صحيفة اليوم - عمر الحامد: قراءة هادئة في مفهوم التعايش
صحيفة اليوم عمر حامد الحامد
نشرت صحيفة اليوم قراءة للأستاذ عمر حامد الحامد فيما قرأه من كتب ومقالاتٍ لسماحة الشيخ حسن موسى الصفار، وقد ركّز قراءته حول مفهوم التعايش، وفيما يلي نص ما نشرته الصحيفة:
عزيزي رئيس التحرير
قرأت ما كتبه الشيخ حسن بن موسى الصفار في هذه الجريدة يوم الاربعاء 12/1/1425هـ بعنوان (كيف نقرأ الآخر)؟ والذي كان امتدادا لمقاله السابق (نحو قراءة موضوعية للآخر) في 5/1/1425هـ وكلا الموضوعين يعتبر امتدادا لأطروحات الشيخ الصفار في الساحة الثقافية حول هذا المفهوم مثل: (التنوع والتعايش) و(التعددية والحرية في الاسلام) و(الحوار والانفتاح على الآخر؟).
لقد طرح الشيخ الصفار الموضوع طرحا جليا جريئا، فآمل ان يحمل صداه نفس سماته مع حفاظه على طابع الموضوعية والتفاؤل.. فدعونا نقرأ بهدوء مفهوم (التعايش)!!
لماذا (التعايش)؟
كانت أمتنا تعيش ضمن كيان واحد (دولة الخلافة الاسلامية)، وفي عام 1342هـ غابت الخلافة الاسلامية ممثلة في الامبراطورية العثمانية ـ وأقول غابت لأني مؤمن بعودتها ـ وبعد غيابها اصبحنا نعيش ضمن عدة كيانات متنوعة حسب اتجاهاتها الفكرية والسياسية والعقائدية، فساهم ذلك في ظهور بعض نقاط الخلاف للعلن، وقد اذكاها الاستعمار ـ الذي لم يخرج حتى ترك خلفه الغاما على كل الجبهات ـ فكان لابد من طرح مفهوم (التعايش) لمواجهة التحديات واعادة الامجاد.
أبعاد (التعايش)!
حتى ندعو (للتعايش) لابد ان ننظر الى (أبعاد ثلاثة) وهي:
البعد السياسي: لنتعرف على الاسباب السياسية التي تدعو للنزاع، والبعد الثقافي: لنتعرف على المعتقدات المتضادة. واخيرا البعد الاجتماعي: لنتعرف على الافكار التعبوية تجاه الآخر من اجل (رؤية الحاضر ومستقبل الاوطان)، اما اذا استبعدنا (الابعاد الثلاثة) فستكون نتائج (التعايش) مزيدا من التناحر والفرقة، كما حدثتنا بعض التجارب الوحدوية التي من هذا النوع سواء بالاختيار: كالوحدة المصرية السورية.. او بالاجبار: كالوحدة العراقية الكويتية.. حتى اصبح مصطلح (التعايش) ملهاة يرددها القاتل على ورثة المقتول، كما فعل صموئيل هنتنغتون صاحب (صدام الحضارات) ومن قبله فوكوياما صاحب (نهاية التاريخ) ولقد تعددت اطروحاتهم العدائية الاستفزازية مثل: (التفوق الغربي) و(البحث عن عدو جديد) ومؤخرا (مبادرة الشرق الاوسط الكبير) ثم يدعوننا بعد ذلك: للتعايش!! ويقولون: لماذا تكرهوننا؟!
يقول الشيخ حسن الصفار في كتابه (التعددية والحرية في الاسلام) والذي قدم له د. فتحي عثمان: (والمطلوب هو قبول حالة التعددية واغناؤها بالحوار الايجابي والتمسك بالاصول الرئيسية المتفق عليها بين المسلمين لمواجهة التحديات التي تواجههم) فقد حدد مطلبين. الاول: قبول حالة التعددية، كما قررته توصيات الحوار الوطني الاول والثاني حين اقرت بوضوح وجود التعددية والتنوع في الفكر الاسلامي، والثاني: التمسك بالاصول الرئيسية المتفق عليها بين المسلمين كما فسرها في (جريدة الشرق الاوسط 2/1/1425هـ) حين قال: (فالمرجعية الثابتة الكتاب والسنة). فاذا عمل بهذين المطلبين ووضعت (الابعاد الثلاثة) بعين الاعتبار يكون (التعايش) الحقيقي، وهذا ليس ببعيد فقد حدث ذلك في عام 442هـ وعام 488هـ حين اصطلح أهل الكرخ واصبحوا شركاء في الوطن وتزاوروا وتواصلوا (انظر البداية والنهاية الجزء 12 صفحة 66) وصدق الامام علي كرم الله وجهه حين قال: من اصطلح الاضداد بلغ المراد.
كيف نتعايش؟!
ذكر الكاتب عدة عناصر في ذلك منها:
1ـ (القراءة المباشرة للاخر): اي معرفة الاخر من مصادره سواء من كتبه او من خلال الملتقيات كملتقى دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب المقام حاليا في الرياض.
