مقدمة «أخلاقنا ومهمة توحيد الأمة» للمهندس مراد غريبي
يثير هذا البحث القيِّم (أخلاقنا ومهمة توحيد الأمة) الذي قدمه الأخ الكريم المهندس مراد غريبي، للمؤتمر الذي أنعقد في المنامة عاصمة مملكة البحرين بتاريخ 5-6 ذو القعدة 1429هـ، تحت عنوان (أخلاقنا بين النظرية والسلوك) يثير مسألة في غاية الأهمية وهي دور الأخلاق في العلاقات الداخلية بين قوى الأمة وشرائحها المختلفة في اتجاهاتها المذهبية والسياسية.
إن واقع التنافر والصراع الذي تعيشه ساحة الأمة، على صعيد التنوع السياسي والمذهبي واقع مؤلم مرير، يدفع كل غيور على الدين، وكل حريص على مصلحة الأمة، إلى التفكير والعمل من أجل تجاوز هذا المأزق الخطير، ولتصل المجتمعات الإسلامية إلى حال الاستقرار، وإدارة الاختلافات الداخلية بروح حضارية خلاّقة، أسوة ببقية الأمم المتقدمة في العالم.
وقد اتجه أكثر المهتمين بمعالجة موضوع الخلافات الداخلية بين المذاهب والمدارس العقدية والفقهية، نحو منهج الجدل والحوار في مسائل الخلاف، ليدلي كل طرف بحجته وبرهانه على ما يذهب إليه، في مقابل الطرف الآخر.
وصرف كثير من علماء الأمة القسط الأكبر من أعمارهم وجهودهم في سبيل الانتصار لمذاهبهم ومدارسهم الكلامية والفقهية.
ولا تزال المحابر تمدّ أقلام الباحثين والكتاب في مجال الخلافات المذهبية، بعرض الأدلة والحجج، لتصويب هذه الجهة وتخطئة الجهة الأخرى.
ومع تطور وسائل الإعلام والاتصالات، اتسع المجال أكثر، وتكثفت جهود الحوار والجدل المذهبي عبر الفضائيات وعلى الشبكة العنكبوتية، حيث أنشئت مواقع متخصصة، وافتتحت غرف محادثات (بالتوك) معنية بالجدل والتبشير المذهبي.
ولا يمكن تجاهل العامل السياسي في إذكاء معارك الخلاف والجدل المذهبي، ولكن هل هذا هو ما تحتاجه الأمة؟ وإلى أين سيؤدي بنا هذا الصراع والجدل المحتدم؟
يرى البعض أن هذا الحوار والجدل ضروري ليتعرف كل طرف على ما عند الطرف الآخر، ولتتضح الحقائق، فيتبين ما يوافق الكتاب والسنة وما يخالفهما، فهما المرجع والحكم الذي يجب أن يخضع لهما الجميع، يقول تعالى: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾.
لكن القضية أعمق وأعقد من أن تنحصر في البعد العلمي، حتى نراهن على حلّها بالبحث والمناظرة والجدال.
فالمشكلة ليست في اختلاف الآراء، ولا في تعدد المذاهب والمدارس والاتجاهات، فتلك طبيعة بشرية لا يمكن تجاوزها، ولا ترفضها العقيدة والشريعة الإسلامية، بل تستوعبها وترشدها، حيث أقرّت حرية الرأي، وفتحت باب الاجتهاد، وشرّعت حق الاختلاف، فالمجتهد مأجور وإن أخطأ، ما دام طالباً للحق ملتزماً بضوابط الاجتهاد وقواعده.
لقد أقرّ رسول الله اختلاف الرأي والاجتهاد بين أصحابه، كما هو موقفه من اختلافهم في أداء صلاة العصر في غزوة بني قريظة، حين أمرهم بأن لا يصلي أحد منكم إلا في بني قريظة، فالتزم بعضهم بحرفية النص، وأخّر أداء الصلاة خارج الوقت حتى يصل، بينما بادر آخرون لأدائها في وقتها متأولين لأمر رسول الله ، فلم يعنّف رسول الله أحد الطرفين، ولم يغضبه اختلاف اجتهادهما.
واختلف الصحابة بعد رسول الله في مسائل عقدية وفقهية وسياسية، وتعددت الاتجاهات السياسية والفكرية في عهد الصحابة، ثم تكرست وتمظهرت أكثر في عهد التابعين، واستمرت حالة التنوع الفكري والفقهي والسياسي في تاريخ الأمة.
إنه ليس مطلوباً أن تتحد الآراء وتتوافق الأفكار في تفاصيل الشؤون الدينية والحياتية، فذلك أمر غير ممكن لتعارضه مع طبيعة البشر، وما منحهم الله تعالى من قدرة على التفكير، تنتج تنوعاً وتعدداً في الآراء، لتفاوت المستويات واختلاف البيئات، وتضارب المصالح.
لكن المشكلة تكمن في منهج التعامل مع الاختلاف، وأسلوب إدارته، وهنا يأتي دور المسالة الأخلاقية، التي تناولها بحث المهندس مراد غريبي حفظه الله.
إن الصراع والتنافر المذهبي بواقعه المرعب الخطير يكشف عن أزمة أخلاقية عميقة تعاني منها ساحة الأمة، ولا بدّ من وضع خريطة طريق، للعبور من مأزق هذه الأزمة.
خريطة الطريق هذه كما يراها الباحث، وأنا اتفق معه في ذلك، يجب أن تنبثق من وعي أخلاقي حضاري، نجد أُسسه ومعالمه في آيات الذكر الحكيم، وهدي السنة النبوية الشريفة، وتجارب عقلاء البشر.
وأدعو القارئ الكريم للتمعن في هذا البحث الجادّ الشيق، الذي يقدمه الأستاذ غريبي، جزاه الله خير الجزاء على ما بذل فيه من جهد، ووفقه الله تعالى للمزيد من العطاء في خدمة الدين والأمة، فما أحوج الساحة لأمثاله من الشباب الواعين المنفتحين، الذين يحملون هموم الأمة، ويعملون من أجل نهضتها وتقدمها.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
حسن الصفار
20 محرم 1430هـ
17 يناير 2009م