نحن وضرورات الاستقرار السياسي والاجتماعي
الإصلاح وثقافة التعايش، قراءة في كتاب «الاستقرار السياسي والاجتماعي» للشيخ الصفار
في جريدة الاتحاد الإماراتية، بتاريخ الأحد 20جمادى الآخرة 1427هـ الموافق 16 يوليو 2006م، ص19، وتحت عنوان «نحن وضرورات الاستقرار السياسي والاجتماعي» يقدم الكاتب الدكتور رسول محمد رسول عرضاً لكتاب «الاستقرار السياسي والاجتماعي» لسماحة الشيخ حسن موسى الصفار، وهو كتاب يقع في 95 صفحة من القطع الصغير، طبع سنة 1426هـ ـ 2005م، منشورات الدار العربية للعلوم.
تبدو الحاجة إلى الاستقرار السياسي والاجتماعي كواحد من أهم الحاجات، وابرز التحديات، التي تواجه الأمة الإسلامية في هذا العصر. بهذه الكلمات افتتح المفكر الإسلامي حسن موسى الصفار كتابه الجديد «الاستقرار السياسي والاجتماعي»، الصادر عن الدار العربية للعلوم في بيروت مؤخراً، ويعتقد المؤلف، بداية، أن أهم أسباب التخلف في منطقة الشرق الأوسط هو فقدانها للاستقرار السياسي والاجتماعي، حيث تعيش مجتمعاتنا حالة مزمنة من الاضطرابات الداخلية نتيجة لاختلال العلاقات بين أطرافها السياسية والاجتماعية.
قسم المؤلف كتابه لخمسة محاور رئيسية، درس في الأول منها موجبات الاستقرار وضرورياته. ويعرف المؤلف مصطلح الاستقرار السياسي والاجتماعي بأنه: نظام مقبول من العلاقات بين قوى الأمة وأطرافها. ويقابل ذلك حالة الاضطراب، حين تختل علاقة الأطراف مع بعضها، فيقع بينها العداء والنزاع والاحتراب. وهذا النوع من الاستقرار هو الذي يضع الأمة على طريق الوحدة. ويتيح لها فرص التنمية والبناء ويمكنها من التوجه لمقارعة التحديات الخارجية. ومع انعدام الاستقرار يبقى التطلع للوحدة مجرد شعار وأمنية، وتتلاشى اهتمامات التقدم والبناء وتضعف الأمة أمام مواجهة التحديات.
ويفترض الصفار في الأمة حالة من الاضطراب ويعدها خللاً في العلاقات الداخلية للأمة، وهو خلل ثلاثي الأبعاد: خلل في العلاقة بين الدول الإسلامية، وخلل بين حكومات البلاد الإسلامية وخلل في العلاقة بين فئات الأمة مع بعضها. وبإزاء الخلل الأول فصل المؤلف القول في جملة العلاقات المتورمة بين الدول العربية التي أدت إلى كوارث وحروب، منها الحرب بين إيران والعراق وغزو الأخير للكويت، ودعا المنظمات العربية والإسلامية،مثل الجامعة العربية ودول مجلس التعاون الخليجي ومنظمة المؤتمر الإسلامي إلى القيام بدور فعال لراب الخلل وجملة التصدعات بين الدول الإسلامية.
كما وجد المؤلف من الضروري إن تلجا الدول العربية إلى مشاركة شعوبها في صناعة القرار والرخاء والتقدم السياسي والمجتمعي وبإزاء ما تعانيه المجتمعات الإسلامية والعربية فيما بينها حتى أصبحت تعاني من سياسة الإلغاء والإقصاء والتمييز على أساس الدين والمذهب والقومية، رأى المؤلف انه من الضروري التوافر على الصلاح السياسي وإشاعة ثقافة التعايش من خلال اللجوء إلى الثورة الثقافية لجهة الوعي بحقوق الإنسان، والقبول بالتعدية، واحترام الرأي الأخر،واجتناب أساليب العنف، وهذا ما يمكن إن تنهض به المؤسسات الأهلية في المجتمع تلك التي تتبنى الدعوة إلى تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي بين الدول الإسلامية والعربية.
