تقديم كتاب «شاخصة الأبصار لذوي الاختيار»
الكتاب: شاخصة الأبصار لذوي الاختيار
المؤلف: الشيخ أبي القاسم محمد بن الحسن فندم
دار النشر: دار المحجة البيضاء، الطبعة الأولى 1429هـ -بيروت
قد يجد الإنسان نفسه عند اتخاذ قرار أنه في حالة حيرة وتردد، وأنه أمام أكثر من خيار، فهل يقدم على الأمر أو يحجم عنه؟ وهل ينجزه بهذه الطريقة أو بطريقة أخرى.
ورغم أنه لا يكاد يسلم إنسان من الوقوع في حالة الحيرة والتردد عند اتخاذ بعض القرارات، إلا أن مستوى هذه الحالة تختلف من شخص لآخر، من حيث ندرة أو تكرار حصولها، ومن حيث أسلوب التعامل معها.
فأكثر الناس تعتريهم حالة التردد حينما يجدون أنفسهم أمام حدث مفاجئ، أو قضية خطيرة ذات أثر بالغ على حياتهم ومصالحهم، وهذا أمر طبيعي.
لكن هناك من تلازمه حالة التردد في مختلف الأمور والمواقف، وهذا حال غير طبيعي.
إن للحيرة والتردد في اتخاذ القرار أسباباً من أهمها ما يلي:
أولاً: قصور إحاطة الإنسان بجوانب موضوع القرار، مما يجعله غير واثق من القدرة على انجازه، أو غير مطمئن لسلامة نتائجه، أو لعدم اتضاح أفضل سبل وأساليب تحقيقه.
ثانياً: تزاحم الرغبات والمصالح في نفس الإنسان، فهو يرغب في شيء لكنه يخشى أن تفوته به رغبة أخرى، ويطمح لمكسب معين، لكن ذلك قد يكلفه ثمناً لا يريد دفعه.
إنه يضطر حينئذ لتقديم مصلحة على أخرى، ولتحمل بعض الخسائر من أجل بعض المكاسب. مما يوقعه في دوامة الحيرة والتردد.
ثالثاً: ضعف الثقة والعزيمة، فهناك علاقة وثيقة بين حالة التردد عند الإنسان وبين مستوى ثقته بنفسه، ومستوى عزيمته وإرادته. فأصحاب الثقة العالية بالنفس، والمتوفرون على قوة العزيمة، تقل عندهم موارد الحيرة والتردد في اتخاذ القرار، بينما يكون ضعفاء العزيمة والثقة بأنفسهم فريسة لتلك الحالة غير السويّة من كثرة التردد والاضطراب في اتخاذ القرار.
وللعادة والممارسة أكبر الأثر على هذا الصعيد، حيث يتمكن الإنسان من تعزيز ثقته بنفسه، وتقوية عزيمته، حين يعتمد التفكير ويمارس الحزم، ولا يستجيب لحالة التردد.
من أوضح الأدلة على وجود الله تعالى وعظمته حاكمية النظام على الكون والحياة، فليس هناك عبث ولا فوضى ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً﴾. ﴿رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً﴾.
إن كل ذرة في الكون وجدت لهدف محدد، وغاية مرسومة، وهي تسير وتتحرك ضمن نظام دقيق ومعادلة ثابتة، يقول تعالى: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾. ﴿قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً﴾. ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ﴾.
وحين سخر الله تعالى الكون لخدمة الإنسان، فإنه تعالى منح الإنسان قدرة يعرف بها ويفهم من خلالها السنن الحاكمة على الكون والحياة، ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا﴾ وتلك القدرة هي العقل العظيم.
فبالعقل يكتشف الإنسان سنن الحياة وأنظمة الكون، ليستطيع الاستفادة من الكائنات والخيرات التي سخرها الله تعالى له، وليتمكن من إدارة حياته وتسيير شؤونه.
وبمقدار ما يتجه الإنسان لعقله، ويُعمل تفكيره، تتقدم معرفته، وتزداد إمكانيات تأثيره، وتتطور حياته.
لذلك فإن الإنسان مدعو للالتفات إلى هذا الكنز العظيم العقل، والثقة به، واستثمار قدراته الهائلة، والاستضاءة بنوره الكاشف في دروب الحياة.
