عناصر القوة وقيم التعامل
عناصر القوة تسكر وتذهب العقل وتدفع الانسان الى الاستعلاء والجبروت واحتقار الآخرين ونبذهم والتعالي عليهم.
قد تتشكل تلك العناصر على ركيزة الثروة والغنى (ان الانسان ليطغى ان رآه استغنى) وقد تتشكل على ركائز ومحاور اخرى كالسلطة والمكانة الاجتماعية (الوجاهة) والقانون احيانا، لكنها كلها تصب في احياء الشعور الداخلي بالتفوق على الآخر في الاسرة او المجتمع.
الثابت الذي يمكن ان نشير له هو ان هذه العناصر قد توجد خللا قادرا على نسف قسم كبير من طرق التفكير المتعقل والانساني حول الشركاء الآخرين اذا استخدمت سيفا حاكما ومنطقا متحركا يشي بالتعالي والتفاخر والرفعة عند هذا الطرف او ذاك.
هذا التدهور وعدم الاتزان يدفع باتجاهات ليست حميدة في العلاقات البينية، سواء كانت دائرة تلك العلاقة محدودة وبيتية كالعلاقة الزوجية وعلاقة الابوة والبنوة، ام كانت عامة ومتسعة تتعدى الدار لتشمل الجار وتتعداه الى شريك القرية والمدينة والوطن.
سأكتب عن مثل اسري لكنه قابل للانطباق على الكثير من الظواهر التي يحدث فيها افاف في التوسل بعناصر القوة والركون اليها في تأطير وبرمجة العلاقات المفترضة بين طرفين يتأمل منهما التعاون والتعاضد والتآزر، لتتحول الحياة بينهما الى حلبة صراع يتبدل فيها الغالب والمغلوب بحسب الحظ الذي يصنع قوة في طرف ويسلبها من الطرف الآخر.
لقد عمد الرجل الى عناصر قوته، مستفيدا من الحاجة التي كانت تراها المرأة في قوته لحمايتها، او ماله لاعاشتها وكسوتها، فتجاوز الكثير من الحواجز الدينية والاخلاقية وحتى الانسانية في التعامل مع شريكة حياته، ولم يلحظ القيم التي تؤطر استخدام صلاحيته وقوامته على زوجته، بل اراد القوة قبل كل شيء وبعده حاكمة ومهيمنة ومسيطرة.
ولأن رسم العلاقة بهذا النحو كان فلسفة حياة يبتغي الانسان منها ممارسة غير مشروطة لصلاحياته، وهيمنته، امتد هذا التعامل ليطال الابناء والصغار بلا قيد ولا ضابط، فهرب الكثير منهم من بيوت آبائهم وتشردوا وضاعوا في الطرقات، واصيب عدد آخر بأمراض نفسية وعقد تمكنت من القضاء عل طموحهم واحلامهم.
وفور تبدل عناصر القوة لم تتأخر ردة الفعل التي جاءت عنيفة ومندفعة، فلم تكن المرأة احسن حالا من الرجل في التعامل مع عناصر القوة التي ملكتها واضافتها الى رصيدها، فحين بدأت بعض القوانين الوضعية (يلاحظ ذلك في الجاليات الاسلامية المغتربة) تتحرك لصالحها، وتقوي شوكتها، وتجعلها في مصاف الرجل وافضل منه في بعض النقاط، اتجه قسم من النسوة المسلمات نحو عناصر القوة هذه، واستخدمنها في مواجهة الرجل ومجابهته، وصيرن القوانين وسائل للانتقام من الرجل في اغلب نقاط الخلاف والاحتكاك بينهن وبينه، ولم يكن يعنيهن احيانا ان قسما من هذه القوانين بعيد عن روح العقيدة التي يتلبسن بها، لقد غاب الحرام والحلال والحق والباطل، ورضا الرب وغضبه، لتتحول عناصر القوة الى محور مؤسس للعلاقة القائمة بين الزوجين.
وعلى عجل من امرهم لحق الابناء امهاتهم في الاستفادة من القوانين الوضعية الرافعة لسلطة الاب عن اولاده، ليصبح الاب مجرد رجل في العائلة، ليس له امر ولا نهي على احد من اولاده.
هل يصدق المرء ان بعض الابناء في الجاليات الاسلامية المغتربة يرفعون على اولياء امورهم وآبائهم شكايات الى مراكز الشرطة بسبب منع الآباء لهم من ممارسة بعض المخالفات الاسلامية والدينية، وان عددا منهم يصرخ في وجه ابيه وامه طالبا منهما ان لا يرفعا صوتهما عليه والا استنجد بالقانون تحت الف حجة وحجة.
اعتقد اننا في زمن تتغير فيه الكثير من المعادلات، فالمرأة في مناطقنا لها من القدرة المادية ما يساوي قدرة الرجل بعد ان قطعت مشوارها الطويل في عالم الوظيفة والعمل، وتطورات الحياة تفرض يوما بعد آخر تشريعات وقوانين جديدة، يتجه قسم منها لصالح المرأة وانصافها، وبعضها لحماية المرأة ومناصرتها كما هو الحال في عمل بعض اللجان والمؤسسات الحقوقية التي تعنى بالمرأة.
ليس خطأ ان نفكر بجدية فيما تأخرنا عن التفكير به، ونعيد قراءتنا لعلاقاتنا التي نسجناها على معزوفة الشعور بالقوة وامتلاك عناصرها، فالزمن يتغير والحال يتبدل، والمسؤولية كبيرة في تحريك ثقافة فاعلة لا تغفل عناصر القوة في العلاقات القائمة، لكنها تؤطرها بمنظومتين اساسيتين الاولى هي المنظومة الانسانية والثانية هي المنظومة الدينية، ولمن لا يرى فرقا بين المنظومة الدينية والانسانية، يكفي ان يستوحي منهما ما يفيد لرسم علاقاته وتعامله مع الآخرين، فالمهم ان نهتدي لعلاقات حسنة لا ان نجادل، فقد قلت اننا في زمن تتغير فيه الكثير من المعادلات شئنا ذلك ام ابينا، فلنؤسس لغد حافل بالقيم والضوابط الشرعية والانسانية.