كسر الحاجز مهمة ثمنها باهظ
(إنّ أحاديث الأئمّة الأطهار عليهم السلام قد حثت شيعتهم ومواليهم على التودد لأهل السنة وعدم قطيعتهم، وأكّدت على ضرورة التأدّب معهم بآداب أهل البيت عليهم السلام مع غيرهم).
بهذه العبارات الجميلة بدأ فضيلة الشيخ علي المحسن «أحد أعضاء هيئة التدقيق بمحكمة الأوقاف والمواريث بمحافظة القطيف» مقاله في العدد الثامن والخمسين من نشرة الرسالة ضمن سلسلة «كلمتي» تحت عنوان «مَنْ يكسر الحاجز بين الشيعة وأهل السنة؟».
لقد كان مهمّا من الشيخ سرده لبعض أحاديث أهل البيت بعد المقطع الذي افتتح به مقاله وأشرت إليه، كي لا تتصوّر العلاقة بين الشيعة وأهل السنة على أساس مصلحي، أو على قاعدة الضرورة والاضطرار، فتلك الروايات أعطت للعلاقة معهم بعداً شرعياً يستطيع الإنسان أنْ يتقرّب من خلالها إلى ربه.
لن أكتب كثيرا عن مقالة الشيخ فبإمكان القارئ الرجوع إليها كاملة في موقع الرسالة الإلكتروني، بيد أني أحبّ الإشارة إلى بعض الأمور التي أظنها مهمّة ونحن نسير في هذا المنحى الديني والإنساني الراقي.
التخبّط كثير في الدفاع عن العقيدة وحمايتها، والمواقف التي تتخذ في هذا المسلك متباينة ومتفارقة، وأظن أنّ بعضها ناتجٌ عن عصبية جاهلة ترى أنّ العلاقة مع بقيّة المسلمين تمسّ جوهر العقيدة، ولا تعي أنّ العلاقة معهم جزء أصيل من منظومتها، وبعضها الآخر ناتج بسبب ضياع البوصلة السليمة في خدمة الإنسان لرسالته، فيعتقد أنّ مجرد الزمجرة وإثارة المخاوف والهواجس في نفوس الناس من أنّ أيّ علاقة مع أهل السنة ستشكل تنازلاً وميوعة وانبطاحا، وحينها لا يجد أمامه سوى التطبيل بهذه الشعارات، مُقنعاً نفسه ومن حوله أنه بهذا يُدافع عن عقيدته ومذهبه.
ولعلّ الدليل على ضياع البوصلة عند هؤلاء هو أنّ حركتهم وحيويتهم تأتي بفضل وبركة مبادرات الآخرين، ولعلّ السنوات الطوال خيرُ شاهد على أنهم يتبعون الأحداث والتحوّلات، وينفعلون بها دون أنْ يصنعوها، فزادهم ومادتهم في المجالس والديوانيات ومنصات المشافهة مع الناس هي حدث هنا وزيارة حصلت هناك ولقاء بين عالم من الشيعة مع أحد العلماء من المذاهب الأخرى وهكذا يجدون ما يملأ فراغاً، ويدفع مللا، ويحوّل الحياة إلى كتلة من النشاط السلبي.
وأحياناً يكون التخبّط خاضعاً لتصفية الحسابات الشخصية أو الحزبية أو الفئوية، والمهم في كلّ ما سبق أنّ هناك حديثا شعاراتياً عن حماية العقيدة لكنه يخلو من بصمات فعلية على أرض الواقع، اللهم إلا الصراخ والضجيج.
الشيخ المحسن يتحرّك بنمط يختلف عن الغوغاء السابقة، فهو يكتب ويؤلّف ُمدافعا بعناد الدليل وقوّة البيان عن عقيدته ومذهبه، له على سبيل المثال كتاب بعنوان: «عبد الله بن سبأ، وكتاب لله وللحقيقة وكتاب كشف الحقائق وكتاب الردود المحكمة» وغيرها من الكتب التي بذل فيها جهداً تفخر به المنطقة، فكلّما صدر كتاب يحمل تشكيكاً أو استهزاءً بادره برد بيّن وواضح، لكن دفاعه عن عقيدته لا يعني عداءه للآخرين ومقاطعته لهم، فهو يرى أنّ المُدافع عن العقيدة يجب أوّلاً أنْ يتمسك بأوامرها وتعاليمها، ومن مفردات ذلك ما أشار إليه بقوله: «إن أحاديث الأئمّة الأطهار عليهم السلام قد حثت شيعتهم ومواليهم على التودد لأهل السنة وعدم قطيعتهم، وأكدت على ضرورة التأدّب معهم بآداب أهل البيت عليهم السلام مع غيرهم».
سألتقط جملا وردت في مقاله ربما تكشف نظرته لهذه اللقاءات وتعالج بعض الترسبات الاجتماعية العالقة «إنّ الغاية من عقد تلك اللقاءات هي التعرف إلى الأطراف الأخرى، والنظر في القواسم المشتركة والتأكيد عليها، والغض عن نقاط الخلاف، وعدم جعل التنازل عنها شرطا لعقد تلك الاجتماعات، أو أساساً للتعاون مع باقي الطوائف في أيّ مشروع حتى لو كان يصب في مصلحة الأمّة» وعن الحاجة لعقد لقاءات دورية بين العلماء يقول: «إنها كفيلة بتوضيح صورة كلّ مذهب عند علماء المذاهب الأخرى، وتذويب الجليد المتراكم فيما بينهم، وخلق روح من المحبّة بين كلّ الطوائف، وبث آمال الأمّة التي انطمرت تحت أوحال الحقد والكراهية» ثم يلفت النظر إلى بعض الفتاوى التي يشم منها المعارضة لهذا التوجّه من قبل بعض العلماء فيقول: «لو سلمنا أنهم كانوا مصيبينَ عندما أصدروا تلك الفتاوى، إلا أنّ فتاواهم لا تصلح بالضرورة لكلّ عصر، ومصلحة الأمّة تقتضي اليوم أنْ تتجاوز كلّ الطوائف عن خلافاتها الجزئية التي تستنزف طاقاتها، وتوجّه جهودها لمواجهة الأخطار الكثيرة المُحدقة بها».
نحتاجك شيخنا في قوّة قلمك دفاعاً عن عقيدتنا، ونحتاج نهجك؛ لنجمع بين قوّة إيماننا بمبادئنا وصدق تعاملنا ونزاهتنا في العلاقة مع كلّ مسلم يشترك معنا ونشاركه الشهادتين، سنكون في حال أفضل لو ساد الحب الوئام بيننا، وستتضاعف قوّتنا كلما التحمنا مع إخواننا في الدين، شكراً لك شيخنا على هذه الإنارة الجميلة في درب يعمد كثيرون لإطفاء مصابيحه؛ ليبقى معتما في نفوس الناس.