المبادرة نحو الشباب
المبادرة نحو الشباب
سأل الإمام جعفر الصادق ذات يوم تلميذه محمد بن النعمان المعروف بمؤمن الطاق وكانت مهمته نشر تعاليم الإسلام ومعارف أهل البيت ، سأله الإمام ذات يوم: كيف رأيت مسارعة الناس في هذا الأمر ودخولهم فيه؟ فأجاب قائلاً: والله إنهم لقليل. فقال الإمام الصادق : «عليك بالأحداث فإنهم أسرع إلى كل خير»[1] .
الإمام الصادق يؤكد لنا في هذه الكلمة أن الشباب هم الأسرع إلى كل خير، وذلك ينافي الفكرة السائدة بأن الشاب بطبيعته يكون متمرداً وعازفاً عن الالتزام الديني، ومسترسلاً مع اللهو واللعب. هذه الرؤية للإمام تؤكدها مسيرة الأنبياء والأئمة في التاريخ. حيث نجد أن أوائل من آمن بالأنبياء في الغالب كانوا من جيل الشباب، كما نقرأ في القرآن الكريم، حين يحكي قصة نبي الله نوح (على نبينا وآله وعليه أفضل الصلاة والسلام) يقول تعالى على لسان الكفار: ﴿مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ﴾[2] يعني صغار السن الذين لم تنضج أراؤهم، ونبي الله موسى يقول الله تعالى عنه: ﴿فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَأِهِمْ﴾[3] ، ذرية: يعني أبناء وأولاد. وفي سيرة نبينا محمد نجد أن المشـركين وعتاة قريش جاءوا إلى عمه أبي طالب قائلين له: إن ابن أخيك قد سب آلهتنا وسفَّه أحلامنا وأفسد شبابنا!
وقد ورد عن رسول الله أنه قال: (أوصيكم بالشبان خيراً فإنهم أرق أفئدة، وإن الله بعثني بشيراً ونذيراً فحالفني الشبان وخالفني الشيوخ، ثم قرأ قوله تعالى ﴿فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾[4] .
وهذا ما نقرأه في حديث الإمام الصادق لتلميذه بأن يتجه إلى الشباب.
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يقول: (وإنما قلب الحدث كالأرض الخالية ما ألقي فيها من شيء قبلته)[5] .
وثبت علمياً أن الإنسان في مرحلة شبابه تتفتق عنده جميع الميول والتوجهات، تنضج عنده الحالة الغريزية وكذلك الميول الروحية والمعنوية، فيكون مهيأ لكلا الاتجاهين: اتجاه الشـر والخير، وهو بدافع الفطرة يكون أكثر تهيئاً لاتجاه الخير. وهناك بحوث لعلماء نفس يؤكدون فيها: أنه في مرحلة الشباب تبرز عند الشاب استعدادات للنزوع الديني، وهذا نشهده بالفعل، فأغلب المبادئ والأفكار والنظريات والمعتقدات إنما تروج أولاً في أوساط الشباب، ولو رصدت حركة الثائرين والمعارضين في مختلف المجتمعات والشعوب، لوجدت أنها تترعرع وتنمو في وسط الشباب، لماذا؟ لأن الشباب هم الأسرع تقبلاً، ولأنهم بعدُ لم تجبل صفاتهم ونفوسهم وسلوكهم على أشياء يتشبثون بها، وعندهم استعداد للتغيير ولقبول الجديد. تبقى مسألة ترجيح هذه الكفة على تلك، وهنا يأتي دور البيئة التي يعيشها الشاب، فإذا عاش في بيئة تُنمّي عنده الميول الخيرة فإنه يكون في اتجاه الخير، وإذا عاش في بيئة تدفعه نحو الشر، تنمو لديه النوازع الشريرة.
من هنا تأتي أهمية المبادرة نحو الشباب، إلا أن الناس في الغالب يهملون أبناءهم فإذا برزت ظواهر سلبية يلتفت البعض نحوهم. لذلك نجد التحذير من الإمام جعفر الصادق حيث يقول: (بادروا أحداثكم بالحديث قبل أن يسبقكم إليهم المرجئة)، والمرجئة: فرقة من الفرق المنحرفة فكرياً في ذلك الوقت.
