فتنة التكفير من جديد
حينما يعتنق الإنسان ديناً إنما يعتنقه اعتقاداً منه بأحقية ذلك الدين، وهو يرجو بانتمائه إلى هذا الدين رضا الله سبحانه وتعالى، وبالتالي فالانتماء إلى الدين اندفاع ذاتي من داخل الإنسان، هدفه رضا الله سبحانه وتعالى وليس رضا الآخرين.
وحينما يتشكل مجتمع على أساس ديني، فإن الانتماء إلى ذلك الدين الذي تشكل المجتمع على أساسه، تكون له قيمة معنوية، وتترتب عليه حقوق متبادلة بين أفراد ذلك المجتمع. كما هو الحال في مجتمع المسلمين، فهو مجتمع قائم على أساس الإسلام، ومن ينتمي للإسلام فهو جزء من هذا المجتمع، له ذات القيمة المعنوية الاعتبارية، وله نفس المستوى من الحقوق، كما عليه ذات الدرجة من الواجبات ، وقد نص القرآن الكريم، والسنة الشريفة على الحقوق المعنوية والاجتماعية المتبادلة بين أبناء المجتمع الإسلامي، فـ (المسلم أخ المسلم لا يسلمه ولا يظلمه)، و﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾، إلى سائر النصوص التي تتحدث عن القيمة المعنوية لهذا الانتماء اجتماعياً، والحقوق المترتبة على ذلك.
من هنا فإن التنكر لانتماء أي إنسان لهذا المجتمع الإسلامي، ولهذا الدين؛ إنما يعني التنكر لقيمته المعنوية، والتنكر للحقوق المترتبة على ذلك الانتماء.
ولنضرب على ذلك مثالاً بالانتماء للوطن، فالانتماء للوطن أن يحمل الإنسان جنسية بلد ما، له اعتبار معنوي ومادي، وتترتب عليه حقوق وواجبات، وحينما لا تمنح الجنسية لهذا الإنسان، أو حينما ينكر حقه في امتلاك جنسية هذا البلد، فهذا يعني أنه سيحرم من الامتيازات التي تتوفر لمن يحملون جنسية هذا البلد، وهذا واضح ومعروف، وقد أطلق على بعض من لا يحملون جنسية البلد الذي يعشون فيه لفظ (بدون).
وهكذا في المجتمع القائم على أساس الدين، حيث تترتب على الانتماء لهذا المجتمع حقوق مادية واجتماعية، وضع الإسلام معايير لإقرار هذا الانتماء، فما هي هذه المعايير التي يكون الإنسان على أساسها منتمياً لهذا الدين؟
مما لا شك فيه أن هذه المعايير يضعها مُنْزِل الدين وليس الآخرون، فلا يحق لي أنا أن أضع معايير، فأشترط أن من ينتمي لهذا الدين لا بد وأن يكون ملتزماً بهذه المعايير.
إن معايير الانتماء إلى الدين يضعها من أنزل الدين، وهو الله سبحانه وتعالى، وحينما تتوفر هذه المعايير التي وضعها الله سبحانه وتعالى فلا يحق لأحد أن يتنكر لها، كالدستور ـ تماماً ـ في أي بلد، إذا وَضَعَ معايير لكسب الجنسية، فمن توفرت فيه هذه الصفات يمنح جنسية البلد، ولا يحق لأحد أن يختلق شروطاً إضافية لمنح الجنسية، لم ينص الدستور على ضرورة توفرها.
يضع الدين معياراً للانتماء له، فمن توفر فيه لا يصح لأحد أن ينكر عليه انتماءه لهذا الدين، الله تعالى يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾، فإذا جهر شخص من معسكر العدو بالشهادتين، وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، أو عبر عما يدل على ذلك، فقال مثلاً: السلام عليكم ، وهي تحية الإسلام، فهذا الشخص توفر فيه معيار الانتماء إلى الإسلام وإلى مجتمع المسلمين، وعلى المسلمين أن يتعاملوا معه كمسلم، له ما لهم وعليه ما عليهم، وهنا وقفة تحذير ، إذ تقول الآية: ﴿تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾، ففي بعض الأحيان ينكر إنسان على شخص آخر انتماءه للإسلام، وذلك حتى ينال الغنيمة بقتله، أو حتى لا يكون منافساً له فيما عنده من امتيازات، وهذا ما تحذر منه الآية الكريمة.
