التعايش المذهبي ورؤية السيد السيستاني

تهب على الأمة الإسلامية عاصفة فتنة طائفية هوجاء، تهدد بتمزيق مجتمعات الأمة، وتقويض أمنها واستقرارها، وإشغالها عن مواجهة تحديات الهيمنة الأجنبية، والتخلف الحضاري.

وتنطلق هذه الفتنة من حال الاقتتال والمجازر اليومية الفظيعة في العراق، هذا الحال الذي يعرف الجميع دور الاحتلال الأمريكي البغيض في صنعه، كما يعرف الجميع الدافع السياسي للأطراف المشاركة فيه، حيث يسعي كل طرف لأخذ موقعه وحصته في الواقع العراقي الجديد، بعد عقود من الاستبداد وهيمنة الحزب الواحد والقائد الفرد، الذي همّش وقمع الجميع، وصادر إرادة كل الشعب العراقي.

مع وضوح هذه الخلفية للأحداث المؤلمة في الساحة العراقية، إلا أن هناك إرادة وإصراراً على إثارة الفتنة الطائفية من خلالها، وتصويرها وكأنها احتراب مذهبي، والترويج لخطر داهم من قبل الشيعة على السنة ومن قبل السنة على الشيعة.

وفجأة سادت لغة طائفية فجة على اغلب وسائل الإعلام العربية، وأصبحت تضفي على مختلف الأخبار هذه النكهة، وتتصيّد الأنباء والمشاهد المثيرة في هذا السياق.

وتخندق كثير من كتاب الصحف والمجلات وراء متاريس طائفية، حتى بعض الليبراليين الذين كانوا يستسخفون التوجهات الدينية بشكل عام.

وتحولت خطب الأئمة في المساجد إلى منابر للتحريض الطائفي، مستدعية كل ما في التراث والتاريخ من رصيد للكراهية المتبادلة والصراع المذهبي.

أما مواقع الانترنت المهتمة بهذا الشأن فقد وجدت فرصتها الثمينة، وتحركت أسواقها بعد أن كانت تعاني من الركود والكساد.

العلماء بين الاستدراج والوعي:

أمام هذه الفتنة الهوجاء كان متوقعاً من علماء الإسلام أن يأخذوا دور التحذير والتنبيه، حتى لا تسقط الأمة في هذا الفخ الخطير، وأن يتحركوا سريعاً لمحاصرة الحريق المشتعل في العراق، حتى لا يمتد لهبه إلى سائر المناطق، ومن ثم العمل على مساعدة الشعب العراقي للخروج من محنته بأقل قدر من الخسائر والتضحيات.

فالعلماء يتحملون مسئولية تذكير الأمة بمبادئ دينها، وتوعيتها بأخطار التحديات المحدقة بها، وتبصيرها في مواجهة الفتن والشبهات.

يقول الله تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً[1] .

والعلماء يمثلون دور الربانيين والأحبار في هذه الأمة، وواجبهم ﴿بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ أن يؤكدوا على مبدأ الوحدة الذي فرضته آيات القرآن المجيد، وأحاديث السنة النبوية الشريفة، وأن يأخذوا دور الرقابة والشهادة على الواقع﴿وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فيحذّرون من الفرقة والتنازع وفق توجيه كتاب الله تعالى، الذي يقول: ﴿ِإنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ويقول: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ويقول: ﴿وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ.

لكن المؤسف جداً انزلاق بعض العلماء واستدراجهم إلى أوحال الفتنة، ومشاركتهم بوعي أو غفلة في تأجيج إضرامها، عبر التعبئة وإثارة الضغائن والأحقاد، وفتح ملفات الخلافات العقدية والفقهية، وتجميع أوراق السقطات والأخطاء.