إن على الإنسان أن يرجع لعقله عند أي مشكلة تواجهه، وللإجابة على أي سؤال ينتصب أمامه، وحين يريد اتخاذ أي قرار، أو سلوك أي طريق، أو القيام بأي عمل.
وأخطر شيء على الإنسان، وأسوأ ما قد يقع فيه، هو إعراضه عن عقله، وغفلته عن الاحتكام إليه، والاهتداء بنوره، وحينئذ يكون فريسة الجهل والخرافة، وأسير الشهوة والهوى. وبمقدار غفلته عن عقله يفقد من مستوى تميزه الإنساني، حتى ينحط إلى مستوى البهائم. كما يقول الله تعالى في صفة الغافلين عن عقولهم: ﴿لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾.
ولأن الإنسان معرض للوقوع في هذا الخطر العظيم، خطر الغفلة عن العقل، فقد بعث الله تعالى الأنبياء والرسل لتحذير الإنسان من الغفلة عن عقله، ولإرشاده لأفضل طرق الاستفادة من العقل، بعيداً عن الحواجز والحجب والمؤثرات المشوشة على التفكير.
لذلك نرى تركيز القرآن الكريم على مسالة العقل والتعقل، وما يرتبط به من مناهج التفكير والعلم والنظر والتدبر، حيث وردت لفظة العقل والتعقل في آيات القران الكريم تسعا وأربعين مرة كقوله تعالى ﴿أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾ والتي وردت ثلاثة عشر مرة. وقوله تعالى ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ والتي وردت سبع مرات.
أما الفكر والتفكر فقد ورد في ثمانية عشر موضع من القرآن الكريم. وجاءت لفظة الفقه والتفقه في عشرين مورد.
أما لفظة العلم والتعلم فقد وردت في مئات الآيات.
إضافة إلى الآيات التي تتحدث عن التدبر والتذكر والنظر.
كما جاء في السنة الشريفة عدد كبير من الأحاديث والروايات التي تؤكد على مرجعية العقل ومحوريته في حياة الإنسان، بشكل مطلق.
ورد عن رسول الله أنه قال: «إنما يدرك الخير كله بالعقل» [1] .
وعنه : «استرشدوا العقل ترشدوا ولا تعصوه فتندموا» [2] .
وعنه : «إذا أردت أمراً فتدبر عاقبته، فإن كان خيراً فأمضه، وإن كان شراً فانته»[3] .
ويقول الإمام علي : «العقل صلاح كل أمر»[4] .
وعنه : «لا يستعان على الدهر إلا بالعقل» [5] .
وعنه : «ولا يَغُشُّ الْعَقْلُ مَنِ اسْتَنْصَحَهُ » [6] .
وعنه : «بالفكر تنجلي غياهب الأمور».
هذه النصوص الدينية وأمثالها تؤكد على مرجعية العقل، وان على الإنسان أن يعود إلى عقله، وأن يُعمل فكره لمواجهة أي مشكل في حياته، فيتخذ قراره بناءً على ما يهديه إليه عقله، ويقوده تفكيره. مع الالتزام بمنهجية التفكير السليم.
وما حققه الإنسان من انجازات علمية وعملية ضخمة في مختلف مجالات الحياة هو اكبر شاهد على عظمة العقل، وقدرته على تجاوز الصعاب ومواجهة التحديات.
إن من أسباب تردد الإنسان في اتخاذ القرار ضعف ثقته بعقله، وعدم اجتهاده في ممارسة التفكير، مما يؤدي إلى ضمور نشاطه الفكري، وقد لا يلتفت الإنسان إلى ضوابط التفكير السليم، فتلتبس عليه الأمور، ويصاب بالحيرة والتردد.
قد يفكر الإنسان في موضوع تنقصه الإحاطة ببعض جوانبه، وقد تتعارض الانشدادات والميول داخل نفسه ، وقد يعيش أجواء ضاغطة تدفعه نحو خيار أو آخر، فيجد نفسه عاجزاً عن اتخاذ القرار، وأسيراً لحالة التردد والحيرة.
