كيف نطرد الكسل من حياتنا؟
كيف نطرد الكسل من حياتنا؟
الحياةُ في حقيقتها وجوهرها حركةٌ ونشاط، فبمقدار ما يكون هناك نشاط وحركة تكون الحياة، أمَّا إذا انعدمت الحركة والنشاط فلن يكون هناك حياة. إنَّ الأطباء يراقبون الجنين في بطن أُمَّه ليرصدوا حركته، فإذا لم يجدوا حركةً شكّوا في حياة الجنين، ويرصد الأطباءُ أيضاً نبض قلب الإنسان فإذا توقف قلبهُ عن الحركة، حكموا بأنَّه قد فارق الحياة.
وبذلك فإن الحياة مستويات، كلما كان الإنسان أكثر حركةً ونشاطاً فإن نصيبه من الحياة أكبر، وكلما قل نشاطه وحركتُهُ كان نصيُبهُ من الحياةِ أقل. ونحن نجد أناساً أحياء إلا أنهم في الواقع يعيشون قليلاً من الحياة؛ لأنَّ نشاطهم وحركتهم محدودةٌ ضعيفةٌ. وكم من أناسٍ أحياء ظاهراً، هم في الحقيقة أموات لا حراك لهم ولا نشاط، ولهذا فإنَّ النصوص الشرعية تُركِّز على الحركة والنشاط والعمل وتُحفِّز الإنسان المؤمن بأنْ يملأ لحظات حياته بالعمل والحركة، ففي دعاء كميل نقرأ: (واجعل أوقاتي من الليل والنهار بذكرك معمورة وبخدمتك موصولة).
فالإنسان الواعي هو الذي يُمارس الحركة والنشاط، إلا أن بعض النفوس تُصابُ بمرضِ الكسل، وهو مرضٌ يجعل الإنسان أقلُ حركةً ونشاطاً، وبالتالي يُسرِع في خروجه من هذه الحياة شيئاً فشيئاً. والكسل مرضٌ خطير، وهو يعني: التّراخي وعدم الرغبةِ في النشاطِ والعمل، ويدعو صاحبه لأن يُقلِل من درجةِ حركتِهِ ونشاطِهِ.
وينتج هذا المرض مُضاعفاتٍ عديدة على كُلِّ المستويات:
كُلَّما قلت الحركة والنشاط شعر الإنسان بالفراغِ النفسي، وتسلل إليه الاكتئاب والسأم والملل، بينما النشاط يجعل الإنسان مُتفاعلاً مع الحياةِ مُستمتعاً بها. وغالباً ما تُهاجمُ الأمراضُ النفسيةِ الأشخاص الذين تَقِّل أعمالهُم ومسؤولياتهُم، ونجد بعض الموظفين نَشِطين فإذّا أصبحوا في مرحلةِ التقاعُد وعاشوا الفراغ، تسللت إليهم العقد والأمراض النفسية.
الإنسان الكسول نفسيتهُ تَفقُد التّفاعُل والإستمتاعُ بالحياة، بينما الإنسان الَنشِطْ تكون نفسهُ مُتفاعلةً، فهو مشغولٌ بأداءِ عمل، أو ينتظر نتيجةَ عمل.
مِن الواضحِ جداً أنَّ الحركة هي التي تحمي صحة الجسم، بينما الخمول والترهُّل يُسبب للإنسان الكثيرَ مِن الأمراض.
وفي هذا العصر وفرَت الحضارةَ الحديثة على الإنسان الجُهد إذْ أصبحت الأعمال التي كان يؤديها الإنسان بجُهدٍ عضلي كبير يؤديها بضغطةِ زر، فكل الأشياء أصبحت مُريحةً أمام الإنسان..
لذا على الإنسان أَنْ يبحث عن مجالاتٍ يتحرك من خلالها ولا يستسلم لِحالةِ الخُمول، لأنَّ الخُمولِ وضعف الحركة تُنتِجُ الكثيرَ مِن الأمراضِ الجسميةِ، فأمراضُ القلب والكولسترول والسكر والسمنَّة وما أشبه ذلك، كُلُّها تأتي مِن قِلَّةِ الحركة وضعفِها، لذلك أصبحت برامج الرياضة جزءاً لا يتجزأُ من حياةِ الإنسان المُهتم بصحتِه. بعكس ما كان عليه الإنسان في الماضي، حيث لم يكن هناك حاجةٍ إلى الرياضة لأنَّ الحياة بطبيعتها كانت تستلزم بذل الجهد وحرق الطاقة.