إنه لا يمكن إنكار وجود مشكلة هنا وخطأ هناك، بحدوث إساءة من طرف شيعي، أو تصرف سيء من طرف سني، كما أن تاريخنا وتراثنا الإسلامي مليء بالأوراق الصفراء، والجراح الدامية، لكن هل هذا هو الوقت المناسب لفتح الملفات، وطرح الأوراق؟ ألا يعتبر ذلك صباً للزيت على نار الفتنة المتقدة؟ وتوسيعاً لرقعة اشتعالها؟ أليس ذلك نوعاً من تقديم الخدمة الممتازة لإنجاح مخططات الهيمنة الأمريكية بإحداث الفوضى الخلاقة- حسب وصفهم- في أرجاء المنطقة؟

المرجعية والموقف المسئول:

وبمقدار ما يأسف الإنسان ويألم لمواقف بعض العلماء الذين انطلت عليهم الخديعة، وخذلهم الوعي، أو دفعتهم المصالح الشخصية والفئوية للوقوع في شرك الفتنة الخطير، فإن الإنصاف يقتضي الإشادة والتقدير للموقف الرسالي المسئول الذي جسده العلماء المصلحون الربانيون، وفي طليعتهم المرجع السيد السيستاني، هذا الرجل الذي ضرب أروع الأمثلة المعاصرة في التزام المبدئية، والحرص على وحدة الأمة، والتسامي على الجراح.

إن الجميع يعرف الظروف القاسية التي عاشها السيد السيستاني والحوزة العلمية في النجف الأشرف وامتداداتها في الشعب العراقي، في عهد النظام البائد، والمقابر الجماعية، وأرقام الشهداء من الفقهاء والعلماء والخطباء، وحملات التهجير، ومآسي المعتقلات كلها شواهد واضحة لا تقبل الإنكار.

لكن السيد السيستاني بعد سقوط النظام ألجم أي نزعة للانتقام وأخذ الثأر في صفوف أتباعه، واصدر أكثر من فتوى تحرّم أي نوع من أنواع الانتقام حتى نشر الوثائق التي تفضح أزلام النظام السابق وعملاءه.

فقد أجاب على سؤال حول من تأكد دوره المباشر في قتل الأبرياء من أزلام النظام السابق هل تجوز المبادرة إلى القصاص منه؟ أجاب سماحته: «القصاص إنما هو حق لأولياء المقتول بعد ثبوت الجريمة في المحكمة الشرعية، ولا تجوز المبادرة إليه لغير الولي، ولا قبل الحكم به من قبل القاضي الشرعي».

ورداً على سؤال حول كون الشخص عضواً في حزب البعث السابق أو متعاوناً مع أجهزة النظام الأمنية هل يكفي ذلك لمعاقبته؟ أجاب سماحته: «لا يكفي وأمر مثله موكول إلى المحاكم الشرعية، فلابد من الانتظار إلى حين تشكيلها».

وحول نشر الوثائق التي تفضح عملاء النظام السابق أجاب سماحته: «لا يجوز ذلك، بل لابد من حفظها وجعلها تحت تصرف الجهة ذات الصلاحية»[2] .

تجاه فتنة الإرهاب والتكفير:

حين بدأت فتنة الإرهاب والتكفير الطائفي في العراق، وأعلن الزرقاوي حربه علي شيعة العراق، واستهدافه لشخصياتهم ومناسباتهم الدينية، بمرأى ومسمع من الجميع، وبصراحة تامة، حيث توالت الاغتيالات والتفجيرات من عصابته والمتحالفين معهم، كالتفجير الذي استهدف السيد محمد باقر الحكيم بتاريخ 1 رجب 1424هـ عند مرقد الإمام علي في النجف الأشرف، وكتفجيرات يوم العاشر من المحرم 1425هـ في كربلاء، التي استهدفت مواكب المعزّين والزائرين، وما تلاها من تفجيرات الكاظمية وغيرها كالحلة والعمارة ومسجد براثا التاريخي في بغداد وصولاً إلى تفجير قبة الإمامين العسكريين في سامراء.

