خطاب التطرف والثمن الباهض
سماحة الشيخ حسن الصفار: الخطاب الديني المتطرف شوه سمعة الإسلام وقدّم لإسرائيل فرصةً عظيمة كانت تبحث عنها.
قال رسول الله : «إن الله رفيقٌ يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يُعطي على العنف.»
النظام الأخلاقي في الإسلام هو التزامٌ ثابتٌ في شخصية الإنسان المسلم لمختلف الظروف والحالات، في حالات الحرب والسلم والشدة والرخاء؛ فهو ليس حالة أخلاقية تكتيكية وقتية ضمن حالٍ دون آخر. بهذه المقدمة افتتح سماحة الشيخ كلمة الجمعة التي ألقاها ظهر يوم الجمعة الموافق 12 شوال 1424هـ عقب الصلاة بمسجد الشيخ علي المرهون بالقطيف.
وأضاف سماحته إن النظام الأخلاقي تشكيلٌ لشخصية الإنسان وسلوكه، بحيث تكون صبغة الإنسان ضمن هذا المنهج الأخلاقي القويم: ﴿صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة﴾.
وحول مفردات الحديث الشريف التي تصدّر الكلمة قال سماحته: الحديث يتحدث عن مفردة أخلاقية مهمة، وهي: الرفق، وهو يعني في اللغة: اللين، وهو ضد العنف والقسوة.
وأضاف سماحته إن نتائج الرفق في الدنيا والآخرة نتائج حسنة وطيبة، أما العنف فعلى العكس من ذلك تماماً؛ والأحاديث الشريفة الواردة واضحة في هذا المضمار، ففي الحديث عن رسول الله أنه قال: «ما وضع الرفق على شيء إلا زانه، وما انتزع الرفق من شيءٍ إلا شانه»، وعنه : «إن الله رفيقٌ يُحب الرفق في الأمر كله» .
وأكد سماحته أن الناس المتمدنين والحضاريين يعتمدون حالة الرفق في مختلف شؤون حياتهم، أما الذين ينقصهم التعليم والوعي يكونوا أشداء وقساة حتى مع أنفسهم.
وأورد سماحته ملاحظات طبية في تعامل الإنسان مع نفسه، كسوء معاملته مع أسنانه حينما يستخدم فرشاة السنان، أو مع شعره حينما يغسله.
وأكد سماحته أن الرفق ضروري في الإطار العائلي بين أفراد الأسرة بعضهم مع بعض، ففي الحديث عن رسول الله أنه قال: «إذا أراد الله تعالى بأهل بيتٍ خيراً أدخل عليهم الرفق».
وتحدث سماحة الشيخ عن أهم المجالات التي ينبغي أن تكون حالة الرفق سائدة فيها وهو مجال الدعوة إلى الله تعالى، فلا ينبغي أن تكون الدعوة إلى الله بشدة، يقول تعالى: ﴿ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن﴾، وهذا هو منهج الرسول الأعظم والأئمة الأطهار . وبهذا الأسلوب يُمكن جذب الناس إلى عبادة الله تعالى، بعكس الشدة والقسوة فهي حالةٌ تنفّر الناس عن الدين، ففي الحديث الشريف: «إن هذا الدين متين، فأوغلوا فيه برفق، ولا تكرّهوا عبادة الله إلى عباد الله.»
وأضاف سماحة الشيخ: مما ابتليت به الأمة الإسلامية في عصرنا الحاضر وجود خطاب متطرف في الأمة يطرح الدين طرحاً متشدداً متزمتاً. وهذا الخطاب أصبح من أهم المشاكل التي تعاني منها الأمة الإسلامية في داخلها وفي علاقتها الخارجية. ودفعت الأمة ثمناً باهظاً بسبب هذا الخطاب الديني المتطرف.
وعن الآثار التي خلّفها الخطاب الديني المتطرف في داخل الأمة، أورد سماحة الشيخ النقاط التالية:
أولاً- الإمعان في تمزيق الأمة وتقسيم المجتمع؛ وذلك لأن خطاب التطرف يتشبث بمسائل خلافية جزئية يتشدد عليها ويُكفّر الناس على أساسها. فهم –أصحاب هذا الخطاب- يريدون أن يقسروا الناس على آرائهم وأفكارهم وكل من يُخالف ذلك فهو كافر ومبتدع.
وقد وصلت التعبئة إلى حد الاغتيالات والتصفية الجسدية كما حصل في أفغانستان والجزائر واليمن وتركيا وأخيراً في السعودية.
ثانياً- إضاعة طاقات وكفاءات نخبة من أبناء الأمة، الذين استجابوا لخطاب التطرف.
ثالثاً- تفجير الأوضاع الأمنية في بلاد المسلمين؛ فالأمن أهم شيءٍ يحتاجه الإنسان في مجتمعه. وبأسلوب التطرف زُرع الرعب في نفوس الأبرياء، وهذا مما لا يقبله الدين.
رابعاً- نفور الناشئة والشباب من الدين.
وأما على الصعيد الخارجي، تحدث سماحة الشيخ عن جملة من الأمور تركها الخطاب الديني المتطرف في الأمة ودفعت الأمة ثمنها، ومن تلك الأمور:
أولاً- ورطت الأمة في صدامٍ ليست متهيئةً له، إذ أن الغرب طُرحت فيه نظرية صدام الحضارات من قبل بعض الدوائر، فهم يبحثون عن عدو لحشد الطاقات تجاهه، وخطاب التطرف قدّم الأمة الإسلامية باعتبارها العدو الذي يستهدفه الغرب.
وأضاف سماحة الشيخ المعركة التي تعيشها الأمة ليست فقط عسكرية واقتصادية وإنما تجاوزت ذلك لتكون معركة فكرية وثقافية.
ثانياً- الخطاب الديني المتطرف شوّه سمعة الإسلام، فخلال السنتين الماضيتين، وبعد أحداث 11 سبتمبر، كتب ضد الإسلام أضاعف ما كتب ضده خلال قرنٍ من الزمان.
وتشير الدراسات أن الإسلام في الفترة الأخيرة كان من أكثر الأديان انتشاراً، ولكن بخطاب التطرف تعرقلت هذه الحالة، ونفر الناس من الإسلام لأنه قدّم بصورة مشوّهة واعتبر الإسلام إرهاباً.
وأضاف سماحة الشيخ: لا نريد أن نقول أن الغرب ليس له استهدافات ضد الإسلام، ولكن هؤلاء بخطاب التطرف مهدوا للغرب الطريق وأعطوهم الحجة ضد الإسلام والمسلمين.
ثالثاً- خطاب التطرف قدّم لإسرائيل فرصةً عظيمة كانت تبحث عنها، إذ أنه مع تصاعد الانتفاضة الفلسطينية تهدد وضع إسرائيل وأشرف على الإنهيار، ولكن المتطرفين بخطابهم الديني المتطرف أعطى الفرصة لإسرائيل لكسب الجولة وأن تعمل في فلسطين ما تشاء وعلى مرأى ومسمع من العالم، تحت عنوان مواجهة العنف والإرهاب والتطرف.
ودعا سماحة الشيخ في ختام كلمته الأمة إلى العودة إلى منهاج الإسلام وإلى أخلاق الإسلام. في محاربة العنف وفي الالتزام بالرفق.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمدٍ وآله الطاهرين.