في التحديات تحتاج الدول لشعوبها
في التحديات الكبرى خارجية كانت أم داخلية، وأمنية كانت أم تنموية، لا تستطيع الدول مهما كانت قوتها وثقتها بذاتها وقدراتها أن تنجح وتفوز بأقل الخسائر والجهود، ما لم تقف شعوبها إلى جانبها بما أوتيت من قدرات وإمكانات وصبر وتحمل لا حدود لها.
وفي التحديات الخارجية كما الداخلية لا يوجد شعب إلى جانب دولته إذا كان ممزقا بعرقيته وعنصريته وطائفيته واختلافاته الداخلية، لأن حماية مجاميعه لكياناتهم، تنسيهم انتماءهم الكبير (الدولة).
منذ فترة والدولة في سبق دائم لقوى التكفير والتطرف، تكشف أوكار الإرهاب، وتلاحق المطلوبين، وتراقب الوضع بعيون ساهرة، وهي بذلك تؤدي جزءا مهما من مسئوليتها والأمانة التي في عنقها.
من ناحية أخرى هناك جهد مبارك في الحوارات التي تعقدها المملكة في الداخل والخارج، لأنها على أقل التقادير تليّن العقول المتحجرة، وتزعزع حالة الأحادية والرفض السائدة، وتساهم إن لم يكن اليوم فغدا في قبول الآخر والانفتاح عليه.
القوة والقدرة الكامنة التي لم تندفع بعد برصيدها الحقيقي وإمكاناتها الجبارة كما أتصور هي هذا المجتمع بما يختزنه من الجهد الأهلي، إذ بإمكانه لو تحرك قلب المعادلة في مواجهة التطرف والإرهاب، فالخطوات التي تبادر بها الدولة لا يحاكيها فعل أهلي بذات المستوى.
ليس هذا استنقاصا للكتابات الجريئة التي يكتبها المفكرون والمثقفون في المملكة، ولا للمقابلات والندوات التي تبث في الفضائيات مع رجال الفكر والمعرفة، لكنه افتقاد لشريحة كبرى من الوجهاء والتجار والفعاليات الاجتماعية، ومنها غياب شبه تام لرأي المرأة في موضوع الإرهاب.
فعلى صعيد الحوار الداخلي، يكاد المجتمع يسلّم أن التلاقي بين أطياف المجتمع جهد ومسئولية تقع على عاتق الدولة وليس بابا من أبواب الخير والسلامة للمجتمع كي يتسابق نحوه، لذلك تخلو الساحة من المبادرات الأهلية التي تجمع ورود البلد المتعددة، لتعطر الأرجاء بأريجها بعيدا عن رائحة الكراهية والبغض التي تدمي القلوب، وتجرح النفوس والمشاعر.
وفي إطار التعليم ساهم رأس المال الأهلي في إيجاد نمط جميل من المدارس الأهلية، التي تمكنت من استقطاب جيل رآها طريقا مشجعا للعلم والمعرفة، وفي إطار الصحة كانت المستشفيات والمشاريع الصحية الخاصة إلى جانب مستشفيات الدولة ومراكز الرعاية التابعة لها، وهناك مبان أهلية صحية تخصصية أقيمت إلى جنب المستشفيات الحكومية العامة وعلى أراضيها.
وبما أن التكفير والتطرف جهل وحماقة ومرض، فالأبصار شاخصة في انتظار تطبيع الواقع البديل الذي يتسم بالانفتاح والتلاقي والحب والشراكة مع الآخرين، ولكن بأيد وجهد أهلي صرف، على أن يحاكي بل يطور الأهداف التي يسعى لها الجهد الرسمي.
لقد كتب الكثيرون وتحدثوا بعيد كل لقاء كان يعقد للحوار في المملكة، عن ضرورة عقد لقاءات ومؤتمرات أهلية في مختلف مناطق المملكة بين مكونات المجتمع المتعددة، لتدوير فكر الانفتاح، وتوسيع الشرائح الفكرية والثقافية والإعلامية التي تتناول مفرداته، وتطبيعه وتحويله إلى هم اجتماعي عام وليس حالة رسمية فقط.
لا أتصور أن هناك قصورا في الأيدي البيضاء التي تدعم مثل هذه اللقاءات من تجار المجتمع وأثريائه، ولا أتصور عزوفا لوجهاء المجتمع ورجال المعرفة فيه عن مثل هذا التنوير الضروري لمواجهة الوجوه المكفهرة والآراء المظلمة.
إنني أتصور أن النقص هو في المبادرات الأهلية التي تحيل من هذا المسعى رافدا حقيقيا لتحقيق تطلعات الشريحة الكبرى من أبناء المجتمع في التعايش والانسجام بين مكوناته.
إن الخطوات الجبارة التي تنجزها وزارة الداخلية، تحتاج إلى جانبها أموالا أهلية توظف للكتاب المنفتح والمتعدد والمتسامح والمتعايش الذي يوزع مجانا، وتحتاج إلى دعم للخطاب المعتدل لا يقل مستوى عن الدعم الذي حظي به خطاب التوتر والتشنج.
هنا أيضا أذكر بأهمية المنتديات الدورية المتواضعة التي تعقد في مختلف مناطق المملكة وبأعداد كبيرة في كل واحدة منها، فمن المهم أن تكون المشاركات فيها متنوعة ومتلونة، لأنها تساعد في الفهم والتفاهم المتبادل بين أبناء المجتمع، فجهلنا ببعضنا هو الذي يجعل التطرف والتشدد في سعة من التقول والكذب والزور على هذا أو ذاك، سعيا وراء حقن النفوس، وتسميم أفكار الناس، وتهيئة أجيال الشباب للتكفير والعنف، كي يتسنى له تفريخ المزيد من الإرهاب والدمار.