصيام والحج، بحركة هذه الظواهر الطبيعية.

وهنا نجد أن لتوقيت صلاة الفجر أهمية خاصة، كعبادة يفتتح بها الإنسان كل يوم جديد يطلّ عليه في الحياة.تقديم لكتاب في رحاب صلاة الفجر للدكتور علي الدرورة

إن على الإنسان أن يكون يقظًا لتأدية صلاة الفجر، ضمن ساعة التحوّل والانتقال من ظلام الليل وسكونه، إلى ضياء النهار وحركته، ليعيش أجواء هذا التحوّل والتغيير، ويتأمل في دلالته على قدرة الله تعالى، وعلى انتظام حركة الطبيعة والوجود، ضمن سنن وقوانين إلهية محكمة ثابتة.

وليستوحي الإنسان من حالة التغيير والتحول في ظواهر الطبيعة، ما يبعث في نفسه التطلع للتغيير نحو الأفضل في شخصيته ومسار حياته.

إن الالتزام بأداء صلاة الفجر، خاصة في أول وقتها، هو نوع من التربية على التحكم في الوقت وحسن إدارته، حيث يقرّر الإنسان الاستيقاظ ومغادرة فراش نومه في الوقت المحدّد شرعاً، ولا يستسلم لداعي الكسل، والرغبة في الراحة، والتسويف في أداء الواجب.

ولأن بعض الناس يفشلون في هذا الامتحان، ويستثقلون مقاومة الرغبة في الخلود للنوم والراحة، على حساب أداء الفريضة، جاءت الآية الكريمة تؤكد الأهمية الخاصة لصلاة الفجر في وقتها، يقول تعالى: ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ۖ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا [سورة الإسراء، الآية: 78].

لقد عنونت الآية صلاة الفجر بأنها قرآن الفجر، لاشتمال الصلاة على القراءة من القرآن الكريم، ثم وصفتها بأنها صلاة وقرآن مشهود، حيث يشهد أداء صلاة الفجر ملائكة الليل الذين قد أنهوا مهمتهم، وملائكة النهار الذين يبدؤون استلام مهامهم، حسبما أفادت أحاديث وروايات وردت عن النبي وعن أئمة أهل البيت ، فقد جاء عنه : (﴿وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا قَالَ: تَشْهَدُهُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ)1.

وورد عن الإمام جعفر الصادق: (إن الله عز وجل يقول: ﴿وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا يعني صلاة الفجر تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار فإذا صلى العبد الصبح مع طلوع الفجر أثبتت له مرتين أثبتها ملائكة الليل وملائكة النهار)2.

ما أروع أن يبدأ الإنسان يومه الجديد بالمثول في محراب العبادة بين يدي الله تعالى، ليؤكد في أعماق فكره وقلبه الإيمان بالله الخالق القدير، وليجدّد العهد على نفسه بالالتزام بدين الله، وليتلو بلسانه أهم آيات الذكر الحكيم، وهي سورة الحمد فاتحة القرآن الكريم، والمدخل إلى عالمه الرحيب، والتي تستعرض مضامين القرآن ومقاصده، بلغة مكثّفة مركّزة، لا تغني عنها أي سورة أخرى من سور القرآن الكريم، فلا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب، كما ورد عن النبي ، ويقرأ بعدها أي سورة أخرى.

وفي صلاة الفجر يستحضر الإنسان عظيم صفات الله تعالى، من خلال تلاوته للقرآن، وسائر أذكار الصلاة، فهو الله أكبر من كل شيء، وهو الرحمن الرحيم، ربّ العالمين، مالك يوم الدين، وحده لا شريك له، العظيم الأعلى.

كما يجدّد عهد العلاقة بالله، والصلة به، والانفتاح عليه، من خلال الإقرار بالعبودية له، والاستعانة به وحده، وبطلب الهداية منه كي يسلك الصراط المستقيم، الذي سلكه الصالحون، وانحرف عنه الفاسدون.

إن هذا الانفتاح على الله سبحانه وتعالى يلهم الإنسان روح الثقة والاطمئنان، ويملأ نفسه بالأمل والرجاء، فيستقبل يومه الجديد بمعنويات رفيعة، وقلب مطمئن، وتفاؤل متجدد.

وإذا ما حالف الإنسان التوفيق لأداء صلاة الفجر جماعة في المسجد، فستكون المكاسب والنتائج أضعافاً مضاعفة، حيث تترسخ في نفس الإنسان مشاعر الانتماء لمجتمعه الإيماني. وتتعزّز في أعماق ذاته نوازع الخير والصلاح، ويزداد ثقة أمام مختلف الهواجس والتحدّيات.

من هنا جاء الحثّ على صلاة الجماعة في جميع الفرائض، ولا شك أنها في صلاة الفجر أكثر أهمية وعطاءًا، وهذا ما تكشفه وتؤكد عليه صفحات الكتاب الماثل بين يدي القارئ الكريم.

فشكرًا للأخ العزيز الدكتور علي الدرورة على عطائه الأدبي الثقافي المتواصل، وشكراً له على اهتمامه بهذا الموضوع، من وحي معايشته وملاحظته لغفلة أكثر الناس عن الاهتمام بالحضور في صلاة الجماعة بالمساجد فجراً، وبذلك يحرمون أنفسهم من خير كثير في الدنيا والآخرة.

أرجو أن تجد هذه الدعوة المباركة صدى من التفاعل والتجاوب، وأن يجزل الله الأجر والمثوبة للمؤلف الكريم.

والحمد لله ربّ العالمين.

حسن بن موسى الصفار

21محرم 1445هـ

8 أغسطس 2023م

المؤلف، القطيف، ط2، 1445هـ