عاتبني الرجال: أنت تحرض
جلست مع بعض أصدقائي أعرض عليهم استغرابي من اتصالات إخواني الرجال منذ حوالي عشرة أيام واستمرارها إلى يوم كتابتي هذا المقال،لقد تحدثت في المقالات الثلاثة السابقة عن راتب الزوجة وكيف يحاول بعض (وليس جميع) الرجال السيطرة عليه.
ظننت أن الأمر طبيعي وعادي، لكني أصدق معك أيها القارئ إن قلت لك ان اتصالين هاتفيين على الأقل أتلقاهما يوميا من الرجال، لصرفي عن مواصلة الكتابة في هذا الموضوع، اما بطريقة تسخيف الموضوع أو لفت النظر إلى مواضيع أكثر أهمية، أو باسم أن الموضوع يحرض النساء على أزواجهن،أو بسبب انتصاري للمرأة كما ظن البعض، وكأني سأحصد المزيد من شيكاتهن التي ستدخل في حسابي! أو بسبب المحبة والشفقة عليّ من نقد الآخرين، ولجميعهم أقدم شكري لتفاعلهم وتواصلهم، مستبعدا أن يكون بعضهم لا يريد تسليط الضوء على هذا الموضوع كي لا يشعر بحرج مع نفسه أو التفاتة من زوجته وعياله، فالصمت والستيرة مع مصادرة الراتب أفضل من الشوشرة والحديث المعلن.
لفتت نظري مفارقة عجيبة وهي أن أكثر الصامتين حتى في التعليقات على مواقع الانترنت كانت المرأة -أعانها الله- على حالها، وألتمس لها العذر لأنها تشعر بأن الفائدة معدومة سواء أبدت وجهة نظرها أم تحفّظت عليها، كما أقدم لها الشكر لأنها لم ترفض الحديث في الموضوع ولم تقف موقفا هجوميا ضده.
لا يرتبط موضوع الراتب بالأزواج فقط، فهناك مشاكل أسرية بين بعض الآباء وبناتهم الموظفات، لا تقل خطورتها عن المشاكل بين الزوج وزوجته، هناك أهات ومصائب في هذا الموضوع الشائك تبدأ أحيانا قبل أن تنتقل الفتاة إلى بيت الزوجية، كما أن هناك أخطاء وتوترات عائلية ترتبط بالراتب لكن سببها الزوجات وليس الأزواج، إن الحديث أو الكتابة في زاوية من الزوايا لأي موضوع كان لا تعني التناسي والتساكت عن بقية الزوايا الأخرى المزعجة فيه.
ربما كان القارئ بحاجة للتأني قليلا كي تتضح خارطة الموضوع بزواياها المختلفة، وكان المستحسن (ربما) أن أسبق القارئ بالإشارة إلى أن هذه المواضيع ستكون مجالا خصبا للكتابة فيها لأنها مشاكل حقيقية وواقعية وقائمة.
من حق كل رجل سوي يسعد مع زوجته بتقاسم أعباء الحياة بتراضٍ وانسجام في راتبه وراتبها ومهامه ومهامها وغير ذلك أن ينظر للموضوع الذي أكتب فيه من زاوية ترفية، لأنه لا يلامس شيئا من حياته (والحمد لله على حسن حالهما)، لكن واقع المشاكل العائلية للعاملات يعج بإشكالية تسلط الأزواج على رواتب زوجاتهم بالقوة والجبر، هذا ما تفرضه الكثير من حالات التشاجر والتوتر العائلي التي نساهم في نصحها وتوجيهها.
الراتب حاضر وبقوة في العديد من مصائب الأسر وتفارق الأزواج وتعليق بعض الزوجات حين يرفضن تسليمه عن يد وهن صاغرات، إن الرسائل التي وصلتني لا تعني أن قضية الراتب هامشية، بل هي مؤثرة، وسيعني الغلاء والتضخم المتنامي في الأسواق الكثير على صعيد النظرة لراتب الزوجة.
إن بعض الرجال اليوم يفضلون أن تكون الزوجة امرأة عاملة، وهذا حق محترم له وله ما يبرره، لكني أخشى أن تفرض الحياة توجها آخر (لا سمح الله) وهو أن تكون الزوجة عاملة امرأة، فينصب النظر أولا إلى راتبها قبل إنسانيتها وزوجيتها وأمومتها.
لا تعامل المرأة في مجتمعاتنا على أنها إنسانة بشكل مطلق وتام، وإن كان الوعي يتحرك صاعدا للقبول بهذه الحقيقة بفضل التوعية التي تساهم فيها بعض شرائح المجتمع المثقفة والمنفتحة والمتدينة التي وعت الدين بطابعه الإنساني الراقي.
فإذا كانت المرأة ولا تزال فريسة سهلة للعنف الأسري في مناطقنا العربية والإسلامية وغيرها (مع فارق اختلاف درجة الحماية القانونية من دولة إلى أخرى)، فإن الاعتداء بشكل أو بآخر على حق من حقوقها (الراتب) هو أمر سهل ويسير أمام الاعتداء على كرامتها وجسدها بالضرب والإيذاء.
يجب أن يلحظ هنا أن العنف الذي ينصب على المرأة يحصل أحيانا لأسباب تافهة وساذجة، وأحيانا مزاجية، فكيف يمكن أن ينجو راتب المرأة الوفير (مع كل الإغراء الذي يعنيه) لتحتفظ به كحق خاص لها، مع تزايد ضغوط الحياة وتضاعف أعبائها على الرجال؟
ما لم يعالج وضع المرأة في عقلية الرجل بأبعاده المختلفة فهي عرضة لكل الأزمات والمتاعب التي يسببها الرجل، سواء انطلق في معاملته السيئة من فهم مجتزئ وفقير للدين، أم من منطلق تسلطي بحت تفرضه الثقافة الذكورية التي لا ينساها الرجل المفتقر لثقافة المعرفة والعلم والدين السليم.