وفي المحور الثاني درس الصفار المشاركة الشعبية بوصفها ضمانة للاستقرار، فدعاه الأمر إلى تناول مفهوم الشورى في العقيدة الإسلامية بوصفه مدخلاً إسلامياً لتفعيل المشاركة الشعبية في الحياة المجتمعية بكل أصنافها وقال في هذا الصدد: ينبغي للناس إن يتفاعلوا مع المؤسسات الأهلية الرسمية بحضور جميع فعالياتها العمومية، والترشيح للانتخابات لغرض التصدي لشؤون الإدارة، مثل الجمعيات الخيرية وما أشبه.
وليس بعيداً عن المشاركة الشعبية، فقد عكف المؤلف على دراسة العلاقة بين ما اسماه بإرادة التعاون وثقافة العمل الجمعي في مختلف ميادين السياسية والاقتصادية والعلمية والاجتماعية بينما يفرز واقع التخلف أسلوب العمل الفردي والعجز عن الشراكة والتعاون في شتى المجالات.
وإذا كان القول دائماً بالقرائن فان المؤلف يقدم مجموعة من الأمثلة والحجج التي من شانها شرح الحال المناقض لحال التعاون والعمل الجمعي في الأمة كما هو حال امتنا العربية ودول العالم الثالث والتي تفتقد في حالات كثيرة إلى صورة التعاون. وتفتقد إلى الشفافية والمكاشفة عند بحث العلاقات ومشروعات التعاون البينية سوى هيمنة الطابع لمجاملاتي بداية، ولكن ما إن تفض المباحثات حتى تبدأ مرحلة من التطاعن في الخلف، وهذه الازدواجية المقيتة غالباً ما تتأثر، حسب ما رأى المؤلف، بالجوانب العاطفية الموروثة غالباً عن الأمس بكل ما فيه من ثقل الخلافات والتصادمات، وكل ذلك يؤدي إلى عائق آخر هو التسمر أمام نقاط الخلاف الموروثة عن الأمس والابتعاد عن الكلمة السواء التي دعا لها الدين الحنيف قبل أربعة عشر قرناً مضت.
في المحور الأخير ناقش المؤلف اثر خطاب التطرف في الاستقرار والأمن اعتقاداً منه بان هذا الخطاب كرس حالة من التشرذم والنزاع داخل الأمة حين أعطى أولوية مطلقة وأهمية قصوى للمسائل الخلافية الجزئية في أمور العقيدة والشريعة وهي كانت محل خلاف قديم ليجعلها حدا فاصلاً بين الإيمان والكفر والهدى والضلال متجاوزاً مساحات الوفاق الواسعة بين المسلمين في أصول الإيمان وأركان الإسلام وفرائضه مما فتح باب التفكير والتبديع على مصراعيه وأصبح تكفير الأشخاص والطوائف والجماعات المجتمعات مسالة سهلة يفتي بها حتى من له أدنى حظ من الاطلاع على العلوم الشرعية وأنتج هذا الخطاب ثقافة تحريضية تعبوية تنشر الكراهية والعداء بين المسلمين بمبرر الخلاف المذهبي أو حتى الفكري والفقهي ضمن المذهب الواحد.
لقد أدى التطرف، من منظور المؤلف، إلى اضطراب الأمن، وضياع الطاقات والتنفير من الدين، وأدى أيضا إلى الوقوع في فخ صدام الحضارات، كما انه أدى إلى تمادي إسرائيل والصهاينة في احتلال الأراضي الفلسطينية واللبنانية والسورية، ناهيك عما أداه في الأمة من ويلات ومشكلات مستفحلة.
إن واقع التعاون داخل الشعوب والمجتمعات الإسلامية ليس أحسن حالاً منه بين الحكومات، فحالة التنافر والتباعد عي السائدة بين مختلف القوى والجهات من مذاهب وطوائف وأحزاب ومؤسسات بل حتى ضمن المذهب الواحد والمدرسة الواحدة هناك عجز عن التعاون وتنسيق المواقف والجهود.
الاضطراب السياسي الداخلي يشل حركة الأمة، ويعوق تقدمها، ويشغل قوى الحكومة والشعب عن برامج التنمية والبناء، ويفسح المجال أمام مختلف الاحتمالات، منها: استغلال القوى الخارجية وتدخلها تحت عنوان حماية حقوق الإنسان أو الدفاع عن الأقليات أو نشر الديمقراطية.