القراءة الصحيحة للآخر

مكتب الشيخ حسن الصفار
في خطابه الأسبوعي

سماحة الشيخ حسن الصفار: الاختلاف الديني أو المذهبي ليس مبرراً لسحق كرامة الآخر أو الاعتداء على حقوقه، إلا أن يكون ظالماً معتدياً.




مستفتحاً بالآية الكريمة: ﴿وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِماً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ألقى سماحة الشيخ حسن الصفار –حفظه الله- كلمةً عقب صلاة الظهرين اليوم الجمعة الموافق 17 ذو القعدة 1424هـ (9 يناير 2004م).

وأوضح سماحته في بداية الكلمة أن هذه الآية تشير إلى مفهومين إسلاميين مهمين، مرتبطين بتنظيم العلاقة بين الجماعات المختلفة دينياً أو فكرياً:

المفهوم الأول: حفظ الحقوق الإنسانية.

إذ أن للإنسان كرامته التي جعلها الله تعالى له، ولا يحق لأي جهةٍ –مهما كانت- أن تسحق كرامته لأي سبب كان، كما لا يجوز الاعتداء على حقوقه المادية والمعنوية؛ وإن كان مخالفاً لتلك الجهة دينياً أو فكرياً أو مذهبياً.

والقرآن الحكيم صريحٌ في ذلك، يقول تعالى: ﴿لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ.

وكذلك الأحاديث الشريفة، ففي الحديث الشريف: «المسلم من سلم الناس من لسانه ويده».

واستنكر سماحة الشيخ الآراء الخاطئة التي تؤمن بها بعض الجهات الدينية من السنة أو الشيعة، إذ يبررون لأنفسهم النيل من الآخر لا لشيء إلا لأنه مخالفاً لهم في المذهب. إذ أن الآية الكريمة حين تنسف مقولة اليهود: ﴿لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وتصفها بأنها كذب على الله، إنما لكي تنسف أمثالها من المقولات الخاطئة التي تعتبر المخالفة في الدين أو المذهب مبرراً للنيل من حقوق الآخر المادية أو المعنوية، وأن ذلك لا مؤاخذة شرعية عليه.

المفهوم الثاني: الإنصاف في الحكم على الآخر.

فحينما يتحدث أحد عن أهل دينٍ آخر أو مذهبٍ آخر، يجب أن يكون منصفاً في حديثه، ولا يصح أن يلقي الحديث عائماً من دون تثبتٍ، ودونما موضوعية في الطرح. فالآية الكريمة وهي تتحدث عن صفة سيئة عند أهل الكتاب خونة، تتجنب أسلوب التعميم وتقرر أنه ليس كل أهل الكتاب خونة لا يحترمون أمانات الآخرين، بل فيهم أمناء حتى على الأموال الضخمة: ﴿وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ. والآية تعليمٌ وتوجيهٌ لنا حتى لا نطلق أحكاماً تعميمية كاسحة على الآخر.

واستعرض سماحة الشيخ في حديثه حول هذين المفهومين أمثلة بين من خلالها المشكلة التي قد يُبتلى بها البعض من الشيعة أو السنة حينما يتحدثون أو يكتبون عن الآخر. كتعميم بعض الشيعة صفة النواصب على السنة، أو تعميم بعض السنة صفة الغلو في أهل البيت على الشيعة. مؤكداً سماحته على ضرورة التحلي بالإنصاف ففي حديثٍ للإمام علي : «الإنصاف يرفع الخلاف، ويوجب الإئتلاف.»

ودعا سماحة الشيخ المسلمين إلى ضرورة التوحد خصوصاً مع ما تمر به الأمة الإسلامية من ضغوطٍ خارجية معادية. مندداً بما يجري على بعض المواقع على الإنترنت حيث التراشق بين المسلمين ضد بعضهم البعض مما يوجب الخزي والعار للمسلمين.

وأضاف سماحته كما أننا ندين الغربيين على تعميم صفة الإرهاب على المسلمين نظراً لوجود جهات قليلة من المسلمين تمارس الإرهاب، علينا أن ننتبه إلى واقعنا الذي يسمح للآخرين أن يوجهوا لنا مثل هذه الاتهامات.

ووجه سماحة الشيخ خطابه لعقلاء الأمة ليتحملوا مسؤوليتهم تجاه تقريب القلوب، كما أكد على الجمهور أن يتحملوا مسؤوليتهم وأن لا يتفاعلوا مع أي خطيبٍ يعبئ الأجواء ضد الآخر.

وقال سماحته في ختام الكلمة: ينبغي أن نقرر تدشين عهدٍ جديد وأن نُغير ما بين بعضنا بعضاً حتى يُغير الآخرون ما بهم تجاهنا.
 
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمدٍ وآله الطاهرين.