من المستفيد؟
سنتوقف عن أشياء كثيرة.. إذا أعدنا على أنفسنا هذا السؤال، وسنقلع عن أمور مارسناها ردحا من الزمن، فأصبحت جزءا من أدائنا وحياتنا اليومية.
الكثير من عصبيتنا والعديد من حروبنا وما لا يحصى من مواقفنا لوسألنا أنفسنا من المستفيد من كل ما قمنا به وعملناه؟ ومن صاحب المصلحة في كل الجهد والعناء الذي بذلناه؟ لربما توقفنا وعدنا نتأمل أنفسنا ونراجع حساباتنا.
المؤكد غالبا أن الانفعال يرافق الكثير منا في لحظة ما يشعر فيها بضرورة أن ينفعل، أو بدقة أكثر يقتحم شعور الانفعال تفكيره ويسيطر على تصرفاته، وربما نعذر بعضنا في لحظة الانفعال، لكن لا عذر لنا أن نواصل انفعالنا، ولعل الكابح الرئيس لنا بعد تعاليم ديننا، أن نسأل ونعيد تكرارا ومرارا السؤال السابق على عقولنا، من المستفيد؟
حين نغرق بسلوكيات من شأنها أن تجعلنا شعبا لا جامع بينه، بل كل قوم بما لديهم فرحون، فنقصي ونقزم بعضنا، ونثير الكثير من الأقاويل الكاذبة، والمخاوف الباطلة، ونعكس ذلك تعاملا يوميا في دوائرنا ومؤسساتنا العامة، ونتسبب في جفاء تتفسخ فيه كل الروابط والعرى الدينية والوطنية والإنسانية، فمن المستفيد؟
وحين نعمد ضمن البيت الواحد والتوجه الواحد أحيانا أن نسقط بعضنا، فلا نبق لنا كبيرا، ولا نحترم زعيما، ولا نقدر عالما، ولا نوقر وجيها، ولا نحفظ لبعضنا كرامة، ولا نشكر لساعينا جهدا، ولا نكرم غائبا بذكر حسن، فمن المستفيد؟
إذا ضاعت قضايانا الكبرى، ونسينا مصائبنا العظمى، وتراجعنا عن خير امة أخرجت للناس﴿كنتم خير أمة أخرجت للناس﴾، ورأينا أحلامنا في مهب الريح، وآمالنا يقتلها التذمر والإحباط، وشعاراتنا تبدو كذبا في واقع أعمالنا، ثم تحفزنا ننشغل ببعضنا، وبتوافه الأمور في حياتنا، وجزئيات القضايا التي لا تغنينا ولا تسمن من جوعنا، وبهوامش عليلة مريضة لا تتعدى أرنبة أنوفنا، فمن المستفيد؟
إذا فقدنا التعاون على الخير﴿وتعاونوا على البر والتقوى﴾، والتآزر مع بعضنا من أجل مصالحنا ومصالح أهلنا، والتكاتف الذي يجعلنا قادرين على حمل ما ثقل من قضايانا، والتناصح المهم في تصويب آرائنا وضبط مسارانا، ونشطت حواسنا وهممنا في التضييق على بعضنا والتآمر على أهلنا، والانتقاص من قيمة كل واحد أو جمع أو رأي في أوساطنا، فمن المستفيد؟
لنا آراؤنا الخاصة، وتصوراتنا الذاتية، ورؤيتنا للأمور وتحليلنا لها، ولنا القدرة على الفهم والمعرفة والتمييز، ولنا كم هائل من الكفاءات والطاقات والأتباع والمريدين، ولنا مراجعنا في قراراتنا وتصرفاتنا ومعرفة وظيفتنا، وذلك كله من فضل الله علينا، لكن إذا تحول ذلك كله الى حرب وعداء وخصام للآخرين، فشغلنا أنفسنا وطحنّا طاقاتنا، ووجهنا كفاءاتنا وسهامنا لقلوب بعضنا، فمن المستفيد؟
لقد أكرمنا الله سبحانه وتعالى بالإسلام، وأنزل على حبيبنا محمد (صلى الله عليه وسلم) القرآن، وأتحفنا رسولنا بأقواله وأفعاله ومعايشته بخير سنة، وتعهد الله أن يسعدنا ما كان الدين محور حياتنا﴿وان لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا﴾، فإذا ساء فهمنا وغلب جهلنا، فصنعنا من الدين خنادق حرب بيننا وبين أهل ملتنا، وحولناه وسيلة للتباغض والتباعد والتشرذم بيننا، وفصلناه ضمن مقاس طارد لا يقبل إلا رأينا وطريقتنا، فمن المستفيد؟
وحين تعامينا عن عدونا إسرائيل بدأنا نصنع لنا أعداء وهميين من هنا وهناك، فنسينا ممارساته اليومية الرعينة، لم يسمع منا عدونا الحقيقي كلمة صارمة، ولا موقفا حاسما، ولا استعدادا حقيقيا لمواجهته، ولا ردعا صادقا يوقفه عن تماديه، لأنه مزقنا وفرقنا من قبل.
ونحن بدورنا قبلنا الفرقة والتمزق فأصبح كل واحد منا يخاف صاحبه، وأهل ملته وجاره وشعبه، إلى أن وصلنا إلى ما نحن فيه، فمن المستفيد من كل هذا؟
مع كل ما يجري علينا من هوان موقفنا في أفغانستان، وما يصيب أهلنا من موت ودمار بسبب فرقتنا في باكستان، وما يدفع عدونا لقتل أطفالنا ونسائنا بسبب خلافاتنا- في وحول- غزة في فلسطين، وما تمثله التهديدات الصهيونية لأطراف عالمنا العربي والإسلامي، مع كل ذلك تساكتنا وتخاذلنا وفقدان كرامتنا، فمن المستفيد؟
الخوف أن تخضع إجاباتنا حول شتاتنا الداخلي وموقفنا من عدونا الخارجي لعواطفنا ومصالحنا الذاتية، فنراوح مكاننا.