الدكتور الفضلي: خطاب الشيخ الصفار..الجمع بين الأصالة والمعاصرة
في تقديمه لكتاب الشيخ الصفار «أحاديث في الدين والثقافة والاجتماع» أشار العلامة الدكتور عبدالهادي الفضلي إلى خطاب الشيخ الصفار وقال أنه يجمع بين الأصلة والمعاصرة، مشيراً إلى أن الشيخ الصفار يعد من الموهوبين في خطابته، لامتلاكه أدوات التأثير المنبري، وآليات النفوذ إلى ذهنيات مستمعيه.
يضم هذا الكتاب ألواناً شتى من محاضرات ثقافية عامة ألقاها الأخ العلامة الخطيب الشيخ حسن الصفار أيام الجمع في مسجده الذي يقيم فيه الجماعة بالقطيف.
وقبل أن نكون مع الكتاب ومؤلفه أود أن أشير إلى ما يعرب عنه عنوان الكتاب وهو (حديث الجمعة)[1] من ظاهرة ثقافية عربية وجدت مع بدايات التأليف العربي، ومشت تشكّل لوناً من ألوانه المختلفة، وتتغير كلما اقتضت عوامل وظروف التطور ذلك، شأنها في هذا شأن الأنماط الأخرى للتأليف في بيئتنا الثقافية العربية.
هذه الظاهرة هي التي كانت تعرف عند بداية النشأة بـ (الأمالي) ــ جمع إملاء ــ.
وجاءتها هذه التسمية من واقعها العملي في الوسط الثقافي، حيث كان الأستاذ ـ في الغالب ـ يدوّن مادة أماليه على الورق، ثم يقوم بإلقائها على طلابه المتحلقين تحت منبره وحوله، وهم ــ بدورهم ــ يقومون بكتابة ما يمليه عليهم، وربما أملى الأستاذ من محفوظاته، أي من غير أن يستخدم الورق.
وكانت مادة الأمالي ــ في البدء ــ تقتصر على الحديث الشريف، ثم توسع العلماء فيها فراحت تشمل علوم اللغة العربية وآدابها، وعلوم الشريعة الإسلامية وأحكامها، والمواعظ والحكم، وألواناً أخرى من التاريخ الإسلامي وسواه.
ومن أشهر هذه الأمالي مما هو موجود في مكتبتنا العربية:
ـ (أمالي)أبي علي القالي.
ـ (أمالي)الشريف المرتضى.
ـ (أمالي)ابن الحاجب النحوية.
ـ (أمالي)أبي السعادات ابن الشجري.
وفي الوقت نفسه، ومن جانب آخر كانت تسمى هذه الظاهرة بالمجالس، لأن العالم يقوم بالإملاء أو الإلقاء في مجالس موقوتة، من حيث الزمان، ومن حيث المكان.. ومنها:
ـ «مجالس الأبرار ومسالك الأخيار»، للشيخ أحمد الرومي، وهي (على مئة مجلس في شرح مئة حديث).
ـ «مجالس ثعلب النحوي البصري».
ـ «مجالس أبي سهل النوبختي».
وقد تأخذ المادة الملقاة الاسمين معاً، فيقال لها: الأمالي، ويقال لها: المجالس، كما في ما كان يلقيه الشيخ الصدوق حيث أصبح يعرف بأمالي الصدوق، ومجالس الصدوق، التي ناهزت مئة مجلس، وكان يلقيها يوم الجمعة.
وكانت هذه المجالس أو الأمالي تلقى في المساجد غالباً.
وعندما دخل المذياع (الراديو) إلى البلاد العربية، وأسست دور الإذاعات العربية، وجد إلى جانب تلك المجالس المسجدية، التي لا تزال قائمة، برامج إذاعية تحت عنوان (حديث).
وهو نمط من التطور في هذه الظاهرة الثقافية.
