قد يكون الراتب عراكاً ونقمة
ربما كان جيل الأزواج القديم نائيا بنفسه عن التفكير في أموال الزوجة ومكاسبها، لأن هاجس الرجولة يومها لم يكن يقبل الاقتراب من أموال الزوجة، يضاف إلى ذلك أن ضغوط الحياة ليست كما هي عليه اليوم، ناهيك عن أن عمل المرأة وكسبها لم يكن إلى ما قبل 30 سنة مضت ، بالمشهد الحالي الذي يتشكل أمام أعيننا، وبالإغراء الذي يضغط على النفوس ويدفعها بهذا الاتجاه أو ذاك.
هذا لا يعني بطبيعة الحال أن هاجس الرجولة قد تغير اليوم وأصبح سيئا أو معدوما، بل إن ظروف الحياة وثقافة الناس قد تغيرت، وغيرت معها كل المؤشرات، لقد فعلت الأيام بدورانها فعلتها، تماماً كما تضطر عقارب البوصلة لتغيير مؤشراتها إذا ما أديرت البوصلة باتجاه آخر.
اعتقد إننا نتفق جميعا على أن ظروف الحياة باتت أصعب من السابق، وأن أوضاعنا الاقتصادية تعاني بعض المتاعب، ولذلك نشعر جميعا بأننا بحاجة إلى تعدد مصادر الدخل في حياتنا الأسرية، كي يتسنى لنا مواجهة الغلاء من جهة، ومواكبة متطلبات الحياة من جهة أخرى، وليس خافيا أن العديد من الأسر يرهقها أن تلبي جميع حاجاتها الطبيعية بالاعتماد على راتب الزوج كمصدر وحيد للصرف.
أمام هذا الوضع يقتضي الإنصاف منا أن نعتبر دخل المرأة (راتبها) نعمة يمن الله بها على الأسرة، ويسوقها في الوضع الطبيعي نحو مزيد من الاستقرار الاقتصادي والقدرة على الرفاه والسعة في تلبية الاحتياجات، ومن شأن ذلك أن يقلل من أمواج التشنج والعصبية، وارتفاع ضغط المشاكل الداخلية بين الزوجين وبينهما مع الأولاد.
راتب الزوجة نعمة إذاً ويصعب التنكر لذلك في الأسر التي تسودها علاقات تفاهم ورضا بين الزوجين، هذه النعمة كغيرها من النعم قد تتحول إلى نقمة على المرأة خصوصا وعلى الأسرة بشكل عام إذا أحيطت بظروف غير طبيعية.
ربما أسترسل في المقال إن قلت ان راتب المرأة وجمالها ومكانتها الاجتماعية وأحيانا شهادتها وكفاءتها وغير ذلك من نقاط قوتها قد تتحول في ظرف ما إلى ميدان تصرع فيه.
لقد لفتت نظري قصص كثيرة ترتبط بجمال المرأة وهو مطلب لكل رجل يبحث عن شريكة حياته، ومفخرة للمرأة ومع ذلك قد يؤدي بها إلى النكد والحسرة والموت، مع أن الجمال للمرأة نعمة تفضلها هي ويفضلها الرجال على الكثير من النعم.
فتحت عنوان «قتل زوجته بسبب جمالها» كتبت صحيفة (الجزيرة) بتاريخ 10/6/2003م كانت ثريا شديدة الجمال رائعة البهاء منذ صغرها وهي تملك الكثير من مقومات الأنوثة والكثير من الجاذبية والفتنة مما جعلها محط أنظار الشباب والمعارف، تقدم رشاد وهو أحد أقاربها للزواج منها، أعلنت ثريا موافقتها على الفور، وعاش الزوجان شهرا مليئا بالسعادة، ونظراً لجمال العروس فقد بدأ رشاد يلاحظ أن الجيران من الرجال يسعون إلى توطيد صلتهم به وإقامة علاقة معه رغم عدم ترحيبه بهذه العلاقات والصداقات.
أيقن رشاد أن جمالها هو السبب، فأوسعها ضرباً دون أي خطأ من جانبها وسعى جهده حتى تمكن من نقل سكنه إلى منطقة أخرى، لكن السكن الجديد كان أكثر سوءاً، فتلطيش الكلام من الجيران دفعه لضربها وانتهى الأمر بينهما إلى الطلاق.
ولأنه لم يتحمل حياته بدونها عاد للزواج منها مرة أخرى، ثم طلقها لأسباب تشترك في جوهرها مع الأسباب السابقة، ثم تزوجها ثالثة، وأثناء مشاركته معها في حفل زفاف شقيقه الأصغر، لاحظ أعين الناس تتجه إليها، وحين عادا إلى البيت، اشتد النقاش وتحول إلى مشاجرة، انتهت بإطباق رشاد يديه على عنق ثريا ولم يتركها حتى تحولت جثة هامدة.
وجد رجال الشرطة رشادا وهو يجلس بجوار جثة زوجته يبكي، وأمام المحكمة التزم رشاد الصمت، ورفض الدفاع عن نفسه، كما رفض توكيل محام للدفاع عنه، حاول المحامي الذي ندبته المحكمة للدفاع عنه أن يصور الجريمة على أنها جريمة دفاع عن الشرف، وأن رشادا أقدم على قتل زوجته بسبب شكه في سلوكها، لم يطق رشاد السكوت على كلمات محاميه ووقف يصرخ في المحكمة وهو يؤكد أن زوجته بريئة وأن غيرته الشديدة هي السبب وراء الجريمة.
لقد ذكرتني هذه القصة لمناسبة أو لغير مناسبة بقول الشاعر:
وكم رمت قسمات الحين صاحبها
وأتعبت قصبات السبق حاويها
وزهرة الروض لولا حسن رونقها
لما استطالت عليها كف جانيها
تضيق بي المساحة المتاحة للكتابة، بيد أن الكثير من النعم قد تتحول إلى فتن ومنغصات، لقد أشار القرآن الكريم إلى الأموال والأولاد بقوله: ﴿المال والبنون زينة الحياة الدنيا﴾ مع ذلك ذكّر بأن هذه النعمة قد تكون مصدرا يفتتن به الإنسان ﴿إنما أموالكم وأولادكم فتنة﴾.
سألتقي بك عزيزي القارئ في المقال القادم إن شاء الله لأستكمل فكرة الموضوع، مركزا فيه على ما كنت أريد معتبرا أن جزءا من هذا المقال هو مجرد مثال لنعمة قد تتحول إلى نقمة.