مشكلتنا في كثير من الأحيان أننا نعيش ضمن حالة ردّات الفعل، فننتظر أن تظهر سلوكيات سلبية عند الشاب أو الفتاة وعندها يبدأ جرس الإنذار لدينا.
وفي أيام العطلة الصيفية أبناؤنا وبناتنا يعيشون فراغاً، فإذا لم تفكر العائلة والمجتمع في ملئ هذا الفراغ بالبرامج الصالحة والنافعة، فإن الشاب والفتاة سيملآن هذا الوقت بأشياء أخرى، خاصة ونحن نعيش في عصرٍ تطورت فيه الوسائل والأساليب، فالكمبيوتر موجود، والإنترنت متاح، والجوال في الجيب، ومختلف الوسائل الحديثة متوفرة، إضافةً إلى شلل سيئة فاسدة لا يخلو منها أي مجتمع، وغالباً ما يُمارس هؤلاء بعض المظاهر السلبية خصوصاً في أوقات العطلة الصيفية، والتي يكثر حولها الحديث في المجالس، وتُسلّط الأضواء على مسؤولية رجال الأمن في البلاد لردع هؤلاء الشباب، وبكل تأكيد فإن الردع وحده لا يكفي، وإنما نحتاج إلى ملء الفراغ عند أبناءنا، وهذا يؤكد لنا دور المبادرة لتوجيه أبنائنا وتوعيتهم وتثقيفهم.
العائلة لها دور أساس، إضافة لحاجتنا الماسة للبرامج العامة في المجتمع، كل إنسان عليه أن يطالب نفسه أيام العطلة الصيفية بدور ومسؤولية تجاه الجيل الشاب. وخصوصاً العلماء والخطباء ورجال الأعمال والمثقفون، حيث ينبغي أن تتظافر الجهود من أجل أن يستفيد أبناؤنا من وقت الفراغ في العطلة الصيفية، وإلا أصبح الفراغ سبباً للفساد والانحراف، وجميعنا يدفع الثمن.
حتى من لم يكن له أولاد عليه أن يُساهم في هذا الجانب المهم، ذلك لأن أي خلل يُصيب وسط الشباب يؤثر على أمن المجتمع الأخلاقي والاجتماعي.
لهذا أدعو الجميع إلى التفاعل مع البرامج القائمة في الصيف، من مراكز ولجان ودورات وبرامج ودروس، بعضها رسمية وبعضها أهلية، فينبغي الدفع والتشجيع بهذا الاتجاه، لا أن تنتظر أن أحداً يطلب منا الدعم، علينا أن نمسك بزمام المبادرة.
وعلى الولاة على المساجد والحسينيات والأماكن العامة أن يبذلوها للشباب، ليُمارسوا فيها مختلف الأنشطة الهادفة، والبرامج الصالحة. وعلى العلماء أن يقدموا الدعم من الحقوق الشرعية والتبرعات، كما يجب أن يبذلوا من أوقاتهم في تدريس هؤلاء الشباب، والالتقاء بهم، والحوار معهم.
وأخص بالذكر الفتيات، لأنهنّ يعشن ظلامة حقيقة، بعكس الشباب الذين يجدون متّسعاً لهم خارج فناء البيت، أما البنات فيعشن غالب أوقاتهن بين جدران البيت، ومع وجود الفراغ القاتل، لا يُؤمن أن تتسلل إليهن بعض المظاهر السلبية، مما يُخشى منه على مستقبلهن.
هناك قصور وتقصير في برامج الفتيات في مجتمعنا، فعلى كل واحدٍ أن يلتفت إلى بناته، وأن يفسح أمامهن الفرصة، خصوصاً في العطلة الصيفية، باتجاه استثمار أوقاتهنّ بما ينفعهن وينفع المجتمع.