ولا شك أن هذه التفجيرات وما تسفر عنه من ضحايا ومجازر رهيبة، وما تشكله من انتهاك لحرمة المقدسات والشعائر الدينية للشيعة، كانت تفجّر الغضب في نفوسهم، وتلهب مشاعر التحدي في أوساطهم، مما يدفع باتجاه الانتقام والقيام بردود فعل مشابهة، لكن وعي السيد السيستاني وحكمته منعت ذلك لوقت طويل، حيث كان يرفض اتهام أي جهة مذهبية، ويؤكد على التحلي بالوعي والحذر من الفئات المعادية لكل العراق ولكل المذاهب.

ففي رده على سؤال عن الموقف تجاه تهديدات الزرقاوي قال بيان صادر عن مكتبه بتاريخ 21 شعبان 1426هـ:

«إن الهدف الأساس من إطلاق هذه التهديدات وما سبقها وأعقبها من أعمال إجرامية استهدفت عشرات الآلاف من الأبرياء في مختلف أنحاء العراق: هو إيقاع الفتنة بين أبناء هذا الشعب الكريم، وإيقاد نار الحرب الأهلية في هذا البلد العزيز، للحيلولة دون استعادته لسيادته وأمنه، ومنع شعبه المثخن بجراح الاحتلال، وما سبقه من القهر والاستبداد، من العمل على استرداد عافيته، والسير في مدارج الرقي والتقدم.

ولكن معظم العراقيين- ولله الحمد- على وعي تام بهذه الأهداف الخبيثة، وسوف لن يسمحوا للعدو الطامع بتحقيق مخططاته الإجرامية، مهما نالهم من ظلم وأذى وأريق على ثرى بلدهم الطاهر من دماء زكية لأهليهم وأحبتهم.

وإننا في الوقت الذي نعبّر فيه عن بالغ الأسى لكل قطرة دم عراقية تسفك ظلماً وعدواناً، ونتألم لآهات الثكالى وبكاء الأيتام وأنين الجرحى، ندعو المؤمنين من أتباع أهل البيت إلى الاستمرار في ضبط النفس مع مزيد من الحيطة والحذر»[3] .

ولنا أن نقارن هنا بين هذا الموقف المسئول للسيد السيستاني وهو يعيش في معمعة الأحداث، ويواجه غليان الشارع المحيط به، وبين مواقف علماء وشخصيات أخرى تعيش مرفهة خارج العراق، ثم تتخذ من الأحداث الإرهابية التي أصابت بعض السنة في العراق مبرراً لإثارة النعرة الطائفية والفتنة المذهبية، وكأنها تحمّل كل الشيعة في العالم وزر ما حصل لأهل السنة في العراق، متجاهلة تعقيدات الساحة العراقية، وانعكاسات الإرهاب التكفيري، ودور الاحتلال الأمريكي، وتأثيرات السياسة الإقليمية!!

رؤية التعايش المذهبي:

تضمن البيان الهام الذي صدر عن مكتب سماحة السيد السيستاني في النجف الأشرف بتاريخ 14محرم 1428هـ - 3/2/2007م رؤية عميقة لمعالجة المشكل الطائفي، تستحق الدراسة والاهتمام، وإني أوافق الدكتور حمزة قبلان المزيني على ما ذكره حول هذا البيان في مقال له في جريدة (الوطن) السعودية بتاريخ 8/2/2007م حيث قال:

«وتأتي أهمية هذا البيان من صدوره عن هذه المرجعية الشيعية العليا التي يقلدها كثير من المؤمنين الشيعة في العالم، وهذا ما يوجب الترحيب به، والعمل على جعله أساساً لبداية عمل مخلص لوأد الفتنة بين المسلمين، كما يجب أن يبرز وينشر على نطاق واسع لما يتضمنه من المبادئ التي يمكن أن ترشِّد مواقف المسلمين الشيعة، وتُدخل الاطمئنان على السنة، وتضع الخلاف بين المذهبين في مساره الحقيقي...».