وشارك فيها غير واحد من العلماء العرب آنذاك، منهم:
1 - الدكتور طه حسين، فقد كان يلقي حديثاً كل يوم أربعاء عن طريق إذاعة القاهرة في الأدب العربي، ثم جمعت أحاديثه تحت عنوان «حديث الأربعاء»، ونشرت بثلاثة أجزاء، وأصبحت من مصادر الأدب العربي.
2 - الدكتور محمد مهدي البصير، الذي كان يلقي حديثاً إذاعياً كل أسبوع مرة في الأدب العراقي في القرن التاسع عشر الميلادي عن طريق إذاعة بغداد، ثم جمعت أحاديثه، وسميت «نهضة العراق الأدبية في القرن التاسع عشر»، ونشرت، وهي اليوم من أهم مصادر الأدب العراقي في القرن التاسع عشر الميلادي.
والآن يضيف الأخ الصفار إلى أعماله في رفع مستوى أبناء مجتمعه ثقافياً:
ـ مجلسه ليلة السبت في داره بالقطيف، وهو ملتقى ثقافي عام.
ـ أحاديثه يوم الجمعة، وهي التي بين يدي القارئ الكريم.
والهدف من إلقاء هذه الأحاديث الأسبوعية هو التثقيف والتبليغ.
التثقيف، لأنه مسؤولية كل حملة الفكر يتوخون منه رفع مستوى أبناء المجتمع ثقافياً.
ومن المفروغ منه أن خطب صلاة الجمعة، والأحاديث الأسبوعية ــ سواء كانت مما يلقى يوم الجمعة أم في غيره من أيام الأسبوع ــ لها دور فاعل في رفع مستوى الوعي الثقافي عند أبناء المجتمع، ودور مساهم في بناء شخصية الفرد الثقافية، وزيادة مخزون رصيده الثقافي.
أما التبليغ ــ وأعني به التبليغ الديني ــ فهو أهم واجب من واجبات العالم الديني والخطيب الديني، فعن طريقه ينشدّ المسلم عاطفياً بدينه، ويرتفع إلى مستوى رسالته في هذه الحياة.
وقد أثبتت تجارب التثقيف والتبليغ أن نجاح من يقوم بذلك مرهون بمدى قدرته على ربط الفكرة بالواقع، ومقدار معرفته بنفسيات مستمعيه ودرجات وعيهم الثقافي.
وهذا ما نستطيع أن نلمسه ــ وبوضوح ــ في أحاديث هذا الكتاب الذي بين يدينا.
إن الشيخ الصفار من أولئكم القلة الذين جمعوا بين رسالتي المسجد والمنبر، فقد تخرج في الحوزة العلمية بعد إتمام دراسته للعلوم الإسلامية، وشغل منصب العالم الديني في بلده القطيف.
وهو من أنشط العاملين في هذا المجال، وبخاصة أولئكم النفر القليل الذين جمعوا بين الأصالة والمعاصرة، وقد أفاد هذا ــ بالإضافة إلى دراسته الحوزوية ــ من قراءاته المتنوعة والمتعددة، وإنك لتلمس هذا واضحاً في مؤلفاته ومحاضراته.
ويعد في خطابته من الموهوبين، فهو يمتلك أدوات التأثير المنبري، ولديه آليات النفوذ إلى ذهنيات مستمعيه عن طريق مخاطبة عواطفهم.
إنه في أحاديثه هذه يدفع الفكرة دفعاً لتمس واقع الناس، فتعمل على تغييره لما هو أفضل.
ومن المفيد أن لا أطيل في البيان، وأترك الأمر للقارئ الكريم يتفاعل مع هذه الأحاديث قراءة وفهماً ثم استيعاباً ليستفيد منها ويفيد الآخرين.
شكر الله سعي أخينا الصفار ووفقه إلى المزيد من هذا العطاء الخيّر، إنه ولي التوفيق وهو الغاية[2] .