2ـ (الموضوعية): وتشمل رعاية الموضوع والصدق وحسن الظن والانصاف والذي يصفه الامام علي رضى الله عنه بانه يرفع الخلاف ويوجب الائتلاف.. ومن العناصر المهمة التي تسهل عملية (التعايش) في نظري.
3ـ التعاون في المتفق عليه والتناصح والتحاور في المختلف فيه.
4ـ استغلال المواسم الدينية لتقليص المسائل الخلافية: وذلك يكون بعدم اثارة العواطف التعبوية تجاه الآخر وانما بأخذ العبرة الى جانب العَبرة (بكسر العين الأولى وفتح الثانية).
ولضمان استمرارية (التعايش) ينبغي علينا ان نعرف حقوق وحدود العلاقة بين الحكام والمحكومين وبين العلماء والعامة: لتحقيق (التعايش) الموزون والمنضبط.
التعايش والمؤسسات الأهلية!
ذكر الكاتب ان من العوامل المساعدة للقراءة الصحيحة للاخر (والتي عبرنا عنها بالتعايش) هي حاجة الامصار الى المؤسسات الاهلية حيث قال: (تحتاج بلادنا الى مؤسسات اهلية تقوم بدور التعارف والتعريف بين التوجهات والمدارس)، وفي مقاله (مؤسسة اهلية للسلم الاجتماعي 6/12/1424هـ) ارجع اسباب وجود تلك المؤسسات (لتحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي) وقال: ان وجودها (يشكل استجابة لمبدأ الامر بالمعروف والنهي عن المنكر)!! وعندما سأله احد المواقع عن كيفية ملء اوقات فراغ الشباب المسلم لتجعل منه عنصرا فاعلا في مجتمعه؟ قال: (الاطار الأول هو في اتاحة الفرصة لهؤلاء الشباب حتى يشتركوا في الواقع السياسي لهذه الامة) وعلل قائلا: (حتى يعبروا عن آرائهم ويشاركوا فيما يرتبط بالشأن السياسي وهذا يتم عن طريق فتح المجال لوجود مدارس واحزاب وحركات سياسية..)، وفي مقاله (العلاقة بين الدولة الاسلامية 23/11/1424هـ) بعد ان اشار الى عجز التجمعات المؤسسية الرسمية مثل جامعة الدول العربية وعدم تحقيقها انجازا وحدويا يضاهي ما حققته الدول الاوروبية اقترح قائلا: (انه لابد من تفعيل هذه المؤسسات القائمة، وانشاء مؤسسات رديفة وايجاد رأي عام ضاغط باتجاه الاستقرار..). ولقد قرأت الكثير من مقالات الكاتب التي تصب في هذا الجانب، ولم اقف على تعليل قوي يمكن الاستناد عليه للاقدام على مثل الخطوة المجهولة العواقب، ولعله قد ذكر سببا وجيها لم تقع عيني عليه..
في الوقت الذي استشرف عدم نجاح مثل هذا المشروع استنادا (للابعاد الثلاثة):
السياسية والثقافية والاجتماعية وللاسباب التالية:
1ـ وجود تلك المؤسسات الاهلية او التنظيمات ـ ان صحت التسمية ـ يمهد لأخذ دور تنافسي للقيادة السياسية، فقد يلغي ادوارا للمؤسسات الرسمية كالقضاء والمحاكم وديوان المظالم وهيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.
2ـ وجود تلك التنظيمات الاهلية قد يوجد حالة من العنف. فمجرد الاختلاف في وجهات النظر بين القيادات السياسية والقيادات المؤسسية الرديفة غاليا ما تلجأ الاخيرة للعنف، كما حدث في الجزائر ومصر ولبنان والسودان واخيرا في العراق، ولن نستغرب ابدا ان وقف خلف الاعتداءات الآثمة على المملكة احد التنظيمات السرية. ولنتخيل لو كان وجودها علنيا!! وبصفة رسمية!!
3ـ من اسباب فشل التنظيمات الاهلية كونها اهلية، وانظر ان شئت الى دار التقريب المصرية التي استندت على قاعدة هشة خيوط نسيجها غير محاكة، حتى تآكلت واغلقت ابوابها عام 1979م ولقد الف د. عبدالمنعم النمر (وزير الاوقاف المصري السابق) كتابا حول ذلك.
4ـ ان التنظيمات الاهلية تزيد شتات الامة وتفرقها. فلنتأمل البلاد التي انتشر فيها القوميون والبعثيون والشيوعيون والناصريون لنرى بوضوح ترهل سياستها المنهكة التي نسفت كل تطلع خارج اسوارها.
