سلطة المال المدمرة
بضرس قاطع يرفض بعض الرجال التصرف في رواتب زوجاتهم، ويتأبون حتى مساهمتهن في أي شأن مادي من شئون الأسرة، ولا يقبلون بإنفاقهن على الأولاد، مهما كان الراتب عاليا وفائضا عندهن، ومهما بلغ الضعف المادي بالزوج.
التبرير الذي يبديه الرجال بكل فخر واعتزاز في المجالس والمحافل العامة، هو أن الزوجة تذل الزوج إذا شعرت بحاجته أو قبوله بما تقوم به من صرف وإنفاق على أمر الأسرة.
هؤلاء الأزواج لا يعدمون القصص المؤلمة لأسر انحلت وانتهت بسبب التعامل المذل الذي تعاملت به الزوجات مع أزواجهن، لأنهن كن رقما ماديا قويا في المساهمة والصرف في حياة العائلة.
طويلة هي ولا تزال مسيرة الذل التي تعيشها المرأة بسبب إنفاق الزوج عليها حين لا يفقه الرجل أن الإنفاق واجب شرعي وعرفي عليه تجاه أسرته وعائلته، فكم غصن ذبل ووردة جفت، ونظارة أخفتها سنين قهر مرت دون أن يرافقها طعم الحياة الهانئة، والسبب أن الحاجة للمأوى والملبس والطعام لا طريق للمرأة لها إلا صبرها على ذل الزوج.
اليوم وقد تغيرت الحياة في بعض مساحاتها وأوجهها وأصبحت الزوجة ذات وضعية مادية مستقلة، أصبحنا أمام مشهد جديد استبدل فيه وجه التسلط الذكوري لنكون أمام سلطة أنثوية متمترسة بالمال والراتب.
هذا المشهد وإن كان محدودا في قليل من النساء العاملات، وضيقا بعدد متواضع من الزوجات المترسملات إلا أنه موجود، والحذر من امتداده كلما تحولت المرأة إلى قوة مالية تنافس في الأسهم والتجارة والعمل أكثر من التطلع لأي أمر آخر.
لا شك في أن عدم الفهم الديني والإنساني لمعنى الحياة الزوجية والأسرية يدفع لتصرفات ومواقف تستوحي دوافعها بعيدا عن كل القيم، لتصبح ماديات الحياة ووسائل القوة فيها هي لغة التخاطب، وهي مقوم العلاقة بين كل طرفين وإن كانا زوجين.
الطلاق حديثه وحدثه أمر مرعب للمرأة، ومرعب للرجل السوي كذلك، لكن تغير نمط الحياة كما أسلفت، دفع ببعض الزوجات إلى حالة من الاستخفاف بأمر الطلاق، خصوصا إذا لم تنجب أولادا، أو لم تدرك معنى الأمومة في صورتها السليمة والراقية بالنسبة لأولادها.
في مثل هاتين الصورتين ترى الزوجة تندفع للمطالبة بالطلاق من زوجها لأي خلاف أو تشنج حصل بينهما، وتعبر بوضوح أنها غير محتاجة له، وأنها تستطيع أن تنفق على نفسها من تعبها وعملها، وتطنب في الحديث عن استغنائها عنه وعن أمواله ونفقته.
ويظهر مثل هذا الاستخفاف بشأن الطلاق عند بعض الموظفات حين يواجهن مشكلة ما فتقول إحداهن: لو كنت مطلقة لكان حالي أفضل، فأنا لا أستفيد ولا أعتمد على زوجي في أي شأن من شؤوني الحياتية.
قبل أشهر وصلتني في (مركز الأسرة للتدريب بالقطيف) حالة خلاف زوجي بين زوجين شابين عاقلين منسجمين إلى حد كبير، لكن موقف الزوجة أحدث ردة فعل عنيفة عند الزوج.
لقد كان التنسيق بينهما في السفر سنويا على أحسن وجه، فالزوجة تتكفل بالتذاكر وباقي المصاريف يتحملها الزوج، لكنهما في العام المنصرم اختلفا حول جهة السفر، فرأت الزوجة مكانا، وارتضى الزوج والأولاد مكانا آخر، تكلفة التذاكر إليه أقل على الزوجة،المفاجأة كانت اشتراط الزوجة أن تدفع التذاكر إذا كان السفر للجهة التي اختارتها وإلا فلن تساهم في شيء.
هذه الحادثة تقرب لنا معنى المساهمة المشروطة، فبعيدا عن صحة موقف الزوجة وسلامته أو عدم صحته، فإن التعامل المشروط إذا كان على غير العادة، أو شعر الطرف الآخر ذلا وهوانا بسببه، فسينعكس مواقف وسلوكيات لا تساعد غالبا في استقرار العائلة.
يكره الرجل أن تتحدث زوجته عن مساعدتها المادية له أمام الآخرين، ولو كان حديثها لأقرب المقربين، بل قد لا يحبذ أن يسمع أولاده بذلك، ومع أن الأمر يختلف من رجل لآخر، لكن الأغلب يشعرون (ضمن عادات وقيم المجتمع المسيطرة) بالانتقاص جراء هذا النوع من الحديث.
وأعظم من ذلك إيغارا في قلب الرجل أن تذكر وتكرر زوجته عطاياها المادية له حال حصول أي خلاف بينهما، وكأنها تنبهه لمننها وأفضالها عليه.
قد لا تشعر المرأة كيف تضيق الدنيا بالزوج السوي حين يرى نفسه في هذا الموقف؟ وقد لا تأخذ في حساباتها ردة الفعل المحتملة؟ لكن الأمر سيىء بالنسبة للرجل.
ربما تقوم الزوجة بذلك وهي لا تشعر، وأحيانا تفعل ذلك وهي قاصدة، فمهما كان الوضع المالي والوظيفة والمكانة التي تحتلها الزوجة، فإن رب البيت لن يتنازل عن رجولته وكونه صاحب القسط الأوفر من القرار في العائلة.
لن يسمح مثلا لأموال زوجته بأن تحل بديلا عنه، لن يرضى بأن يمنع أولاده عن شراء شيء لسبب وجيه عند العقلاء، فتفتح الزوجة عليهم أرصدتها البنكية دون تنسيق معه، وكأنها تريد استفزازه والاستهتار بقراراته.
المال سلطة وقوة أيتها الزوجة وحسن تصرفك في كل شيء هو الذي يحوله إلى قوة وسلطة تخدم الأسرة وتسعدها.