وهنا عليه أن يلجأ إلى العقل مرة أخرى، عبر الاستنارة بعقول الآخرين ممن يثق بمنهجيتهم السليمة في التفكير، ويطمئن إلى صدقهم وخبرتهم في ذات الموضوع، فيستشيرهم ويستعين بعقولهم، ليشاركوه في التفكير وإعمال النظر. وليتجاوز نقاط الضعف التي سببت له الحيرة والتردد.
ويشير حديث مروي عن رسول الله إلى أن استشارة أصحاب الرأي تساعد الإنسان على الوصول إلى حالة الحزم والحسم، وتجاوز الحيرة والتردد، يقول : «الحزم أن تستشير ذا الرأي» [7] .
وفي حديث آخر عنه : « ما من رجل يشاور أحداً إلا هدي إلى الرشد» [8] .
ورد عن الإمام علي أنه قال: «من شاور ذوي العقول استضاء بأنوار العقول» [9] .
وعنه : «إذا أنكرت من عقلك شيئاً فاقتد برأي عاقل يزيل ما أنكرته»[10] .
وعنه : «حق على العاقل أن يضيف إلى رأيه رأي العقلاء» [11] .
ويشير الإمام علي إلى أن من أهم مميزات الاستشارة كون الآخر الذي تستشيره خارج تأثيرات الضغوط التي تسبب للإنسان التردد، يقول : «إنما حُضَّ على المشاورة لان المشير صرف، ورأي المستشير مشوب بالهوى» [12] .
وعنه : «من شاور ذوي الألباب دل على الصواب» [13] .
بالطبع فإن على الإنسان أن يشاور ذوي الاستقامة وأصحاب الخبرة والتجربة يقول علي : «شاور في أمورك الذين يخشون الله ترشد» [14] .
وعنه : «خير من شاورت ذوو النهى والعلم وأولو التجارب والحزم» [15] .
وعن معلي بن خنيس قال: قال أبو عبدالله : «ما يمنع أحدكم إذا ورد عليه ما لا قبل له به أن يستشير رجلا عاقلا له دين وورع. ثم قال أبو عبدالله : أما إنه إذا فعل ذلك لم يخذله الله» [16] .
من أجل أن يتكامل الإنسان، ويستفيد من الطاقات التي أودعها الله تعالى في كيانه، ومن اجل أن تتبلور إرادته وتنصقل شخصيته، منحه الله تعالى حرية التفكير والحركة، فهو يفكر ويقرر، ويعمل ويتحرك، ضمن سنن الكون وأنظمة الحياة، ومن ثم يتحمل مسؤولية قراره وعمله.
ومن لطف الله تعالى بالإنسان، أرشده عبر رسله وأنبيائه إلى المنهج السليم للتفكير، والطريق الصحيح لاتخاذ القرار، والاتجاه الأفضل للحركة والعمل.
وذلك بإرشاد الإنسان إلى عقله، وتحذيره من الخضوع لأهوائه وشهواته، أو التأثر بعوامل التشويش والضلال.
فالعقل هو مرجعية الإنسان في إدارة حياته، كما تؤكد نصوص الشرع، ويؤيده واقع التقدم الذي حققه الإنسان في تطوير الحياة عبر العصور.
لكن مشكلة الإنسان تكمن في مدى استفادته من عقله، والتزامه منهجية التفكير السليم، وفي مستوى إرادته لمواجهة مختلف ضغوط الإضلال والانحراف، وعوامل الضعف والخطأ.
وحين يواجه الإنسان قضية تهمه، وتتعدد أمامه الخيارات، فإنه بحاجة إلى درجة عالية من صفاء النفس، وثبات الفكر، وسلامة النظر، ليتخذ تجاهها القرار الموضوعي الصائب.
وهنا يلجأ الإنسان إلى ربه طالبا منه التوفيق والسداد، مستلهماً منه الطمأنينة والثقة، لكي يهتدي إلى أصوب قرار وأفضل رأي.
هذا الإقبال على الله، والتوجه إليه لتجاوز حالة التردد والحيرة في اتخاذ القرار، ولنيل توفيقه تعالى وتسديده، هو ما يطلق عليه في النصوص الدينية مصطلح الاستخارة.
والاستخارة معناها طلب الخير في الشيء، وهذا هو المعنى اللغوي، خار الشيء على غيره وانتقاه. اللهم خر لي: أي اختر لي أصلح الأمرين، واجعل الخيرة فيه، وعندما يقال: خار الله لك، أي أعطاك ما هو خير لك.
