حرمك الله من رائحة الجنة
أنا فتاة في الخامسة والثلاثين من عمري ولي أربع شقيقات ولم تتزوج منا واحدة حتى الآن بسبب أن أبي ـ سامحه الله ـ يرفض كل من يتقدم لنا من أجل الاستحواذ على مرتباتهن، وقبل فترة وجيزة توفيت إحدى شقيقاتي، وأثناء خروج الروح نظرت إلى أبي نظرة مازالت مسجلة في ذاكرتي حتى الآن، حيث قالت له: قل: آمين يا أبي، فقال: لها آمين. فقالت له: حرمك الله من رائحة الجنة كما حرمتني من الزواج، وأنا الآن حائرة بسبب ذهول أبي واضطرابه وندمه الشديد بعد وفاة شقيقتي، حيث إنه بدأ يفكر جدياً في أمر زواجنا وأنا بدوري أسأل عن نوع الكفارة التي يلتزم بها أبي حيال الذنب الذي عمله في حق شقيقتي ونحن كذلك حيث إن أبي أصبح لا ينام الليل والنهار بسبب حزنه مما جعلني أخاف على صحته التي لم تعد تحتمل كل ذلك الألم، أنقذونا ماذا نفعل وماذا يفعل أبي لإنقاذ نفسه من غضب الله؟ .. «جريدة المدينة 22/11/1414هـ ».
قصة من بين عشرات بل مئات القصص التي يسيل فيها اللعاب على راتب الفتاة، وما تكسبه من تعبها ووظيفتها، لكنه هذه المرة لعاب يسيل من الأب على ما في يد ابنته، ليختار بين مصلحتين، مصلحة الفتاة ( بزواجها )، ومصلحته ( الكاذبة ) كأب في الهيمنة على راتب ابنته وعضلها ومنعها من الزواج، لتمر عليها الأيام ويفوتها القطار، وتصبح مجرد آلة تعمل وتكدح لتوفر الراتب لوالدها.
إن عدداً لا بأس به من حالات الخطوبة التي لا تنتهي بالزواج، بل ترفض من قبل بعض الآباء بأعذار واهية، يعود السبب الرئيس فيها إلى راتب الفتاة، وتطلع الأب للاستحواذ عليه.
فتحت أعذار مفبركة من قبيل عدم الكفاءة بين الزوج والزوجة أو عدم الانسجام أو لصغر سن الفتاة ( التي وصلت الى سن الزواج ) أو غيرها من الأعذار ، يرفض بعض الآباء منح الموافقة ( التي هي شرط في زواج البنت )، ويعمدون للاستمرار في مصادرة رواتبهن باعتبار أن الأب هو الذي ربى الفتاة وتعب عليها وهو أحق براتبها وأولى بمكاسبها.
هذا السبب ( الحقيقي ) لا يظهره الأب للناس، ولا يُعرض ويقدم كسبب مانع للزواج، لأنه غير مقبول لدى المجتمع، ويشكل نقطة انتكاسة للأب في عيون الآخرين، لكنه في بعض الحالات يشكل الخلفية التي تنطلق منها بعض الأعذار التي يقبلها الناس بشكل أو بآخر باعتبارها مبررات للرفض.
للولد تعامل خاص:
لا تجد أباً يمنع ابنه من الزواج طمعا في راتبه، بل لا يستطيع أب أن يفعل ذلك، لأنه يعلم أن ابنه قد يقرر العناد وعدم الامتثال والمفارقة أحياناً . فالابن مطلوب منه طاعة والديه، لكنه يستطيع مخالفتهما ( حين يتيقن من خطئهما، ومباينة رأيهما لرأي الدين ) دون عسر وحرج كبيرين، لكن الفتاة تبقى رهينة لمزاج الأب وتصرفاته ومدى استيعابه الأمور، فان كانت إنسانيته معافاة، وتصرفاته عاقلة، واستيعابه أمور دينه سليماً، عاشت بناته معه وارتقت العلاقة بينه وبينهن لأعلى درجات الإنسانية والرحمة.
المحنة الشديدة للفتاة تكمن في عقلية الأب المتحجرة، ونفسيته الجشعة، واستيعابه الخاطئ لأمور دينه، وأركز هنا على الجشع لان له صلة مباشرة بصلب موضوعنا، حيث يصل الطمع والجشع ببعض الآباء الى درجة تمسح فيها فطرتهم ليست الإنسانية فحسب بل ما يشاركون فيها كل الحيوانات ( عذراً للقارئ الكريم ) فالحيوانات تتحرك بفطرتها من أجل أولادها وصغارها وتفديهم بأرواحها إذا تعرضوا للخطر، بينما المنسلخون من إنسانيتهم يقسون حتى على أولادهم وبناتهم قسوة لا يتصورها الأسوياء، ولا يستوعبون منطلقاتها وأرضيتها التي استنبتتها، لكن ذلك حاصل ويحصل.
الأخوة أشد من الأب:
في حال فقد الأب يمارس بعض الأخوة دورا قاسيا ضد أخواتهم . لقد كتبت صحيفة أنباء الالكترونية 3/ مارس/ 2008 عن فتاة أوصلت قضيتها لجمعية حقوق الإنسان بسبب أخيها الذي كان يمنعها من الزواج ويهدد من يخطبها بالقتل طمعا في راتبها.
ضعف المرأة وانعدام البدائل أمامها حال عدم استجابتها لظلم الأب أو الأخوة هما سببان رئيسان لضياع حقوقها، إضافة إلى النظرة الدونية التي يتعامل بها الجهال مع بناتهم، وما لم يضخ الوعي، وتنشر الثقافة وتعرف الفتاة كيف تتخلص من الظلم الذي قد يحل بها من أقرب الناس إليها فإن مزيدا من العذابات في انتظار فتياتنا الضعيفات، وهنا أؤكد على الدور الذي يجب أن تقوم بها جمعية حقوق الإنسان وهيئة حقوق الإنسان لأن بعض الآباء يتعاملون مع بناتهم خارج إطار الإنسانية والقيم الدينية.