مرحباً بالخوجة في القطيف
تحفر القطيف في ذاكرتها أشواقا لا يغير الزمان حرارتها ، وصورا لا تستطيع الأيام محوها لكل ضيف زارها وأحبها وأخلص لها ، فلا تزال أصداء الزيارة التي قامت بها الدكتورة عائشة عبد الرحمن«بنت الشاطئ» مع الوفد المصري للقطيف «صبيحة يوم الخميس من شهر فبراير عام 1951م 1370هـ» حديثا لكل مناسبة يأتي القطيف فيها زائر لأهلها ،ولا زالت القطيف تفخر أن هذه الأديبة زارتها والتقت بعدد من أدبائها ووجهائها، بل يكاد الإنسان يقرأ حدث الزيارة باعتباره من أهم الأحداث التي مرت بها القطيف.
لقد مر الزمن وتغير الحال لتصبح القطيف برجالها وأهلها مقصدا لزيارة المسئولين في سلك الدولة والوجهاء والنبلاء والعلماء والمثقفين وأصحاب الشأن من مختلف المناطق.
وإذا كان الاعتياد على أمر يجعله منمطا لا يثير مزيد اهتمام ولا يستقطب أضواء كالأضواء التي حصلت عليها بنت الشاطئ في زيارتها التاريخية للقطيف، فإن بعضها يمتاز بنكهة تعصف بالروتين والنمطية، فتستقطب القلوب والنفوس لتفرض شخصيتها ولونها وعطاءها وإنسانيتها، وتسجل أسمها وذكرياتها في تاريخ المنطقة.
زيارة الوجيه والأديب معالي الشيخ عبد المقصود بن محمد سعيد خوجة الذي حل ضيفا على داعيه سماحة الشيخ حسن الصفار مساء الثلاثاء 3/3/ 1425هـ هي من هذا النوع الذي يترك بصماته ليس على القطيف فحسب بل على الوطن بكل تفاصيله.
يكبل معالي الشيخ خوجة قلمي بأغلال ثقيلة جدا، فلا يستطيع مدحه ولا الثناء عليه وقد رأيته وسمعته يتأفف من المدح والثناء له، ويؤكد أنه لو علم أنه سيسمع ما سمعه من الثناء والإطراء لما قدم للقطيف لذلك سأحتفظ بهذا الحق لي نزولا عند رغبته، ولن أُعمله أو أُفعله في هذا المقال .
سأتحدث في أمرين وباختصار شديد، لأن مساحة المقال قصيرة وما في النفس كثير وكبير.
لقد قدم مع معالي الشيخ عدد من الشخصيات المعروفة على مستوى بلدنا الحبيبة ، وكان من حق كل واحد منهم أن تكون له دعوة واحتفاء خاص به وهو يشرف أرض القطيف ويحل ضيفا على أهلها، فالأسماء كبيرة ومكانتها مرموقة وهم: الداعية الإسلامي السيد عبدالله محمد حسن فدعق. والدكتور جميل محمود مغربي، و المعماري المهندس سامي محمد عنقاوي.والأستاذ الباحث عبدالله فراج الشريف. والمفكر الإسلامي الشيخ محمد صالح الدحيم، ورجل الأعمال المهندس محمد سعيد بن عبد المقصود خوجة. والدكتور زهير أحمد السباعي، عضو سابق في مجلس الشورى، وعضو مجلس الشورى الدكتور عبد الله صادق دحلان. والتربوي الأكاديمي الشيخ محمد عطية.
أن النفوس عل أشكالها تقع فحب معالي الشيخ وانسجامه مع العلماء والكفاءات وأجواء المعرفة أكرمتنا أن تكون معه هذه الكوكبة، ومعرفة هذه النخبة الطيبة بوقوف معاليه إلى جانب العلم والمعرفة دعاها لتكريمه وتكريمنا بالاستجابة وقد أتحفنا الجميع بكلمات قلبية صادقة تفوق الوصف.
حين تسمع لمعالي الشيخ خوجة تلمس ثقافة راقية وواعية، ثقافة ليست متحيزة لوجود سياسي معين أو لدولة يعيش في خيراتها هذا الرجل الكريم، كي تجد لها من يشاكسها ويعاندها لسبب أو لآخر، فالرجل قريب كل القرب من الدولة لكن الثقافة في وعيه لا تتلون ولا تتأطر،فهي السمو والرفعة والفخر للإنسان أولا وأخيرا ،ومن هذا الوعي والإدراك لمعنى العلم والثقافة يمارس هذا الإنسان دعما خلفيا لكل إيجابية يلتقطها في مسار الدولة كنشر قيم التسامح والوسطية، والانفتاح والإنسانية ودعم المسيرة العلمية والعلماء والمنتديات الثقافية وغيرها.
وتلمسها ثقافة لا تحسب على توجه ديني خاص كي تتهم بالتحيز والضيق ، وينظر إليها «بخوف وتوجس»، فمعالي الشيخ مع الدين كله بما يحمل ويستوعب من أطياف جميلة وروائح عبقة وألوان زاهية ، فهو من أسرة عرفت بالتدين وعطاءه للعلماء شاهد على ذلك، لكنه أبى أن يقصر عطاءه على جهة دون أخرى ، وفي هذا الحس الإنساني ما يؤلف ويجمع ويستوعب.
يحرك الرجل إمكاناته في دعم القيم الفوقية والمشتركة التي تلتقي عندها كل الروافد والأنهار تاركا لكل رافد تحركاته وتعرجاته، وما يتحرك فيه من أحياء وخيرات لتكون شأنا خاصا به، فالتفاصيل عنده لا تتضخم على حساب الكليات، بل يراها حقا مشروعا لذلك النهر الصغير، لا يتوجس معاليه من ذلك ما دامت القيم الكبرى مدعومة، لها من يرعاها ويسندها ويمدها بالفاعلية والنشاط.
قلة هم أولئك الذين يجمعون بين الدنيا والآخرة لسعادتهم في الدارين ، وقلة هم الذين يجمعون بين الدين والدولة لتصب أنظارهم على الإنسان ليسعد بدينه ضمن رافده الخاص ويخلص لدولته في وجودها العام فيجمع بين هذا وذاك جمعا سلسا يجعل كل واحد منهما يعطي شيئا من قوته للآخر.
شخصية الخوجة نداء لرجال الثراء والوجاهة والخير في بلادنا، يا رجال الأعمال يا أثرياء المجتمع وقوته الاقتصادية التفتوا إلى الوطن إلى جانب الثراء، والإنسان إلى جانب الغنى، والعلم والمعرفة إلى جانب أعمالكم وانشغالاتكم، فأنتم الرافع والرافد والعون للبلاد ولإنسانها.