كما أن النصوص الكثيرة على هذا الصعيد جاءت لتؤكد المعايير المتبعة لاعتبار هذا الشخص من المسلمين أو لا، ورد في صحيح مسلم عن المقداد ابن الأسود أنه أخبره أنه قال: «يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ لَقِيتُ رَجُلًا مِنْ الْكُفَّارِ فَقَاتَلَنِي فَضَرَبَ إِحْدَى يَدَيَّ بِالسَّيْفِ فَقَطَعَهَا ثُمَّ لَاذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ فَقَالَ أَسْلَمْتُ لِلَّهِ أَفَأَقْتُلُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بَعْدَ أَنْ قَالَهَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَقْتُلْهُ قَالَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ قَدْ قَطَعَ يَدِي ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ قَطَعَهَا أَفَأَقْتُلُهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَقْتُلْهُ فَإِنْ قَتَلْتَهُ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَتِكَ قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ وَإِنَّكَ بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ الَّتِي قَالَ»[1] .
وكذلك الحديث المشهور المروي عن أسامة بن زيد أنه قال: «بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ فِي سَرِيَّةٍ فَصَبَّحْنَا الْحُرَقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ فَأَدْرَكْتُ رَجُلًا فَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَطَعَنْتُهُ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَقَتَلْتَهُ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا قَالَهَا خَوْفًا مِنْ السِّلَاحِ قَالَ أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لَا فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ يَوْمَئِذٍ»[2] .
وفي صحيح البخاري: عن رسول الله أنه قال: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ»[3] .. وأحاديث كثيرة في هذا السياق.
حصلت بين المسلمين، بعد وفاة الرسول الأعظم اختلافات سياسية، ثم أصبحت عقدية وفقهية، فهل يصح لطرف من الأطراف أن يعتبر رأيه فيما ذهب إليه ـ عقدياً أو فقهياً أو سياسياً ـ مقياساً إضافياً للحكم بدخول الإسلام؟
إن هذا لا يصح، وقد حصلت هذه الحالة في أيام الفتن والصراعات، حيث إن بعض المتشددين من السنة أو من الشيعة أو من الخوارج، أو من الاتجاهات المختلفة تَعدُّ رأيها مقياساً للإسلام، فمن أخذ برأيها يكون مسلماً، ومن لم يأخذ برأيها تَعُدُّ خارج دائرة الإسلام، وهذا يطلق عليه مصطلح التكفير، وهي أهم محنة بليت بها الأمة الإسلامية، أن يكفر المسلمون بعضهم بعضاً.
إن الاختلافات تحصل في أي مجتمع بشري، فأساسيات الإسلام هي: الإيمان بالله، وبنبوة رسول الله ، وبالمعاد يوم القيامة، والأخذ بالكتاب والسنة، والاتجاه إلى القبلة، كما تقول الأحاديث: «من شهد أن لا إله إلا الله، واستقبل قبلتنا، وصلى صلاتنا، وأكل ذبيحتنا، فهو المسلم، له ما للمسلم، وعليه ما على المسلم»[4] ، هذه هي المقاييس الأساسية للإسلام، أما الاختلافات الأخرى فهي ليست مما يخرج من الإسلام، فنحن الشيعة ـ مثلاً ـ، نعتقد بإمامة أهل البيت ، أصلاً من أصول المذهب، من لم يقبلها لا يكون داخل المذهب، لكننا لا نعدها أصلاً من أصول الدين، بمعنى أن من لا يقبلها لا نعده خارج الدين، والرأي الفقهي المعمول به عند علماء الشيعة هو الحكم بإسلام كل من تشهّد الشهادتين، ومن نختلف معه في معتقد الإمامة، فهو خارج مذهبنا، لكنه ليس خارج الإسلام، بل هو ضمن الإسلام، ونحكم بإسلامه.
