الخطابة الدينية والرؤية الواضحة
تحدث سماحة الشيخ اليوم الجمعة الموافق 22 ذو الحجة 1424هـ (13 فبراير 2004م) في خطابه الأسبوعي حول الخطاب الديني المطلوب في هذا العام، حيث نقترب من موسمٍ دينيٍ ثقافيٍ اجتماعيٍ كبيرٍ، وجميع أفراد المجتمع الشيعي يعرف أهمية هذا الموسم، ودوره البارز في التعبئة والتوعية والتوجيه، ذلك الموسم هو موسم المحرم. وفي هذا الموسم العظيم ينشد أبناء المجتمع الشيعي إلى سيرة أئمة أهل البيت ويجددون معهم عهد الولاء والمودة والاقتداء بسيرتهم .وأضاف سماحته إن العالم أجمع أصبح يدرك موقعية هذه المناسبة عند المجتمع الشيعي باعتبارها من أبرز وأضخم المناسبات الدينية عند البشرية جمعاء، فلا توجد مناسبة كهذه المناسبة من حيث سعة المشاركة فيها، وانشداد الناس لها، واهتمامهم الذاتي بإحيائها.
ودعا سماحة الشيخ إلى ضرورة تحمل كل فرد من أفراد المجتمع دوراً يُمارسه في هذه المناسبة، فلا مجال للتفرج، إذ أن إحياء هذه من مصاديق التقرب إلى الله تعالى بما فيها من إظهار المودة لقربى رسول الله ، وبما فيها من إرشاد ٍوأمرٍ بالمعروف ونهيٍ عن المنكر.
وأكد سماحة الشيخ أن الخطاب الديني يمثل أهم شيءٍ في هذه المناسبة، حيث اعتاد المجتمع على الاستماع إلى الخطباء والوعاظ خلال هذا الموسم المهم. ولكن كيف ينبغي أن يكون الخطاب الديني؟ يجيب سماحة الشيخ على ذلك من خلال تدبره في قوله تعالى: ﴿قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين﴾.
فيقول سماحته إن الخطيب قبل كل شيء يقوم بعملٍ دينيٍ عبادي، وينبغي أن يتحلى بالإخلاص لله تعالى، وألا يستهدف أجراً أو مصلحة. وهذا لا يعني أن الخطيب لا يستحق أجراً، وإنما لا يكون الأجر هو الغاية من وراء خطابته.
وطالب سماحة الشيخ المجتمع بالتفكير الجاد في موضوع مأسسة الخطابة الدينية، بأن يكون هناك مؤسسات ترعى شؤون الخطباء وتوفر لهم احتياجاتهم المادية حتى يتمكنوا من أداء رسالتهم التبليغية على أكمل وجه.
وأشاد سماحته ببعض المجتمعات التي تهتم بعلمائها وتكرمهم، كما أن هناك مجتمعات تخصص جوائز كبيرة للدعاة إلى الله، ومن بين تلك الجوائز جائزة الملك فيصل العالمية، وأحد فروع هذه الجائزة خدمة الإسلام.
وانتقد سماحة الشيخ الحالة السلبية التي يعيشها المجتمع من تجاهل لتكريم الخطباء، إذ أن الخطباء حينما يعتزلون الخطابة بسبب تقدم العمر لا يجدون من يرعى شؤون حياتهم، وكأنهم لا يستحقون التكريم والمكافأة تجاه ما قدموه طيلة السنوات التي قضوها في الخطابة والتوجيه.
من ناحية أخرى قال سماحة الشيخ إن لدى المجتمع أوقافاً كثيرةً تدر الأموال الطائلة باسم الإمام الحسين وأهل البيت ، وإن من أهم مصارف هذه الأموال توفير الاحتياجات المادية للخطباء، وإن المراجع العظام لن يعترضوا على شيءٍ من هذا القبيل في حال استفتائهم.
وأشار سماحة الشيخ إلى ما يُمارسه بعض الخطباء من قراءة مجالس كثيرة خلال عشرة المحرم، وقال إن البعض منهم لا يجد طريقاً لسد احياجاته المعيشية سوى هذا الطريق.
وتوقف سماحة الشيخ عند فقرةٍ مهمةٍ في الآية الكريمة، وهي قوله تعالى: على بصيرة.
وقال إن ذلك يعني أن الخطيب حينما يصعد المنبر ينبغي أن تكون الرؤية واضحة أمامه، ما الرسالة التي يريد توجيهها إلى المجتمع؟. بعكس ما يقوم به بعض الخطباء إذ يرتقون المنبر الحسيني دون أن يكون هناك تخطيطٌ مسبق لما سيلقونه على المستمعين، وكأن المطلوب ملئ وقت القراءة بما يخطر في أذهانهم سواءً لاءم ذلك المجتمع والعصر الذي يُحاضرون فيه أم لا.
وأكد سماحة الشيخ أن المائز والفارق الرئيس بين الخطيب الهادف والخطيب المحترف هو وضوح الرؤية والرسالة لدى الخطيب.
وأشار سماحة الشيخ إلى روايةٍ عن الإمام الصادق تُصنّف الشيعة إلى ثلاثة أصناف، إذ يقول صادق أهل البيت : «شيعتنا ثلاثة أصناف: محبٌ واد وهو منا وإلينا، ومتزينٌ بنا ونحن زينة لمن تزين بنا، ومستأكلٌ بنا الناس، ومن استأكل بنا افتقر.»
وفي إجابته على سؤالٍ يطرح نفسه،وهو: كيف تتأتى البصيرة للخطيب؟ قال سماحة الشيخ: إن البصيرة تتأتى من خلال أمرين:
أولاً- وضوح المفاهيم الدينية لدى الخطيب.
ثانياً- وضوح الواقع والعصر الذي يتحدث فيه.
وأكد سماحة الشيخ أن المسألة ليست كلاماً معلباً يأتي الخطيب ويقرأه على الناس، وإنما يتوجب على الخطيب أن يُجهد نفسه في التحضير وقراءة الواقع ومراعاة العصر حتى يتمكن من بث رسالة موجهة إلى المجتمع الذي يخاطبه.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمدٍ وآله الطاهرين.