من توجيهات الإمام الجواد
جاء في رواية عن الإمام محمد بن علي الجواد أنه قال: (ثلاث يبلغن بالعبد رضوان الله: كثرة الاستغفار، وخفض الجانب، وكثرة الصدقة)[6] .
هذه باقة وددت أن نقتطفها من بستان معارف الإمام محمد الجواد الذي يصادف اليوم ذكرى ميلاده الشـريف على رواية.
الإمام الجواد هو الإمام التاسع من أئمة أهل البيت ، ولد سنة 195هـ، واستشهد سنة 220هـ، فعمره الشريف 25 سنة، بما يعني أنه فارق الحياة في ريعان شبابه، مما يُعَدُّ مؤيداً لما ورد من أن رحيله عن هذه الحياة الدنيا لم يكن بأجل طبيعي، وإنما دس له السم كما ورد في بعض الروايات.
والإمام الجواد على صغر سنه فرض احترامه على النخبة العلمية والسياسية في الأمة، فالمأمون العباسي الخليفة الحاكم أصر على أن يزوجه ابنته، وعقد له عدداً من مجالس الحوار والمناظرة مع العلماء، تلك المجالس التي أوضحت سعة علم الإمام وعمق معارفه أمام الفقهاء والعلماء.
عاش أكثر حياته في مدينة جده رسول الله يلتف حوله طلاب العلم والمعرفة، ويستفيدون من علومه ومعارفه، عدا السنة الأخيرة التي حُمل فيها إلى بغداد، بأمر المعتصم العباسي وبقي هناك ما يقارب السنة إلى أن استشهد .
باقة الورد التي أحملها إليكم هذا اليوم من بستان معارف الإمام الجواد تذكرنا بثلاث صفات أخلاقية مهمة، يقول الإمام : (ثلاث يبلغن بالعبد رضوان الله) وتعلمون أن رضوان الله مرتبة رفيعة عالية، فقد تنال عطية من جهة ذات شأن في نفسك ولا شك أنك تفرح بها، لكنك ستكون أكثر فرحاً إذا عرفت مقامك في نفس هذه الجهة، فأبوك الذي تحترمه وتحبه ـ مثلاً ـ لو علمت أن لك في نفسه مقاماً، وأنه راضٍ عنك، سيكون ذلك أهم من أن يقدم لك شيئاً من المتاع أو المال، وهكذا أي جهة عظيمة في نفسك تهتم بأن تكسب ودها ورضاها، فكيف إذا كانت تلك الجهة هي الله سبحانه وتعالى، فرضا الله هو أصل كل خير، وهو أعلى من كل الدرجات والمقامات، لذلك فإن القرآن الكريم حينما يتحدث عن ثواب المؤمنين في الجنة، يذكر الثواب المادي ثم يعقبه بهذه الدرجة المعنوية، يقول تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾[7] فرضوان الله أكبر من كل ذلك، والمؤمن الذي يعرف عظمة الله سبحانه وتعالى يهمه رضاه عنه.
فكيف ينال الإنسان رضا الله ويبلغ هذه المرتبة السامية؟
الإمام الجواد يرسم أمامنا الخريطة عبر ثلاث صفات:
ماذا يعني الاستغفار؟ الاستغفار مظهره لفظٌ باللسان أن يقول الإنسان: أستغفر الله ربي أو استغفر الله ربي وأتوب إليه. هذا لفظ يفترض فيه أنه يحكي عن حالة في أعماق النفس. والاستغفار يعني أمرين أساسيين:
الأمر الأول: الإقرار بالخطأ، فكما أنك تقول لإنسان تصرفت تجاهه بتصرف خطأ أرجو المعذرة، فتقر بالخطأ في داخل نفسك، وتدرك أنك أخطأت وأسأت.
الأمر الثاني: العزم على ترك الخطأ، والإقلاع عنه.
وتعبيراً عن هذين الأمرين تقول: أستغفر الله ربي وأتوب إليه.
أما مع عدم تحقق هذين الأمرين في النفس فإن لفظ الاستغفار لا قيمة له، سيكون مجرد تلفظ باللسان، بينما قيمة الاستغفار فيما يحكيه عن حال داخل الإنسان وعن إرادة مستقبلية.