5ـ اسناد الامر الى غير اهله. فمن اسباب فشل التنظيمات الاهلية اقحام بعض من لايفقه في السياسة في الشؤون السياسية، واذا اوكل الامر الى غير اهله فانتظر الساعة. فتخيل معي لو ان فقيها طرح مشروعا سياسيا واخر طرح مشروعا آخر، ولهذا مدرسة فكرية تتعارض مع مدرسة الاخر، واتباع هذا يترصدون لاتباع ذاك.. قد يظن القارئ انني اتهكم او ابالغ.. لكن هذا حاصل بالفعل في بعض الدول المجاورة، وقد يعذرون لخلو ساحتهم السياسية! لكن لو انشغل كل فقيه بحل مشاكل المجتمع الاجتماعية والتربوية لكان انفع للجميع، ولا يظن ظان اني ادعو لفصل الدين عن السياسة لكنني لا اؤيد اطلاقا ان يزج الفقهاء في هذا الزمان بين اروقة السياسة الصرفة لئلا يحل بنا ما حل بغيرنا.. فلكل فنه الذي يختص به هذا بالنسبة للعلماء!! اما الشباب الناشئ.. فلا استطيع ان اتصور كبقية استغلال وقته في معترك الاعاصير السياسية!!
6ـ ان التنظيمات الاهلية لا تناسب خصوصية بلادنا. فلاشك ان لكل بلاد خصوصيتها وهويتها التي تتميز بها، فلابد ان يكون للمشروع المناسب موقعه المناسب، واعتقد ان مجتمعنا يرى انه في غنى عن تلك التنظيمات الشكلية.. والاسباب كثيرة وقد اوردت ما تيسر منها.
(التعايش) والاستعمار المكشوف!
كشفت (البيان الاماراتية 3 نوفمبر 2003م) تقريرا اوليا صادرا من الادارة الامريكية يخص مبادرة الشرق الاوسط حيث كشف التقرير وجود معضلة تواجه الادارة الامريكية وهي في كيفية ان تقود الحملة على الارهاب وفي نفس الوقت تكسب تعاطف وتأييد الشعوب العربية؟! وكان الحل الذي يحتاج الى تأمل في الآتي: اولا: دعم الاحزاب الرسمية والمؤسسات الاهلية لتشكل جبهات ضغط في الحكومة والبرلمان لتعمل وفقا للمصالح الامريكية. ثانيا: التعامل مع صفوف وقيادات رأي واشخاص مؤثرين لهم اتصال مباشر مع الجماهير لزرع التعاطف والتأييد الكافي. ثالثا: اعطاء الاقليات دولة مستقلة او حكما ذاتيا في سبيل دعم الاستراتيجية الامريكية كأن يقام كيان قبطي موال في مصر.
وحتى نحقق (التعايش) يجب علينا الا نتعاون ابدا مع هؤلاء المستعمرين الجدد بدءا من التصريحات الصحفية مادمنا مقتنعين بجدوى (التعايش)، لأن هؤلاء يهدفون من وراء مبادرتهم الامبريالية المكشوفة الحفاظ على امن الكيان الصهيوني وعلى مصالحهم في المنطقة فقط! ولاشك في ان التلميح بالاغراءات او الضغوطات الامريكية يعد خطأ استراتيجيا: ولنتعظ قليلا من التجربة العراقية ـ دون مكابرة ـ حين اعطوا مجموعة من مكبرات الصوت.. وسلبوا في سبيلها الامن والامان والمقدرات والكرامات والقيادة والسيادة و.. ولم يروا الديمقراطية!!
وختاما
لا ادعي اني حصرت مفهوم (التعايش) انما حاولت ان اشارك في ايضاح بعض المعالم حوله.. والتي ستوصلنا الى مرادنا باذن الله اذا وجدت الثقة والجدية واما ان فقدتا فسيكون حديثنا حبرا على ورق، فاننا لا يمكن ان نتطلع الى الآفاق المستقبلية اذا لم نلم بأوضاعنا الحاضرة.. ولن نلمها الا (بالتعايش الحقيقي)، ولا سبيل اليه اذا لم نضع مفهوم (التعايش) في اطاره الصحيح والواقعي. ان تنوع الطرح مطلب اساسي لدفع السآمة، وهذا ليس مطلبا صعبا على مثل الكاتب: الشيخ حسن الصفار الذي له اكثر من 60 مؤلفا بين الأدبية مثل ديوان (ينابيع الولاء) والنفسية ككتابه (معرفة النفس) والفكرية (كيف نقهر الخوف؟) الذي ترجم لاكثر من لغة.. والعديد من المؤلفات الاجتماعية والتعليمية والفكرية والتربوية التي تتخصص بالعلاقات الزوجية والابوية والمراهقين.. فلم لا تطرح بعض تلك الاراء النيرة بدلا من اقتصار الطرح على المؤسسات الاهلية والمشاركة الشعبية. ولعل المقام مناسب لان اوجه شكري الجزيل الى بعض الكتاب المتميزين ذوي الطرح المتنوع الذين اثروا متابعي (اليوم) أمثال: د. علي العبدالقادر ود. خالد الحليبي ونجيب الزامل ونعيمة الغنام وغيرهم، كما اشكر جريدتنا (اليوم) الواعية التي سمحت للرأي والرأي الآخر.. والذي زادها تألقا يوما بعد يوم.