وقال الراغب الأصفهاني (توفي 502هـ): استخار الله العبد فخار له، أي طلب منه الخير فأولاه.
وقال ابن إدريس: الاستخارة في كلام العرب الدعاء.
فالمعنى الحقيقي للاستخارة هو الدعاء وطلب الخير من الله تعالى، واستخار الله طلب الخير منه.
والنصوص التي تُرغّب الإنسان في الاستخارة، وتحذر من الإقدام على عمل قبلها، إنما تقصد الاستخارة بهذا المعنى، أي الدعاء وطلب الخير من الله تعالى.
وتوجّه بعض النصوص إلى التقرب إلى الله تعالى بصلاة ركعتين، وقراءة سور أو آيات من القرآن الكريم، ومناجاة الله تعالى ببعض الأدعية المروية عن النبي والأئمة الأطهار .
وهناك فهم آخر ونوع آخر من الاستخارة بمعنى المشورة مع الله تعالى، لكي يرشد الإنسان إلى القرار الصائب عبر بعض الطرق والأساليب الكاشفة، كالاستخارة بالقرآن الكريم، أو المسبحة أو الرقاع أو البنادق. وفي بعض أوساط الإيرانيين يستعملون الخيرة بالديوان المنسوب للإمام علي، أو ديوان حافظ الشيرازي.
وبين يدي القارئ الكريم كتاب جمع شتات المواضيع المتعلقة بالاستخارة، بذل فيه مؤلفه الفاضل الجليل المهذب فضيلة الشيخ محمد فندم حفظه الله جهداً كبيراً، حيث اطلع على معظم ما كتب حول موضوع الاستخارة، من القديم والجديد، مضيفاً إلى ذلك بعض قصصه وتجاربه الشخصية، كما اجتهد في الإجابة على التساؤلات المثارة تجاه الاستخارة وأنواعها وطرق التعامل معها.
ويمكن القول أن المؤلف الكريم قد اختصر الطريق للباحثين بتقديم مادة ثرية حول موضوع الاستخارة، توفر الجهد على أي باحث بحيث لا يحتاج إلى سائر المصادر.
إنني اقدر لفضيلة الشيخ المؤلف اهتمامه المعرفي، واجتهاده في أن يقدم شيئا لخدمة الدين والمجتمع، شكر الله سعيه، وزاده توفيقاً ونشاطاً، وكثّر في أوساطنا العلمية الدينية أمثاله.
وحينما قدم لي الشيخ المؤلف كتابه كنت قد تحدثت في خطاب جماهيري ليلة التاسع من محرم الحرام لهذا العام 1429هـ حول الاستخارة، انتقدت فيه المبالغة عند بعض الناس في الاستخارة بالمصحف الكريم والمسبحة، اعتقاداً منهم أنها تكشف عن رأي الله تعالى في الموضوع الذي يستخيرون فيه.
وترتب على هذه المبالغة تجميدهم لعقولهم، فلا يبذلون جهداً في التفكير وإعمال النظر، ولا يتجهون لاستشارة ذوي الرأي والتجربة، وإنما يبادرون للاستخارة في أي قضية وعند ابسط مشكلة.
كما أن البعض يستعمل الاستخارة في غير موضعها، كالطلاب الذين يستخيرون قرب الامتحانات على فصول المقررات التي يجب أن يركزوا عليها في المذاكرة والمراجعة. وكبعض الآباء الذين عطّلوا زواج بناتهم حتى فاتهم قطار الزواج، لأنهم يستخيرون عندما يأتيهم خاطب كفو.
والسائد في أوساط كثير من المتدينين أن نتيجة الاستخارة بالمصحف أو المسبحة تكشف عن الخير والصواب، لذا على الإنسان أن يلتزم بتلك النتيجة. وربما دار في أذهان بعضهم وجوب الالتزام بنتيجة الخيرة، وأن مخالفتها حرام أو سبب للخطر.
صحيح أن هناك روايات واردة عن الاستخارة بالمصحف والمسبحة لكنها ليست بدرجة الصحة والاعتبار.