وقد تحدثت الآيات القرآنية والنصوص والأحاديث عن الاستغفار بهذا المعنى، الله سبحانه وتعالى يلفت نظر الإنسان إلى أن وقوع الخطأ منه أمر طبيعي وأن تلافي الخطأ يكون بالاستغفار، يقول تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾[8] ، بمعنى أن الاستغفار يقتضي الإقلاع عن الخطأ ﴿وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾. وفي آية أخرى يقول الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً ﴾[9] .
وقد ورد عن رسول الله أنه قال: (خير العبادة الاستغفار)[10] ، وعنه أنه قال يوماً أمام عدد من أصحابه: (إن الله يغفر للمذنبين إلا من لا يريد أن يغفر له)، فتعجب الأصحاب، وقالوا: يا رسول الله من الذي يريد أن لا يغفر له؟ قال : (نعم، من لا يستغفر الله)[11] . ولتأكيد معنى الاستغفار ورد عنه أنه قال: (خير الاستغفار عند الله الإقلاع والندم)[12] .
وهناك كلمة رائعة وجميلة لأمير المؤمنين علي ابن أبي طالب يقول: (تعطروا بالاستغفار، لا تفضحكم روائح الذنوب)[13] ، ما أروع وأجمل هذه الكلمة، أنت تجد إنساناً يعيش في مثل صيف منطقتنا كيف يتعرق جسمه، فتفضحه رائحة العرق، الإمام في هذه الكلمة الرائعة يقول إن روائح الذنوب التي تصدر من حياة الإنسان وسيرته تفضحه، ويستطيع أن يتعطر بالاستغفار. وعنه أنه قال: (طوبى لمن وجد في صحيفة عمله يوم القيامة تحت كل ذنب أستغفر الله)[14] وهذا يعني أن يلتفت الإنسان، فعندما يرتكب ذنباً عليه أن يستغفر الله تعالى ويُصمم على الإقلاع عنه، أما مع عدم ذلك فإن الاستغفار يصبح ذنباً جديداً يقول أمير المؤمنين : (الاستغفار مع الإصرار ذنوب مجددة)[15] . وأكثر من ذلك يوضح الإمام الرضا فيقول: (المستغفر من ذنب ويفعله كالمستهزئ بربه)[16] . وعنه : (من استغفر بلسانه ولم يندم بقلبه فقد استهزأ بنفسه)[17] .
لذلك على كل واحد أن يتفحص سلوكه وأعماله، فالرواية المتواترة: (ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم وليلة، فإن عمل حسنة استزاد منها، وإن عمل سيئة تاب واستغفر عنها). وأنت في جوف الليل قبل النوم، ورأسك على الوسادة، أو تصلي لله ركعتين، ليكن أمامك شريط عملك اليومي، منذ يقظتك، وإلى أن إبْتَ إلى فراش نومك، ماذا عملت؟ ماذا قلت للآخرين؟ ماذا تصرفت أمام الناس؟ ما هو الصح منها وما هو الخطأ؟ هذه المحاسبة للنفس مسألة مهمة، والأهم أن يكون عند الإنسان استعداد للاعتراف بالخطأ، فأكثر الناس عندهم مكابرة، من الناحية النظرية يقول الإنسان عن نفسه أنه غير معصوم، إلا أنه حين المناقشة يرفض الاعتراف بالخطأ. وخاصة في العلاقات مع الناس، إذ غالباً ما يلقي باللائمة على الآخرين، وهذا يعني أن يعتقد الإنسان في نفسه العصمة، يقول تعالى: ﴿فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ﴾[18] .
ينبغي على الإنسان أن يكون جريئاً في محاسبة نفسه، وأن يقف عند الخطأ، ويقرر الإقلاع عنه، وذلك هو الطريق إلى رضوان الله.
