الجمعة برنامج اجتـمــاعـي
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وآله الطاهرين وصحبه الطيبين
إن أهم برنامج اجتماعي ليوم الجمعة هو حضور صلاة الجمعة، فهي عبادة اجتماعية بامتياز، حيث يجتمع فيها أهل كل منطقة في مكان واحد، يؤدون صلاتهم خلف إمام واحد، ويصغون إلى خطبتين تتناول شؤونهم العامة، وتوجههم لأهدافهم السامية المشتركة، وتذكرهم بالقيم الدينية التي يؤمنون بها.
فيلتقون مع بعضهم في أجواء طيبة مباركة، يسودها النظام وحسن الأدب. ويمكننا أن نفهم من استحباب السبق إلى المسجد، والمباكرة إليه يوم الجمعة، الحرص على تواجد الناس مع بعضهم لوقت أطول، إضافة إلى فرصة التعبد في المسجد.
روي عن رسول الله أنه قال: «إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد ملائكة، يكتبون الأول فالأول» [1] .
وعن الإمام الباقر : « يدخل المؤمنون إلى الجنة على قدر سبقهم إلى الجمعة» [2] .
وجاء عن الإمام جعفر الصادق : « وأنكم تتسابقون إلى الجنة على قدر سبقكم إلى الجمعة» [3] .
وعن ابن مسعود أنه بكر فرأى ثلاثة نفر قد سبقوه فاغتم، وجعل يعاتب نفسه ويقول لها أراك رابع أربعة، وما رابع أربعة بسعيد[4] .
كما تؤكد النصوص الدينية على سيادة أجواء الاحترام في اجتماع صلاة الجمعة، حيث يجب أن يصغي الجميع للخطبة، ولو أخطأ أحد فتكلم أثناء الخطبة، فلا يصح أن يطلب أحد منه الإنصات، بل يلفت نظره بإشارة مؤدبة، روى أبو هريرة عن النبي أنه قال: «إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة: أنصت، والإمام يخطب فقد لغوت»[5] ، وقال أهل العلم: إن تكلم غيره فلا ينكر عليه إلا بالإشارة.
كما يكره للإنسان حين يأتي للصلاة وقد بدأ الإمام خطبته أن يتخطى رقاب الناس، روى معاذ بن انس الجهني عن أبيه قال: قال رسول الله : «من تخطى رقاب الناس يوم الجمعة اتخذ جسراً إلى جهنم» [6] .
وروى عبدالله بن عمرو عن رسول الله أنه قال: « ورجل حضرها – الجمعة – بإنصات وسكوت، ولم يتخط رقبة مسلم، ولم يؤذ أحداً، فهي كفارة إلى الجمعة التي تليها، وزيادة ثلاثة أيام، وذلك بأن الله عز وجل يقول: ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا﴾»[7] .
وقد تحدثت النصوص عن بعض تفاصيل مراعاة المشاعر وحفظ الاحترام بين المجتمعين لأداء صلاة الجمعة، مثل كراهة أن يفرق الإنسان بين اثنين فيجلس بينهما، أو يأخذ مكان احد آخر، جاء في صحيح البخاري عن ابن عمر قال: «نهى رسول الله أن يقيم الرجل أخاه من مقعده ويجلس فيه/ الجمعة وغيرها» [8] .
تشير بعض النصوص الدينية إلى أن السجناء ينبغي أن تتاح لهم فرصة التواصل مع الناس يوم الجمعة ويوم العيد، بأن تخرجهم السلطة وقت الصلاة مع مرافقين ليحضروا اجتماع الناس للصلاة، ثم يعادون إلى سجنهم.
ورد عن الإمام جعفر الصادق انه قال: «إن على الإمام أن يخرج المحبسين في الدين يوم الجمعة إلى الجمعة، ويوم العيد إلى العيد، ويرسل معهم، فإذا قضوا الصلاة والعيد ردهم إلى السجن» [9] .
وفي رواية أخرى عن الإمام جعفر الصادق عن أبيه : « أن علياً كان يخرج أهل السجون من حبس في دين، أو تهمة، إلى الجمعة، فيشهدونها ويضمنهم الأولياء حتى يردونهم»[10] . أي بكفالة أوليائهم.
وفي نص آخر عنه : «أن علياً كان يخرج الفسّاق إلى الجمعة»[11] .
وقال العلامة الحلي: «لأنهم – أي المحبوسون- مكلفون بهذه الصلاة فلا يجوز للحاكم حبسهم عنها، ويبعثهم مع رقيب يحفظهم إلى أن يؤدوا الفرض الذي عليهم»[12] .
وعلق الشيخ حسين علي المنتظري على هذه الروايات بقوله:
(والظاهر أنه لا خصوصية للدين والتهمة، بل الظاهر عموم الحكم لكل مسجون مسلم. نعم، ربما يظهر من هاتين الروايتين أن الحبس في تلك الأعصار لم يكن غالياً إلا في الديون والتهم، ولم يكن الأمر مثل ما في اعصارنا بحيث يحكم بالحبس لكل كبيرة وصغيرة ، بل لكل أمر تافه موهوم أيضاً، بل لم يعهد في عصر أمير المؤمنين علي وما قبله وجود السجون السياسية الرائجة في عصرنا، حيث أن الناس كانوا أحراراً في عرض آرائهم السياسية ما لم يترتب عليها البغي والطغيان والقتل والإغارة) [13] .
ويرى بعض الفقهاء أن صلاة الجمعة تسقط عن المحبوسين لأنهم من ذوي الأعذار، فلا يجب على الحاكم إخراجهم لها، لكنه مع توفر الضمانات بإعادتهم أمر راجح لما فيه من الآثار الايجابية على السجناء نفسياً ودينياً.
