تقديم كتاب «صلاة الجماعة الطموحات والمعوقات»
الكتاب: صلاة الجماعة الطموحات والمعوقات
المؤلف: الشيخ جعفر الأمرد
بسم اللَّه الرحمن الرحيم
والحمد للَّه رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين
لصلاة الجماعة فضل كبير وشأن عظيم كما يظهر من النصوص الدينية وفتاوى الفقهاء فقد ورد في فضلها وذم تاركها من ضروب التأكيدات ما كاد يلحقها بالواجبات على حد تعبير السيد اليزدي (رحمه الله) في العروة الوثقى، ولها دور هام في تأكيد الانتماء الجمعي للفرد المسلم مقابل النزعة الفردية الأنانية، وتأثير واضح في تعزيز التواصل والتماسك الاجتماعي، حيث يلتقي الناس مع بعضهم، ويتعارفون ويتداولون الآراء والأخبار عن أوضاعهم، ويتعاونون فيما بينهم.
كما تتيح صلاة الجماعة فرصة ومجالاً للتفقه في الدين ومعرفة المسائل والأحكام والتعاليم الشرعية عبر توجيهات إمام الجماعة، وإجابته على أسئلة المستفتين والمراجعين.
وهي تظهر قوة الجانب الديني في المجتمع، فترفع معنويات المتدينين، وتجتذب وتستقطب إليهم سائر العناصر والأفراد.
لكن المؤسف جداً أن يكون الإقبال على صلاة الجماعة ضعيفاً ضئيلاً في مجتمعاتنا، فلو قمنا باستبيان استقرائي لوجدنا أن كثيرين من أبناء المجتمع لم يشاركوا ولا مرة واحدة في صلاة جماعة، وهناك عدد كبير لا تزيد مشاركتهم عن بضع مرات في السنة الواحدة في بعض المناسبات.. أما المواظبون على صلاة الجماعة فهم نسبة قليلة جداً في المجتمع، وأكبر دليل على ذلك وضع صلوات الجماعة حالياً من حيث ضعف الحضور وقلتهم.
وإذا كانت هناك بعض المساجد المحدودة يكون الحضور فيها جيد فذلك بالقياس إلى بقية المساجد، أما إذا أخذنا بعين الاعتبار الكثافة السكانية في البلاد، فسنجد أن ذلك الحضور لا يشكل إلا نسبة قليلة من المجتمع.
إن هناك عوامل وأسباباً وراء هذا الإقبال الضعيف على صلاة الجماعة، لا بد من تدارسها ومعالجتها لنضع حداً لهذه الظاهرة المؤلمة التي تحرم مجتمعنا من فوائد عظيمة ومنافع جليلة.
ومن أبرز تلك الأسباب: ضعف التوجيه والتعبئة باتجاه صلاة الجماعة، فقلما تسمع خطيباً من الخطباء وخاصة في المناسبات الحاشدة، يدعو الناس إلى صلاة الجماعة ويرغبهم فيها، ويبين لهم فضلها وفوائدها.
ولا تنتشر في أوساط الناس كتب أو نشرات تدفع نحو صلاة الجماعة وتشجع عليها.
وحتى الدعوة الفردية لصلاة الجماعة من قبل الأب لأبنائه والأخ لإخوانه والصديق لأصدقائه، تراها منعدمة في المجتمع، فمن يتوفق لحضور صلاة الجماعة لا يجد نفسه معنياً بدعوة الآخرين وتشجيعهم، ويعتبر ذلك شأناً شخصياً لا دخل فيه، وهو تصور خاطئ لأن الدعوة إلى صلاة الجماعة مصداق من مصاديق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعنوان من عناوين الدعوة إلى الخير، وموارد من موارد النصيحة والإرشاد والتواصي بالحق.
ومن الأسباب الهامة: التصورات والآراء المتزمتة حول شرائط إمام الجماعة، حيث بعض الناس يتشددون في هذا الأمر ولا يكادون يصلّون جماعة إلا خلف إمام معصوم، صحيح أنه يشترط في إمام الجماعة العدالة، لكن العدالة لا تعني العصمة، وإنما هي الاجتناب عن الذنوب الكبائر وعدم الإصرار على الصغائر، وإذا كان هذا المستوى لا يتوفر إلا في بضع أشخاص من المجتمع فعلى مجتمعنا العفا والسلام!!
إن إمامة الجماعة لا يشترط فيها مستوى علمي، وإنما يكفي فيها صحة الصلاة، فكل إنسان يؤدي صلاته بشكل صحيح وليس مرتكباً للكبائر ولا مصرا على الصغائر، يصح الائتمام به، وهذا ما يفتي به جميع الفقهاء والمراجع من السابقين والمعاصرين، والأسوأ من ذلك إدخال مسألة صلاة الجماعة في متاهات النزاعات والخلافات المرجعية والفئوية فيما بين الأصوليين والإخباريين والشيخية، ومقلدي هذا المرجع وذاك المرجع، وأتباع هذه الفئة وتلك الفئة، وهو أمر محزن جداً ويجب على العلماء والخطباء أن ينبهوا المجتمع إلى أن هذه العصبيات والحساسيات ليست من الدين في شيء، وأنها نتاج للصراعات والخلافات الشخصية، وأن على المؤمن ألا يحرم نفسه من توفيق وثواب صلاة الجماعة خلف أي مؤمن من أبناء مجتمعه، تكون صلاته صحيحة ويطمئن إلى عدالته، وإن لم يكن من أهل العلم، أو من المتوافقين معه في التقليد.
فكل ما ليس له مستند من الشرع هو نابع من الأهواء الشخصية والفئوية، ومن وساوس الشيطان، وكما يقول السيد اليزدي (رحمه الله): «فمقتضى الإيمان عدم الترك -لصلاة الجماعة- من غير عذر لا سيما مع الاستمرار عليه، فإنه كما ورد لا يمنع الشيطان من شيء من العبادات منعها، ويعرض عليهم الشبهات من جهة العدالة ونحوها حيث لا يمكنهم إنكارها، لأن فضلها من ضروريات الدين» العروة الوثقى/ فصل في الجماعة.
حسن الصفار
20/ 7/ 1421هـ