خفض الجانب يعني أن لا تكون شديداً في علاقتك مع الآخرين، كن ليناً متسامحاً مستعداً لتقديم التنازلات في علاقاتك، مع أسرتك وأقربائك وأرحامك وزملائك وجيرانك. بعض الناس يفتخر بشدته وبطولته أمام الآخرين، وهذا خطأ كبير.
مع الأسف الشديد فإن ثقافة خطيرة تسود بعض أوساط شبابنا هي ثقافة صنع البطولات في العلاقة مع الآخر، وأنها هي المقياس للفتوة. ونقرأ كل يوم في الجرائد، ونسمع في المجالس، كيف أن الشباب يتعاملون بالعنف فيما بينهم، فلا يكاد يمر يوم إلا وتنقل الصحف عن معركةٍ وصراعٍ عنيف بين طلاب يدرسون في المرحلة الابتدائية أو المتوسطة أو الثانوية، وفي بعض الأحيان بين الطلاب والمعلمين، إن آخر يوم من أيام الامتحانات هذا العام كان يوماً دامياً لأن أكثر من معلم أُدمي على أيدي تلامذته وطلابه.
ما هذا العنف؟ وما هذه الثقافة؟ إن للإعلام دوراً في نشر ثقافة العنف، بدءًا من أفلام الكرتون وانتهاء بمختلف المسلسلات والأفلام. تلك الثقافة التي تربي الإنسان وتوجهه بأنك لا ينبغي أن تكون ضعيفاً مع الآخرين، ينبغي أن تكون قوياً وأن تأخذ حقك، ويساعد على ذلك شعور الإنسان في بعض مجتمعاتنا أنه ليس هناك طرق سلمية وقانونية ينتزع بها حقوقه، فإذا كانت هناك سيطرة للقانون، والفرص متكافئة، كما يحصل في المجتمعات المتقدمة، فإن الإنسان بدل أن يفكر في أخذ حقّه بالعنف يلجأ للقانون والقضاء العادل. أما إذا لم تكن هذه الثقافة قائمة والطريق عبر القانون غير سالك، هنا تنشأ ثقافة أخذ الحق بالقوة، فيستخدم العنف، وهي وسيلة سلبية سيئة.
إن الإنسان لا يخسـر شيئاً حينما يُقدّم تنازلات، ونحن نجد في بعض المشاكل العائلية بين الزوج وزوجته أن أحدهما أو كلاهما يكابران، بما يحملانه من ثقافة سلبية، ومعتقدات خاطئة، تُعبر عن سوء فهم للعلاقة الزوجية. وأحياناً يتدخل الأهل ليصنعوا حزاماً منيعاً يُعمّقون به الحالة السلبية، فتزداد المسألة سوءً وتعقيداً، وهذا خطأٌ كبير.
الإنسان الذي يتنازل لا يخسـر، بل غالبا يربح، وبالتأكيد هناك موارد استثنائية فلكل قاعدةٍ شواذ.
الصدقة وما أدراك ما الصدقة، فآثارها نفسية وخارجية، الله تعالى يقول لنبيه : ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾[19] ، هذه الصدقة تطهر نفس الإنسان من الأنانية والبخل والشح، يقول تعال: ﴿وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ﴾[20] .
أحياناً تنازع الإنسان نفسه حينما يريد أن يعطي، والشاطر هو الذي يبادر إلى حسم الصـراع داخل نفسه بالرقم الأعلى، أعط الأكثر وأنت الرابح، وخاصة في هذه الأيام المباركة أيام شهر رجب، على الإنسان أن يُعوّد نفسه على الصدقة، فهي مهمة في كل وقت، وفي هذه الأيام المباركة ثوابها كبير ومضاعف. ونحن نعيش في أوقات الحر والصيف أذكركم برواية عن رسول الله أنه قال: (إن الصدقة لتطفئ عن أهلها حر القبور). وأنت ترى في هذا الصيف كيف يكون دور أجهزة التبريد لتطفئ عنك هذا الحر، فماذا عن القبر وحرارته ألا تحتاج إلى وسائل تكييف هناك، بلى بإمكانك أن توفر ذلك عبر كثرة الصدقة.