«ومن هنا يجب أن نمسك بهذه اللحظة التاريخية التي يمثلها صدور هذا البيان من هذه المرجعية المرموقة، ونعمل تبعاً لذلك على تعميمه على أوسع نطاق، في العراق خاصة الآن، وأن يكون وثيقة يوعظ بها على منابر المساجد والحسينيات والمنتديات والصحف والندوات التلفازية والإذاعية، حتى يصل إلى المسلمين جميعاً من المذهبين، بديلاً لما تحفل به هذه المنابر كل يوم من الشحن الطائفي البغيض. ولا يقل عن ذلك أهمية أن يقابل هذا البيان ببيانات من علماء أهل السنة تماثله من حيث المرجعية والمحتوى...»[4] .

وبالعودة إلى الرؤية التي تضمنها البيان فإن من أهم ملامحها ما يلي:

أولاً: أخذ الظروف العصيبة التي تمر بها الأمة بعين الاعتبار، فهناك أكثر من وطن إسلامي يئن تحت وطأة الاحتلال كفلسطين والعراق وأفغانستان، وأوطان أخرى تحت طائلة التهديد بالتدخل والضربات العسكرية، وهناك حرب معلنة على رموز الإسلام ومقدساته، واستخفاف بوجود الأمة وكرامتها، تحت غطاء مكافحة الإرهاب.

إن من يعي هذه التحديات الخطيرة يجب أن يرفض أي إضعاف لجبهة الأمة الداخلية، وأي إرباك لساحتها بالنزاعات والخلافات.

ثانياً: إن التنوع المذهبي وما يعنيه من اختلاف في بعض المعتقدات والأحكام ليس شيئاً طارئا، ولا حادثاً مستجداً، بل هو واقع عاشته الأمة طيلة عهودها السابقة، فلا بد من قبول هذا التنوع والتعددية المذهبية، وهذا ما نصت عليه توصيات قمة مكة الاستثنائية بين قادة الدول الإسلامية، في العام المنصرم 1427هـ/2006م.

ثالثاً: إن أصول الدين وأركان العقيدة ودعائم الإسلام هي مورد اتفاق بين المسلمين، يشتركون بجميع مذاهبهم في الإيمان بها، «فإن الجميع يؤمنون بالله الواحد الأحد وبرسالة النبي المصطفى- صلى الله عليه واله، وبالمعاد، وبكون القرآن الكريم- الذي صانه الله من التحريف- مع السنة النبوية الشريفة مصدراً للأحكام الشرعية، وبمودة أهل البيت ، ونحو ذلك مما يشترك فيها المسلمون عامة، ومنها دعائم الإسلام: الصلاة والصيام والحج وغيرها، فهذه المشتركات هي الأساس القويم للوحدة الإسلامية...».

رابعاً: إنه لا ضير في بحث الاختلافات العقدية والفقهية والتاريخية في (إطار البحث العلمي الرصين) وليس ضمن أساليب التعبئة والتهريج.

خامساً: تحقيق التعايش السلمي على أساس الاعتراف والاحترام المتبادل، وحفظ الحقوق الإنسانية والوطنية، ونبذ المشاحنات والمهاترات المذهبية والطائفية. والتأكيد على «حرمة دم كل مسلم سنياً كان أو شيعياً، وحرمة عرضه وماله، والتبرؤ من كل من يسفك دماً حراماً أياً كان صاحبه».

باعث الدين والوعي:

هذه الرؤية العميقة التي يقدمها السيد السيستاني للتعايش بين أبناء المذاهب الإسلامية، ليست فكرة أثارتها في ذهنه التطورات السياسية، بل تنطلق من جذور دينية راسخة، فهو خريج مدرسة حملت همّ الوحدة والتقريب بين المسلمين منذ عقود من الزمن، هي مدرسة أستاذه السيد حسين البروجردي (توفي 1380هـ) والذي كان المرجع الأعلى في الحوزة العلمية في قم، وهو الذي رعى تأسيس دار التقريب بين المذاهب الإسلامية في القاهرة في ستينيات القرن الميلادي المنصرم، وله آراؤه المعروفة على صعيد الانفتاح والتقريب.