وأهل السنة؛ عندهم رأي حول (عدالة الصحابة)، ولهم الحق أن يعدوا هذا الرأي مقياساً للحكم بسنّية الإنسان، فمن لم يعتقد بعدالة الصحابة، وبالمكانة المميزة للخلفاء الراشدين حسب الترتيب، فهو ليس من أهل السنة ـ وإن كان في وسط السنة من له رأي آخر في عدالة الصحابة ـ من حقهم أن يقولوا ذلك، لكن أن يعدوا أن من لم يوافقهم في هذا الرأي فهو خارج الإسلام؛ هذا لا حق لهم فيه، ولا يقولون به، لأن هناك اختلافاً بين المسلمين في الأمر ، فلا تستطيع أن تكفّر أحداً لأنه لم يوافق رأيك في الصحابة، هذا شرط إضافي، لم يرد في كتاب الله، ولا في سنة رسول الله ، أنه يشترط في إسلام الإنسان، وفي الحكم بإسلامه؛ أن يكون معتقداً بعدالة كل الصحابة، وأن يكون معتقداً بأفضلية الخلفاء الراشدين على الترتيب، الخليفة الأول ثم الثاني ثم الثالث ثم الرابع، ليس هناك ما يدل على ذلك، فالصحابة أنفسهم ما كانوا يعتقدون بهذا الشيء في ذاتهم، وما كانوا يرون أن الاعتراف بقدسيتهم شرطاً من شروط الإسلام والإيمان، بدليل أنهم تقاتلوا وتلاعنوا فيما بينهم، وتسابوا وتشاتموا، ولو كانوا يعلمون أن سب واحد من الصحابة، أو لعن واحد منهم ـ مع أننا لسنا مع السب والشتم لكن نقول ذلك لمناقشة الموضوع ـ مخرج من الإسلام، لكفّر الصحابة بعضهم بعضاً، بينما نحن لا نجد مثل هذا الأمر، بل نجد ما يدل على عكسه، ففي مسند الإمام أحمد بن حنبل في الجزء الأول في مسند أبي بكر، حديث رقم 54 ـ وهو موجود في مصادر أخرى، وموثق من حيث إخراج الحديث عند عدد من العلماء ـ عن أبي برزه الأسلمي قَالَ: «أَغْلَظَ رَجُلٌ لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَالَ فَقَالَ أَبُو بَرْزَةَ: أَلَا أَضْرِبُ عُنُقَهُ، قَالَ: فَانْتَهَرَهُ وَقَالَ: مَا هِيَ لِأَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ»، فأبو بكر نفسه يقول إن من أغلظ عليه ـ أي أساء إليه ـ لا يصح أن ينال منه؛ لأن هذا خاص برسول الله ، فكيف يأتي شخص اليوم، ويقول بأن من أساء وتعرض لأحد الخلفاء والصحابة يكون كافراً؟
وأكرر أن هذا لا يعني أننا ندافع أو نبرر الإساءة، فأنا أقول وأعلن دائماً أنه لا يصح الإساءة إلى أي رمز من رموز المسلمين، لأن ذلك يثير الفتنة ويضر بالتعايش، كل طائفة لها مقدساتها، ولها رموزها، وإذا أردنا أن تُحْتَرَمَ رموزنا ومقدساتنا فيجب أن نحترم رموز ومقدسات الآخرين، ما لنا من رأي يخصنا، وما لإخواننا السنة من رأي يخصهم، ولكن في تعاملنا يجب أن يكون هناك احترام متبادل.
إذن هذه الروايات تدل على أن الصحابة أنفسهم ما كانوا يرون هذا الرأي في بعضهم البعض، بل إن أم المؤمنين السيدة عائشة ـ كما ورد في المصادر التاريخية كالطبري وغيره ـ قالت كلاماً عنيفاً ضد الخليفة عثمان، حينما اختلفت معه وخالفته، ففي تاريخ الطبري ضمن الحادثة: «فانصرفت إلى مكة وهي تقول: «قتل والله عثمان مظلوماً، والله لأطلبن بدمه»، فقال لها ابن أم كلاب: «ولم؟ فوالله إن أول من أمال حرفه لأنتِ، ولقد كنتِ تقولين: اقتلوا نعثلاً فقد كفر»، قالت: «إنهم استتابوه ثم قتلوه، وقد قلت وقالوا وقولي الأخير خير من قولي الأول، فقال لها ابن أم كلاب:
منك البداء ومنك وأنت أمرت بقتل الإمام |
الغيرومنك الرياح ومنك المطر وقلت لنا إنه قد كفر[5] » |
وهناك موارد كثيرة في التاريخ وفي النصوص تحكي أن الصحابة دخلوا حروباً مع بعضهم, فطلحة والزبير صحابيان تمردا على الإمامة الشرعية لأمير المؤمنين علي ابن أبي طالب وقاتلاه، ومعاوية خاض حرباً في صفين ضد أمير المؤمنين ، وسنَّ سبّه على المنابر، لسنوات طويلة، فكيف يكون الموقف من الصحابة مقياساً للدخول في الدين؟ وكيف يكون الحكم على معاوية بناءً على ذلك؟
ولهذا فإن ما تحدث به أحد أئمة الحرم المكي (الشيخ عادل الكلباني) في مقابلة له مع قناة الـ BBC بتاريخ 9/5/1430هـ، مخالف لهذا المنهج الإسلامي، الذي تؤكده الآية الشريفة: ﴿وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا﴾، وإذا أُطْلِقَ العنان لمنهج التكفير ستعيش الأمة حالة من التمزق.