وكشف الدكتور عبد الرحمن مصيقر رئيس المركز العربي للتغذية على هامش ندوة علمية عن الصحة والغذاء عُقدت في جدة أمس وحضرها عديد من المهتمين، عن أن أكثر من 53 في المائة من الرجال في السعودية يعانون أسلوب حياة خاملة، و27 في المائة منهم يعيش جزئية بسيطة من الحياة، في حين أن 20 في المائة فقط هم ممن يتمتعون بحياة صحية من خلال القيام بعديد من الأنشطة الصحية التي تحافظ على مستوياتهم من اللياقة الصحية المثالية[1] .
كلما كان الإنسان أكثر نشاطاً وحركةً فإنّ موقعيته في الحياة تكون أكبر، اجتماعياً واقتصادياً، وفي مختلف المجالات، أما إذا انخفض مستوى النشاط والحركة تتقلص موقعيتَهُ؛ لأن الحركة فيها إنتاجٌ وعطاء بينما القعود والكسل فيه خُمولٌ وجمود،. ومن ناحية الآخرة واضحٌ جداً كيف أنَّ ثواب الله تعالى إنَّما يُنَال بالعمل، فالثوابُ لا يُنَال بالتمني، قال تعالى: ﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا﴾ [سورة الأنعام، الآية: 132]، وكلّ إنسان درجته في الدنيا وفي الجنة تكون بمقدارِ عملِهِ ونشاطهِ، لذلك على الإنسان أنْ يُطالِب نفسه بالمزيدِ ِمن الحركةِ والنشاط. صحيحٌ أنّ الإنسان بحاجةٍ إلى الراحةِ لكن الراحة الجسمية وسيلةٌ للعمل، فالإنسان يستريح حتى يستعيد نشاطه، وليس الراحة هدفاً بحدّ ذاتها، كما يظن البعض من الناس الذين يفهمون الراحة بشكلٍ خاطئ، فالراحة لا تعني أنْ يجلُس الإنسان مُترهلاً بلا عمل؟! هذه ليست راحة إنها العناء بعينه. والراحةُ الحقيقية ممارسةُ العمل والنشاط.
النشاطُ والحركة يحتاجانِ إلى ثقافةٍ دافعة، وإلى تربيةٍ تُعَدّ لهُ، وإلى بيئةٍ تدفعُ بإتجاهه، ونجد في هذا الصدد أن بعض الأفراد والمُجتمعات تسودُهَا ثقافةُ العمل والنشاط، لديها التشجيع على العمل، والحضُّ والتحفيز عليه، وعرض إنجازات العاملين، والتباهي والتنافس في العمل، وهذه ثقافةٌ دافعةٌ.
بينما نجد بعض المجتمعات، تفتقر لمثلُ هذه الثقافةُ. بل قد تسودها ثقافة تدعو للتقاعس والكسل، والفهم الخاطئ للراحة.
وهنا يأتي دور العائلة في تربية أبنائها على النشاطِ والحركة وليس على التراخي والكسل، فبعض العوائل وكنوع من التدليل والإراحةُ المُبالغ فيها للأولاد، فإنهم لا يُكلِّفون الولد بأيِّ شيءٍ في ترتيبِ حياته، وهذا خطاٌ تربوي كبير، وللبيئةِ دورٌ هامٌ، فإذا أصبح الإنسان ضمنَ فئةٍ أو مجموعةٍ غير مُبالية للعمل فإن العدوى ستنتقل إليه.
ومن أهم الأسباب والعادات التي تُنّمي حالة الكسل كثرةُ الأكلِ وخاصةً الأكلاتُ الدسِمّة، فإذا امتلأت المعدة نامت الفكرة، فكثرةُ النوم وكثرةُ الأكل والفهمُ الخطأ للراحة كلُّ هذه أمورٌ تُنمّي عند الإنسان حالة الكسلِ.
