نحو برنامج مميّز لشهر رمضان
كما يحتاج الجسم إلى رعاية صحية وإلى معالجة العلل والأسقام التي تعتريه,كذلك تحتاج الروح إلى رعاية وعناية, حتى لا تصيبها الأمراض والأسقام وكما أن الإنسان يهتم برعاية جسمه, ويهتم بمعالجة الأمراض التي تصيب جسمه,ويسعى باتجاه الجهات التي تقدم له العلاج حينما يصيبه أي سقم أو مرض فإن عليه أن يهتم بروحه كذلك, وقد أنزل الله تعالى القرآن الكريم, ليكون جهة يقصدها العباد لشفاء نفوسهم وأرواحهم, فالقرآن الكريم هو تلك الجهة التي توفر للإنسان الرعاية والوقاية والشفاء من الأمراض التي تصيب روحه وقلبه,ولهذا يؤكد القرآن الكريم في أكثر من آية على هذا الدور الهام للقرآن,أنه شفاء بالمعنى التام للشفاء أي زوال المرض المصاب به, القرآن شفاء ولكنه ليس موجها لأمراض الجسم, وهذا لا ينفي تبرك الإنسان بآيات القرآن الكريم, والتوسل بها ودعاء الله تعالى بفضلها حتى يمن عليه بالصحة والعافية لأمراض جسمه,ولكن يبقى الهدف الأساس للقرآن,أنه شفاء لأمراض الروح وأمراض القلب.
يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾ ويقول تعالى: ﴿وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين﴾ وفي آية ثالثة يقول تعالى: ﴿قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء﴾ فالقرآن شفاء لأمراض الروح لأمراض النفس وعلى الإنسان أن يقصد القرآن من أجل الاستشفاء.
يقول أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب فيما روي عنه: «وتعلموا القرآن فإنه أحسن الحديث وتفقهوا فيه فإنه ربيع القلوب واستشفعوا بنوره فإنه شفاء لما في الصدور»[1] وفي رواية عن الإمام الباقر «لكل شيء ربيع وربيع القرآن شهر رمضان» فحري بالمؤمن أن يستغل خيرات وبركات هذا الشهر المبارك.
الإقبال على القرآن تلاوة وتدبرا, فالإنسان المسلم في كل يوم ينبغي أن يكون في برنامجه تلاوة شيء من القرآن الكريم ففي رواية عن الإمام الصادق «القرآن عهد الله إلى خلقه وينبغي للإنسان أن ينظر كل يوم في عهد ربه إليه فلا يؤوب إلى فراشه إلا بعد أن يقرأ خمسين آية»[2] هذا في البرنامج اليومي, ولكن في شهر رمضان أجر تلاوة القرآن مضاعف, والاستفادة من مضامين القرآن فرصتها عظيمة,لذلك ورد عن رسول الله أنه قال: «من تلا فيه في آية كان كمن ختم القرآن في غيره من الشهور»[3] تلاوة آية واحده تعادل ثواب تلاوة القرآن كله في شهر رمضان المبارك, لذلك على الإنسان أن يهتم باستثمار هذه الفرصة والإقبال على القرآن الكريم في هذا الشهر الكريم.
أولا: أن يقرر الإنسان في هذا الشهر الكريم أن يقرأ في كل يوم جزءاً من القرآن, إذ القران الكريم مكون من ثلاثين جزءا وأيام شهر رمضان قد تكون ثلاثين يوما أو تسع وعشرين يوما, فليقرر الإنسان أنه في كل يوم يتلو جزءا من القرآن بحيث يختم القرآن كاملا في شهر رمضان, وإذا لم يكن قادرا أن يقرأ جزءا في وقت واحد فليقسمه, وكم يستغرق من الوقت؟ وإذا لم يقرأ الإنسان في هذا الشهر الكريم القرآن كاملا ففي أي شهر سيقوم بمثل هذا العمل؟ طبعا من الجيد لو كان ذلك مجرد تدريب وتمرين يستمر عليه الإنسان طوال السنة.
ثانيا: أن يحفظ الإنسان في كل يوم شيئا من القرآن, ولو سورة من السور القصار وكما ورد إن درجات الجنة بعدد آيات القرآن يقال للإنسان يوم القيامة اقرأ وارق.
ثالثا: التعرف على معاني آيات القرآن الكريم وهذا ليس عسيرا فالقرآن الكريم في معظمه واضح كما يقول تعالى: ﴿ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مذكر * هذا بيان للناس﴾ فإذا كانت هناك بعض الكلمات معناها غير واضح فأمام الإنسان تفاسير موجزة ميسرة في كتاب واحد على شكل حاشية على القرآن الكريم.
رابعا: تعلم التلاوة الصحيحة لمن استطاع فهناك برامج متوفرة ولجان قرآنية ناشطة, وكل إنسان يسعى بمقدار استطاعته.