علاقة الإنسان مع عائلته يجب أن تكون لها الأولوية في قائمة اهتماماته الاجتماعية، ولا يصح أبداً أن يتساهل الإنسان في الاهتمام بعائلته على أساس ضمانه لارتباطهم به على كل حال، لان عليه أن يجعل ذلك الارتباط مدعوماً بالحيوية العاطفية والقرب النفسي، وليس بالحاجة فقط. ورد عن أمير المؤمنين علي انه قال: « ولا يَكُنْ أَهْلُكَ أَشْقَى الْخَلْقِ بِكَ »[14] .
ويوم الجمعة ينبغي أن يكون فرصة لضخ زخم جديد من الارتياح في الوسط العائلي، وان يضيف نكهة جديدة من السرور، عبر أي وسيلة للترفيه العائلي.
وهذا ما نفهمه من الحديث المروي عن رسول الله أنه قال: « أطرفوا أهاليكم كل يوم جمعة بشيء من الفاكهة واللحم حتى يفرحوا بالجمعة» [15] .
فإن الفقرة الأخيرة من الحديث (حتى يفرحوا بالجمعة) تبين المقصد والمناط، وهو ترفيه العائلة وتفريحهم يوم الجمعة، أما الوسائل فقد تكون بتنويع الطعام، وقد تكون بوسائل أخرى.
لا يخلو مجتمع من حالات الفقر والحاجة، لكن مساحتها تختلف من مجتمع لآخر، ومن وقت لآخر، والواعون من أبناء المجتمع يدركون خطورة وجود تلك الحالات، وما تمثله من ثغرات في جدار امن المجتمع واستقراره، لذلك يشعرون بالمسؤولية تجاهها، ويسعون لمعالجتها معالجة جذرية بالحدّ من منابع الفقر، وتوفير الفرص لوصول كل مواطن إلى مستوى تلبية احتياجات حياته عبر التعليم والعمل وأنظمة الضمان الاجتماعي، ثم تفقّد موارد العوز والحاجة، بد يدّ العون والعطاء لها تحت عنوان (الصدقة) التي اشتقها الشارع الحنيف من مادة الصدق، يقول القليوبي: سميت -الصدقة – بذلك لإشعارها بصدق نية باذلها[16] .
ويوم الجمعة المبارك الذي يزداد فيه إقبال العبد على ربه، واتصاله بمجتمعه، ينبغي أن يتحقق فيه اكبر قدر من الاهتمام بالفقراء والمساكين، لتعمّ بركة هذا اليوم عليهم، وليشعروا بتعاطف المجتمع معهم، وأنهم جزء غير مهمل من مجتمعهم.
لذلك وردت النصوص الدينية التي تشجع على بذل الصدقة يوم الجمعة، وتنقل حرص أئمة الهدى على تفقد أحوال الفقراء خاصة في هذا اليوم المبارك.
وروي عن رسول الله انه قال: «الليلة الغراء ليلة الجمعة، واليوم الأزهر يوم الجمعة، فيهما لله طلقاء وعتقاء وهو يوم العيد لأمتي، أكثروا الصدقة فيها» [17] .
وعن الثمالي قال: صليت مع علي بن الحسين الفجر بالمدينة في يوم جمعة، فلما فرغ من صلاته وتسبيحه، نهض إلى منزله وأنا معه، فدعا مولاة له تسمى سكينة، فقال لها: لا يعبر على بابي سائل إلا أطعمتموه، فان اليوم يوم الجمعة[18] .
وعن الإمام الباقر «إن الأعمال تضاعف يوم الجمعة فأكثروا فيه من الصلاة والصدقة» [19] .
وعن الإمام جعفر الصادق قال: كان أبي اقل أهل بيته مالاً، وأعظمهم مؤونة، قال: وكان يتصدق كل يوم جمعة بدينار. وكان يقول: الصدقة يوم الجمعة تضاعف لفضل يوم الجمعة على غيره من الأيام[20] .
وعن الإمام جعفر الصادق قال: الصدقة ليلة الجمعة ويومها بألف[21] .
وعن هشام بن الحكم عن أبي عبدالله- الصادق- ، في الرجل يريد أن يعمل شيئا من الخير مثل الصدقة والصوم ونحو هذا؟ قال: يستحب أن يكون ذلك يوم الجمعة، فإن العمل يوم الجمعة يضاعف[22] .
لا تنحصر برامج التواصل الاجتماعي يوم الجمعة فيما بين الأحياء، بل ورد في بعض النصوص استحباب زيارة قبور الأموات في يوم الجمعة، وذلك من اجل أن يتذكر الإنسان مصيره النهائي، ويأخذ مستقبله الأخروي بعين الاعتبار، إضافة إلى ما فيه من التواصل مع السابقين من أبناء المجتمع، حتى لا ينسى الإنسان أسلافه من الأرحام والأقرباء والأصدقاء والزملاء، فيدعوا لهم بالرحمة والمغفرة والرضوان.
روي عن رسول الله أنه قال: «من زار قبر والديه أو أحدهما في كل يوم جمعة فقرأ عنده يس غفر الله له بعدد كل حرف منها» [23] .
وجاء عن عبدالله بن سليمان، عن الإمام الباقر، قال: سألته عن زيارة القبور؟ قال : إذا كان يوم الجمعة فزرهم[24] .
وورد عن الإمام الصادق أنه قال: «من دعا لعشرة من إخوانه الموتى ليلة الجمعة اوجب الله له الجنة»[25] .
والحمد لله رب العالمين