والنصوص الدينية تهتم كثيراً بالتحذير من الكسل، ففيما ورد عن الإمام الباقر : (الكسلُ يضرُّ بالدينِ والدُنّيا)[2] ، لا حظوا كيف أنَّ الإسلام يُربّي الإنسان على النشاط، حتى فيما يتعلّق باللسان، فهناك حثّ كبير بأن يُبقي الإنسان لسانه دائم الذكر لله تعالى. إضافةً إلى أن من أهم تجلّيات العبادات الواجبة والمستحبة أنْ يعيش الإنسان حالةً من الحركةِ والنشاطِ في البُعدِ الروحي.
واهتم الإسلام كذلك بالبعد المادي، بأن يتربّى الإنسان على النشاط والفاعلية في شؤون حياته، فعن الإمامُ الباقر قال: (إنِّي لأبغضُ الرجُّلَ يكونَ كسلاناً عن أمرِ دُنياهُ، ومن كان عن أمرِ دُنياهُ كسلاناَ فهو عن أمرِ آخرتِهِ أكسل)[3] .
وأميرُ المؤمنين علي بن أبي طالب يقول: (عليك بإدمانِ العملِ في النشاطِ والكسلِ)[4] ، وفي وصايا رسول الله لأميرِ المؤمنين : (يا علي ... إياكَ وخِصلتين: الضجَّرِ والكسل، فإنّك إنْ ضجرتَ لمْ تصبُر على حقٍ وإنْ كسلتَ لم تؤدِ حقاً)[5] ، ونحنُ نقرأ في الأدعيةِ ما يُوحي لنا بالتطلُّعِ لتجاوزِ هذه الحالة، ففي الدعاء عن رسول الله : (اللهُّم أمْنُنْ علينا بالنشاطِ وأعِذنا من الفشلِ والكسلِ والعجزِ والعِللِ والضررِ والضجّرِ والمَللِ)[6] .
فكُلّ لحظةٍ من اللحظاتِ تستطيع أنْ تبلُغَ بها مقاماً كبيراً عند الله تعالى، نسالُ الله أنْ يوفقنا وإياكُم لإستثمار حياتنا والاستفادةَ من لحظاتِ وجودِنا.
التهيؤ والاستعداد لشهر رمضان
قال أبو الصِّلْت الهَرَوِي دخلتُ على أبا الحسن علي بن موسى الرضا في آخرِ جُمعةِ مِنْ شهرِ شعبان فقال لي: (يا أبا الصِّلْت إنّ شعبانَ قد مضى أكثرُهُ وهذا آخرُ جُمعةٍ مِنه فتدارك فيما بقيَ مِنهُ تقصيرُك فيما مضى مِنهُ، وعليك بالإقبالِ على ما يعنيكَ وتركُ ما لا يعنيكْ وأكثِر من الدُعاءِ والإستغفارِ وتلاوةِ القُرآن وتُبْ إلى اللهِ من ذنوبِك ليقبِلْ شهرُ اللهِ إليك وأنت مُخلِصٌ لله عزّ وجّل، ولا تَدَعّنَّ أمانةً في عُنقِك إلاّ أديتها، ولا في قلبِك حِقْداً على مؤمنٍ إلاّ نزعتَهُ، ولا ذَنباً أنتَ مرتكبُه إلا قلعتَ عنه، واتقِ الله وتوكل عليه في سرِّ أمرُك وعلانيتُك، وأكثُر من أنْ تقول فيما بقي مِن هذا الشهر "اللّهُم إنْ لمْ تكُن قد غفرتَ لنا في ما مضى مِن شعبان فاغفِر لنا فيما بقيَ مِنهُ " فإنَّ اللهَ تباركَ وتعالى يعتقُ في هذا الشهرِ رِقاباً مِن النارِ لحُرمَةِ شهرِ رمضان)[7] .