خامسا: وهو الأهم أن يصوغ الإنسان نفسه وسلوكه صياغة قرآنية على ضوء آيات القرآن الكريم, فحينما يمر على آية يحاسب نفسه على ضوء تلك الآية الكريمة يتوقف عندها وإذا قرأنا آيات القران الكريم وسلوكنا يخالفها فإنه لا يبعد انطباق الحديث الشريف علينا «كم من قارئ القرآن والقرآن يلعنه»[4] إذا كنا نقرأ ونخالف ما نقرأ, فحينما يمر الإنسان على قوله تعالى: ﴿وليعفو وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم﴾ لنقف عند هذه الآية ونتأمل في علاقاتنا مع الآخرين الذين نرى أنهم أساؤوا إلينا ونرتب على ذلك موقفنا منهم, لنبادر إلى العفو الصفح, إن الله تعالى يخاطبنا في هذه الآية, وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم إننا بعفونا وتسامحنا عن المسيئين لنا فإن ذلك هو الذي يؤهلنا لاستحقاق عفو الله ومغفرته. وحينما يمر الإنسان على قوله تعالى ﴿وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين﴾ عليه أن يقف عندها وأن يحاسب نفسه هل ينفق؟ ولماذا لا أنفق ؟ولماذا أنا قليل الإنفاق على أعمال الخير؟ أخوفا على أن ينقص المال؟ إن الله سبحانه وتعالى قد تعهد لك في هذه الآية الكريمة بالخلف والتعويض ألا تثق بعهد الله, في العلاقات العائلية الأسرية حينما يمر الإنسان على قوله تعالى: ﴿فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه﴾ فعليه أن لا يمر عليها مرور الكرام وهكذا مختلف الآيات الكريمة.
سادساً: نشر ثقافة تعلم القرآن بدعم اللجان الموجودة في المنطقة والتي تهتم بنشر هذا الثقافة بتعليم أبناءنا وبناتنا تلاوة القرآن ومعاني القران ومعارف القرآن شهر رمضان المبارك هو أفضل فرصة للقيام بمثل هذا الدور نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا وإياكم للاستفادة من عطاء شهر رمضان وأن يجعله الله أن يهله الله تعالى علينا بالخير والبركة والمغفرة وأن يوفقنا وإياكم فيه لصالح الأعمال ومقبول الطاعات اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات.
جاء في الحديث عن رسول الله أنه قال: «لا يكونن شهر رمضان عندكم كغيره من الشهور فإن له عند الله حرمة وفضلا على سائر الشهور»[5] .
في هذا الشهر الكريم الذي جاءت الآيات والأحاديث والروايات في تبيان فضله وعظمته بما يفوق تصور الإنسان, علينا الاهتمام باستثمار فرص الخير والرحمة والمغفرة فيه.
فقد ورد عن رسول الله أنه قال لأصحابه لما حضر شهر رمضان: «سبحان الله ماذا تستقبلون وماذا يستقبلكم»[6] كما ورد في حديث آخر عنه ص «لو يعلم العبد مافي رمضان لود أن يكون رمضان السنة»[7] وفي حديث آخر عنه «شهر رمضان سيد الشهور»[8] وعنه «هو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره الإجابة والعتق من النار» وهذا الإمام الصادق يوصي ولده إذا دخل شهر رمضان قائلاً: «فأجهدوا أنفسكم فإن فيه تقسم الأرزاق وتكتب الآجال وفيه يكتب وفد الله الذين يفدون إليه وفيه ليلة العمل فيها خير من العمل في ألف شهر»[9] .
على الإنسان أن يضع له برنامجا مميزا لهذا الشهر المميز حتى لايكون كغيره من الشهور فليحرص الإنسان المؤمن بأن يكون له فيه برنامجان: على المستوى الفردي, وعلى المستوى العائلي, فعلى المستوى الفردي في هذا البرنامج:
أولا: تلاوة القرآن الكريم والدعاء والاستغفار يقول علي : «عليكم في شهر رمضان بكثرة الاستغفار والدعاء فأما الدعاء فيدفع به عنكم البلاء وأما الاستغفار فيمحي ذنوبكم»[10] ونحن بحمد الله لدينا كنوز روحية من الدعاء تركها أهل بيت النبوة وجدهم رسول الله كدعاء السحر وأدعية الأيام فكل لحظة من لحظات هذا الشهر وكل ساعة من ساعاته هناك دعاء من الأدعية فعلى الإنسان الاستفادة من ذلك.
ثانيا: المواظبة على صلاة الجماعة.
ثالثا: صلاة الليل والنوافل المستحبة فإذا كان الإنسان طوال السنة لديه مختلف الأشغال والأعمال فعليه خاصة في شهر رمضان المبارك أن يجعل له برنامجا لأداء النوافل المستحبة وأن يسعى بالمقدار الممكن لتعويد نفسه على هذه النوافل.
رابعا:الصدقة «فقد سئل رسول الله أي الصدقة أفضل قال: صدقة في رمضان»[11] فعلى الإنسان بذل ما يستطيع في هذا الشهر الكريم لمختلف الأعمال الخيرية من مساعدة للفقراء ودعم للنشاطات الاجتماعية.
خامسا: صلة الأرحام والتواصل الاجتماعي بأن يكون للإنسان برنامج يومي لزيارة أرحامه وتفقد أحوالهم.
سادسا: حضور مجالس الذكر والمعرفة ففيها من الفوائد الروحية والاجتماعية والثقافية الشئ الكثير.
وهناك برنامج على الصعيد العائلي بأشعار العائلة بميزة هذا الشهر على سائر الشهور, ليس بالجوانب المادية فقط, ولكن بالجوانب الروحية وهي الأهم وذلك بتدريب الأولاد على الصلاة والصيام والقراءة الجمعية للقرآن والدعاء.
والزيارات العائلية والاجتماعية وبأن تشارك العائلة كلها في زيارة للأرحام ولسائر أبناء المجتمع.