وقد انضم السيد السيستاني إلى دروس السيد البروجردي عام 1368هـ وتأثر به واستفاد من ملاحظاته ونظرياته الدقيقة العلمية في علمي الرجال والفقه[5] .

إن السيد السيستاني في بحثه لموضوع الاجتهاد والتقليد يؤكد على أهمية اطلاع الفقيه الشيعي على آراء فقهاء السنة المعاصرين لائمة أهل البيت ، وان ذلك من مقومات الفقاهة والأعلمية، كما جاء في تعليقته على العروة الوثقى مسألة رقم 17.

وهو ينفي عن أهل السنة بغض أهل البيت بل يراهم مؤمنين بمودتهم كما جاء في بيانه بتاريخ 14 محرم 1428هـ «فان الجميع يؤمنون بالله الواحد الأحد... وبمودة أهل البيت ».

وبناءً عليه فالسنة ليسوا نواصب، لان النواصب «هم المعلنون بعداوة أهل البيت » كما جاء في رسالته العملية الجامعة لفتاواه (منهاج الصالحين) الجزء الأول ص 139.

وهو يشيد برموز الجهاد من أهل السنة ويعتبر من يُقتل منهم في سبيل الله شهيداً يدعو له بالرحمة والمغفرة، كما جاء في بيان مكتبه حول استشهاد الشيخ احمد ياسين بتاريخ 30 محرم 1425هـ بالنص التالي: «في صباح هذا اليوم وفي جريمة بشعة ارتكبها الكيان الصهيوني المحتل فقد الشعب الفلسطيني أحد رجاله الأبطال العالم الشهيد الشيخ احمد ياسين تغمده الله بواسع رحمته الذي كرّس حياته لخدمة وطنه ودينه، وأصبح مثالاً يحتذى به في الصبر والمقاومة»[6] .

وحينما بلغه اقتحام بعض الجهلاء من الشيعة في بعض مناطق العراق لبعض مساجد أهل السنة وطرد أئمة الجماعة منها، اصدر السيد السيستاني فتوى في الإجابة على سؤال عن الموضوع، بتاريخ 18 صفر1424هـ بالنص التالي: «هذا العمل مرفوض تماماً ولابد من رفع التجاوز وتوفير الحماية لإمام الجماعة وإعادته إلى جامعه معززاً مكرماً»[7] .

بل إنه أمر بالإسهام في بناء مساجد أهل السنة وإعادة تعميرها كما نقل ولده السيد محمد رضا السيستاني، حسبما أوردته جريدة الحياة بتاريخ 18 ابريل 2003م 16صفر1424هـ.

وهو يبرئ أهل السنة من جريمة الاعتداء على مقام الإمامين العسكريين بسامراء، كما جاء في بيانه حول الذكرى السنوية بتاريخ 23 محرم 1428هـ حيث قال ما نصه: « ندعو المؤمنين وهم يحيون هذه المناسبة الحزينة، ويعبّرون عن مشاعرهم الجيّاشة، تجاه ما تعرّض له أئمتهم من هتك واعتداء، أن يراعوا أقصى درجات الانضباط، ولا يبدر منهم قول أو فعل يسيء إلى المواطنين من إخواننا أهل السنة الذين هم براء من تلك الجريمة النكراء و لا يرضون بها أبداً».