والمدرسة السلفية جربت هذا الأمر، والكلباني نفسه تحدث ضد الصوفية حين سئل: عن عدم وجود إمام للحرم من أهل الحجاز من غير الحنابلة، قال: «عند بعضهم نزعة صوفية، فربما هذا يكون سبباً من أسباب عدم التعيين، لأنه يشترط في إمام الحرم أن يكون سليم المعتقد والمنهج»، مع أن الصوفية شريحة كبيرة من العالم الإسلامي، وبهذه السهولة يتهم دين شريحة كبيرة من المسلمين في عقيدتهم، ثم يتحدث عن الشيعة، فيحكم بتكفير علمائهم لأن لهم رأياً حول الخليفة أبي بكر.
إن الرأي الذي ذكره عن الشيعة ليس دقيقاً، وإنما هو رأي أخذه من هذا الكتاب وذاك، وإلا فإن علماء الشيعة لا يحكمون بكفر أحد من أهل القبلة، بل يحكمون بإسلامهم، ويتعاملون معهم على أساس الإسلام، وهذا المنحى التكفيري عانت منه البلاد كثيراً، وحينما ساد هذا النهج ارتد على أصحابه، فالسلفيون أنفسهم عانوا من منهج التكفير، لأنهم فتحوا المجال وَرُبُّوا في بعض محاضنهم وتوجهاتهم على التساهل بالتكفير، فارتد الأمر عليهم، وظهرت جهات وجماعات منهم كفّروا بقية السلفيين، وكفروا الحكومة والعلماء، وألّفوا في ذلك العديد من الكتب.
إن أحد الكتب المطبوعة في هذا الاتجاه السلفي التكفيري كتاب (الكواشف الجلية في تكفير الدولة السعودية)، كفروا فيه الحكومة السعودية، والمفتي والعلماء الذين مع الحكومة ، ولهم كتاب آخر بعد غزو العراق للكويت، ومجيء القوات الأمريكية، تحت عنوان: (التبيان في كفر من أعان الأمريكان)، وبعد أن صارت مثل هذه المواقف اجتمعت هيئة كبار العلماء وأصدروا بيانات ضد التكفير، وكان منها البيان الذي صدر بتاريخ 2/4/1419هـ وحذّر من التكفير، وأنه لا ينبغي تكفير مسلم، وأورد البيان الأحاديث التي جاءت ضد تكفير المسلمين، ونحن هنا نتساءل: أحينَ وصلت النار إليهم بدؤوا يتحدثون ضد التكفير؟، وحينما هدأت بعض الأمور، بدأت نعرة أخرى، تتحدث عن كفر هذا وذاك؟ هذا ليس صحيحاً، وليس مقبولاً، ونتائجه مضرة على الجميع.
ولنا أن نتساءل: هل إن التكفير ممنوع تجاه الحكام؟ فمن يكفّر الحكام لابد من التحذير منه، أما من يكفر بقية المسلمين فلا بأس؟ إن هذا ليس نهجاً صحيحاً. خاصة من شخصٍ في هذا الموقع وهذا المكان، إن إمامة المسلمين في الحرم المكي موقع اعتباري، له قيمته ومكانته، فكيف يكون الشخص الذي يراد من المسلمين من مختلف أقطار العالم أن يأتموا به، وأن يصلوا بصلاته يكفر شريحة كبيرة منهم؟ ويتجاهر بالحديث عن التكفير، هذا خلل كبير لا يتناسب مع سمعة الدولة، ولا مع حمايتها للحرمين الشريفين، ولا يتناسب مع الشعارات والدعوات المطروحة للحوار الإسلامي، بل الحوار بين الأديان.
هذا يخالف كل ما طرحه الملك، وكل ما خطب به في الحوار الوطني، والحوار الإسلامي، والحوار بين الأديان، ولهذا نحن نطالب هذا الرجل بأن يعتذر عما قال، أو أن يُقَالَ من الموقع الذي هو فيه، وإلا فوجوده في هذا الموقع مع تبنيه لهذه الآراء التكفيرية خلل كبير، وإساءة لسمعة البلاد وقيادتها، وإغراء بالفتنة، وتأجيج للأحقاد في النفوس، وهذا مالا يرضاه مسلم، ولا يرضاه عاقل، ولا يرضاه مواطن غيور.