في القطيف «1»
حين ذهبت وبعض الأخوات لزيارة القطيف خلال الأسبوع الثاني من شهر محرم، تلبية لدعوة كريمة تلقيناها من مجموعة من نساء القطيف الناشطات اجتماعيا، شغلت بعض المنتديات الالكترونية نفسها والناس بالهجوم على أفراد تلك المجموعة لقيامهن بتلك الزيارة، التي رؤي فيها سلوكا منافيا للصواب، خاصة أنها جاءت خلال العشرة الأولى من شهر محرم.
وهذه الحملة التي أطلقت في بعض المواقع الالكترونية ضد تلك المجموعة الصغيرة عقابا لها على زيارتها القطيف، تعطي تصورا واضحا لما هو كامن في عقول بعض الناس من تعصب يرى الرشد في ضرب القطيعة بين أبناء البلد الواحد، ويجعل الضلال في أن تكون هناك محاولات لنزع الحواجز الفاصلة بين فئات المجتمع المختلفة، أو إيجاد حبل من التواصل يربط جميع الأطراف بعضها ببعض، ويعزز لديها التعايش بمحبة حتى وإن ظهرت بعض الاختلافات الفكرية والإيديولوجية فيما بينها.
إن معظم الدراسات الاجتماعية والسياسية تتفق على أن أواصر الوحدة الوطنية تقوى وتدعم عندما تكون روح المحبة هي السائدة بين أفراد المجتمع وعندما تشعر فئاته المختلفة بالمساواة فيما بينها في الحقوق الوطنية والإنسانية، لكن أولئك المتعصبين يريدون أن يكون الآخرون كلهم مثلهم، وأن يسيروا وفق رأيهم وإلا فإنهم يستحقون أن يناصبوا العداء فينفوا ويعزلوا. وهذا الفكر المتعصب، إن لم تكثف الجهود لتصحيحه وتطهيره من هذه الرؤية الضيقة غير العادلة التي تعشش في داخله، فإنه قد ينحو ليكون معول هدم خطير للوحدة الوطنية والأمن الداخلي، وهذا ما يجعلني أوجه الخطاب إلى الجهات المسؤولة عن تشكيل الرأي العام مثل وسائل الإعلام ومؤسسات التعليم والدعاة والمصلحين، ممن تقع عليهم مسؤولية الإرشاد والتوجيه وبث الوعي، أن يعملوا على تنقية الموروثات الفكرية من الشوائب الضارة، وأن يجتهدوا في غرس الإيمان في قلوب الناس بأمرين هامين: أحدهما أن إصلاح العقائد لا يمكن أن ينجح عن طريق الفرض بالقوانين والأنظمة، أو بالمقاطعة والاعتزال، وإنما هو ينجح عن طريق التعليم والتثقيف وتبيين الحدود بين الصواب والضلال. والأمر الآخر، هو أن مصلحة الأمة والوطن تقتضي دعم التلاحم المتين بين أبناء المجتمع الواحد والاجتهاد في تعزيزه بكل السبل، وهذا أمر لا يمكن تحققه ما لم تتقارب القلوب وتصفو النفوس، وإن الاستمرار في تجييش طائفة ضد أختها عن طريق سرد الإساءات وتكرار النص على الانتقادات، هو مما يعمل في اتجاه معاكس لما هو مطلوب، فيهدم التآلف ويوغر الصدور، لتصاب الوحدة الوطنية بالهشاشة وينخر الضعف في جسد المجتمع.
وللحديث بقية، فإلى الغد.