من مظاهرِ الجديّةِ في شخصيةِ الإنسانِ وسلوكه الإعداد والتهيؤ لكلِّ أمرٍ قادم، وقد تكون هناك أمورٌ تأتي مفاجِئةً للإنسان، إلا أن القِسمَ الأكبر من الأمور متوقعة. فالإنسان الجادُ هو الذي يتهيأ لكُلِّ أمرٍ من الأمور، بينما الإنسان المُهمِل هو الذي يتوانى ويتغافل حتى يجد نفسه أمام الأمر دون استعداد.
والإسلام يُربّي الإنسان المؤمن على الاستعداد حتى للبرامج اليومية المعتادة كالصلاة مثلاً، فمن برامج الاستعداد استحباب محاكاة المؤذِّن بترديد الأذان معه، والتبكير للصلاة، وصلاة النوافل، ليقف الإنسان المسلم بعد ذلك بين يدي الله للصلاة الواجبة وهو متهيئ نفسياً.
فالتهيؤّ مسالةٌ مهمةٌ لكُلِّ عملٍ من الإعمال، حتى النوم ينبغي للإنسان أنْ يتهيأ له بالوضوء والأدعية والأذكار المأثورة عند النوم.
فعلى الإنسان أن يُربّي نفسه على الاستعداد لأي برنامج يُريد القيام به، سواءً كان برنامجاً عبادياً أو حياتياً.
وفي هذا السياق تأتينا الرواياتُ والأحاديث للاستعداد والتهيؤ لشهرِ رمضانِ المُبارك.
والسؤال المهم: كيف يستعد الإنسان لشهر رمضان المبارك؟ هنا أستعرض عدة أمور:
أولاً: استذكار فضلُ هذا الشهر وعظمته، بقراءة ما قاله رسول الله والأئمة في فضلِ هذا الشهرِ وقيمته، كقول رسول الله : (أيُّها الناس إنَّهُ قد أقبل عليكُم شهرُ الله بالبركةِ والرحمةِ والمغفِرة، شهرٌ هو عندُ اللهِ أفضلَ الشهور وأيامُهُ أفضلُ الأيامِ ولياليهِ أفضلُ الليالي وساعاتهُ أفضلُ الساعات، وهو شهرٌ قد دُعيتُم فيه إلى ضيافةِ الله وجُعلتُم من أهلِ كرامةِ الله)[8] .
ثانيا: إزالة الشوائب من النفس، كما أنَّ البيت يحتاجُ إلى كنسٍ، والثياب تحتاجُ إلى غسيل، نفسُك أيضاً تتعرض للغُبار والشوائب.
ثالثاً: التهيؤ العملي: وهو أنْ تخرج من حقوق الله وحقوق الناس، فعلى الإنسان أن يجعل إفطاره على رزقٍ وطعامٍ حلالٍ، فقد وردَ عن رسولِ الله : (كُلُوا الحلالَ يتمُّ لكم صومكم)[9] . والإنسانُ الذي لا يُخرِج حقوقَ الله من ماله لا يستطيع أنْ يدّعي أنّهُ قد أتقى الله وهو قد خالف أمراً أساسياً من أوامر الله، وورد عنه : (العبادةُ مع أكلِ الحرامِ كالبناءِ على الرملِ)[10] .
رابعاً: صوم آخر شعبان: حيث يُستحبُ للإنسانِ أنْ يصومَ بعضاً من شعبان، حتى يتهيأ لمجيء شهرِ رمضان فيكون مُتكيفاً من أولِ يومٍ يصومه في شهر رمضان.
خامساً: وضعُ برنامج لشهرِ رمضان: جميل أن يُخَطِطْ الإنسان مُسبقاً لاستثمار هذا الشهر، بوضع برنامج خاص، يتضمن تلاوةِ القُرآن، وأداءِ المُستحبّاتِ، وصلةِ الأرحامِ، والتعاونِ مع الناس وكسب الوعي والمعرفة.
نسألُ الله أنْ يُبلِّغنا وإياكُم لهذا الشهرِ الكريم وأنْ يوفقنا وإياكُم فيه لأداءِ الصيامَ والقيامَ والطاعات وأنْ يتقبل مِنّا ومِنكُم صالحُ الأعمالِ وأنْ يجعلَهُ شهر خيرٍ وبركةٍ على جميع المسلمين وأبناء البشرية.
والحمدلله رب العالمين.