وإذا كان العمل بها بناء على قاعدة التسامح في أدلة السنن، وثقة بالتجارب المتناقلة حولها، ولكونها متداولة عند المتشرعة، فان ذلك لا يبرر الإفراط والمبالغة في استعمالها وغض الطرف عن السلبيات المترتبة على ذلك.
وقد أثار حديثي عن الاستخارة ثائرة بعض العلماء والخطباء وطلبة العلوم الدينية، حيث عدوه تشكيكاً في المعتقدات، وخروجاً على المسلمات، وطعناً في عمل المتشرعة من المراجع والعلماء.
وفاجأني أن أكثرهم لم يكلف نفسه عناء البحث العلمي في الموضوع، وأن قسماً منهم لا يعلم أن هناك رأياً آخر في الوسط العلمي يستشكل في الاستخارة بالمصحف والمسبحة وأمثالها، كالمقدس الاردبيلي الذي يحتمل حرمة الاستخارة بمثل هذه الطرق، ويراها شبيهة بالاستقسام بالأزلام.
وقد أشار السيد اليزدي في العروة الوثقى إلى هذا الرأي بقوله في كتاب الحج في آداب سفر الحج ما نصه: «الاستخارة بمعنى طلب الخير من ربه، ومسالة تقديره له، عند التردد في أصل السفر، أو في طريقه، أو مطلقاً، والأمر بها للسفر وكل أمر خطير أو مورد خطر مستفيض، ولا سيما عند الحيرة والاختلاف في المشورة، وهي الدعاء لأن يكون خيره فيما يستقبل أمره، وهذا النوع من الاستخارة (أي الدعاء) هو الأصل فيها، بل أنكر بعض العلماء ما عداها مما يشتمل على التفؤّل والمشاورة بالرقاع والحصى والسبحة والبندقية وغيرها، لضعف غالب أخبارها، وإن كان العمل بها للتسامح في مثلها لا بأس به أيضاً، بخلاف هذا النوع (الاستخارة بالدعاء) لورود أخبار كثيرة بها».
ومؤسف ان يطرح بعضهم أن نقد الاستخارة هو تشكيك في العقيدة، ومخالفة للمسلمات، مع تصريح مراجع بارزين بعدم ثبوت استحبابها. حيث أجاب السيد السيستاني حفظه الله على سؤال:هل الاستخارة المتبعة عندنا الآن محبذة شرعاً أو واردة؟ بقوله: «يؤتى بها رجاءً عند الحيرة، وعدم ترجح أحد الاحتمالات بعد التأمل والاستشارة»[17] .
كما أجاب الشيخ التبريزي رحمه الله على سؤال: ما هو الثابت استحبابه من أقسام الاستخارة. بقوله: « لم يثبت استحباب الاستخارة، ولكن بها رواية وهي مجربة» [18] .
وأخيراً فإني أتفق مع العلامة الطباطبائي فيما ذهب إليه من أن وظيفة الاستخارة حسم حالة التردد عند الإنسان فقط، دون أن يعني ذلك أن نتيجتها كاشفة عن مصلحة أو خير، تماماً كما هو الحال لو حسم الإنسان تردده عبر تفكيره أو استشارته لأحد.
يقول السيد الطباطبائي في الميزان: «إذ لا شأن لهذا العمل (الاستخارة) إلا تعيين الفعل أو الترك، من غير إيجاب ولا تحريم، ولا أي حكم تكليفي آخر، ولا كشف عما وراء حجب الغيب من خير أو شر، إلا أن خير المستخير في أن يعمل أو يترك فيخرج عن الحيرة والتذبذب.
وأما ما يستقبل الفعل أو الترك من الحوادث فربما كان فيه خير، وربما كان فيه شر، على حد ما لو فعله أو تركه عن فكر أو استشارة، فهو كالتفكر والاستشارة، طريق لقطع الحيرة والتردد في مقام العمل، ويترتب على الفعل الموافق له ما كان يترتب عليه لو فعله عن فكر أو مشورة» [19] .
وأترك القارئ مع فصول هذا الكتاب ليقرأه قراءة واع منفتح الذهن، شاكراً للمؤلف الكريم جهده، راجياً له وللقارئ كل خير وتوفيق، والحمد لله رب العالمين.
حسن موسى الصفار
17 جمادى الأولى 1429هـ
22مايو 2008م