إلى الداخل الشيعي:

لا تخلو الساحة الشيعية من اتجاهات متشددة مذهبياً، لقناعاتها الفكرية، أو لنهج تعصبي، أو ردّ فعل لتطرف من الجهة الأخرى، هذه الاتجاهات الشيعية المتطرفة تشكل ضغطاً على خط الاعتدال الشيعي العام، بدغدغتها للمشاعر الطائفية، وطرح نفسها كسور حصين للدفاع عن العقيدة وحمايتها، وهي بطروحاتها المغالية، ونيلها من رموز الطرف الآخر انطلاقاً من فهمها لقضية التولي والتبري، تعطي المبررات والأوراق لجهات التطرف في الجانب السني، وهكذا تستمر لعبة الفعل ورد الفعل بين جهتي التطرف الشيعية والسنّية، على حساب مصلحة الدين والأمة، مما يشكل ضغطاً على دعاة التقريب والاعتدال، ويعوّق مسيرتهم.

وهنا يأتي دور كبار العلماء عند السنة والمرجعيات العليا عند الشيعة، لترشيد توجهات الجمهور، وتشجيع جهود التقريب والوحدة، والانتصار لخط الاعتدال، وكبح جماح جهات التطرف والتشدد.

لذا يمكن القول أن رؤية سماحة السيد السيستاني بما يمثله من مرجعية عليا، ومواقفه الوحدوية الداعية للتسامح والتعايش المذهبي، تشكل أفضل رسالة دعم لخط الاعتدال العام في الساحة الشيعية.

فلا أحد يستطيع المزايدة عليه، ولا اتهامه بالتخاذل في نصرة العقيدة، أو تقديم التنازلات لمصالح سياسية، ونطمح من سماحته إلى المزيد من هذه الرؤى المنفتحة، والمواقف الرسالية، ونأمل فيما يوازيها ويماثلها من كبار علماء السنة، حتى تستطيع الأمة تخطي هذه المحنة والفتنة الطائفية العمياء، وليحقق هذا الجيل المسلم حلم الوحدة والتقريب إن شاء الله.

كلمة الجمعة بتاريخ 21 محرم 1428هـ الموافق 9فبراير 2007م.

[1]  المائدة، آية 44.
[2]  الخفاف: حامد/ النصوص الصادرة عن سماحة السيد السيستاني في المسألة العراقية، ص 204-205، الطبعة الأولى، دار المؤرخ العربي-بيروت 2007م.
[3]  المصدر السابق ص 142-143.
[4] المزيني/الدكتور حمزة/جريدة الوطن، التاريخ 8/2/2007م.
[5] الغروى: السيد محمد/ المرجعية ومواقفها السياسية، ص42، دار المحجة البيضاء - بيروت 2004
[6] الخفاف: حامد/ النصوص الصادرة عن سماحة السيد السيستاني في المسألة العراقية،ص112،الطبعة الأولى، دار المؤرخ العربي-بيروت 2007م.
[7] المصدر السابق ص 11.
التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
صادق العلي
[ الأحساء - الرميلة ]: 22 / 2 / 2007م - 7:51 ص
بصراحة من أروع المحاضرات التي تفوه بها سماحة الشيخ ، فقد تطفي الكثير من النيران الطائفية التي يشهدها العالم الإسلامي في الوقت الراهن.
فالحديث عن الوحدة في وقتنا هذا ليس أكذوبه نتناغم بها في أوساطنا، وليست ترفاً علمياً أو فكرياً تجاوزه الزمن والوقت، وإنما الوحدة الإسلامية حديث وواجب كل فرد وكل مسلم يعيش القوميات الطائفية التي تسعى إلى تقسيم المجتمع إلى كنتونات طائفية متنازعة .
السيد االسيستاني " حفظه الله " ضرب أروع أمثوله للسلم الإجتماعي والتعايش المشترك، فشخص يواجه كم هائل من المشاكل والمصاعب في ضروف غامضة، واوضاع مبعثره، تهيمن على الأمة الإسلامية، وتسعى إلى تفتيت البنية والأساس، لابد وأن يتحلى بأعلى مصاديق الوحده، وخير مثال سماحة السيد السيستاني.
دمت مسدد وموفق سماحة الشيخ .