سماحة الشيخ يُحاضر في سبتية الموسى بالأحساء

مكتب الشيخ حسن الصفار
وسط جمهورٍ كبيرٍ ومتنوع، استضافت سبتية الموسى بالأحساء التي يرعاها العميد عبد العزيز الموسى سماحة الشيخ حسن الصفار، وذلك مساء يوم الجمعة الموافق 2 ربيع الآخر 1425هـ (22 مايو 2004م) في المحاضرة الختامية للسبتية لهذا الموسم (1424هـ - 1425هـ)، وكان عنوان المحاضرة: حقوق الإنسان في الإسلام.

وافتتح الأمسية العميد عبد العزيز الموسى مرحباً بسماحة الشيخ وبالحضور الذي وصفه بأنه غير متوقع لضخامة العدد، ثم ألقى كلمة الافتتاح الأستاذ عبد الله النادر، وبعده ألقى السيرة الذاتية لسماحة الشيخ الصفار الأستاذ يوسف التركي.
وألقى بعد ذلك سماحة الشيخ محاضرته القيمة، وإليك نصها:

تمهيد..


ذكروا في حياة الخليفة المعتضد العباسي والذي كانت خلافته في الفترة (279هـ – 289هـ)، قصةً فيها الكثير من العبر، وهي:

كان هناك رجلٌ في بغداد (عاصمة الخلافة العباسية) قد أدان ضابطاً كبيراً من الضباط الأتراك، حيث كان الجيش يُسيطر عليه الأتراك، مبلغاً كبيراً من المال، ولكن الضابط أنكر المبلغ الذي في ذمته للرجل، ورفض أن يُرجعه إليه. وكان الرجل في أمس الحاجة لماله، ورغم الوساطات والمحاولات لم يتمكن الرجل من استرجاع ماله من الضابط.
وفي يومٍ من الأيام تحدث عن مشكلته أما بعض الناس، فأشاروا عليه أن يمضِ إلى خياطٍ في السوق، ورغم تعجبه من الأمر إلا أنه مضى لذلك الخياط في محل خياطته البسيط، وحكى له مشكلته مع الضابط.
فقال له الخياط: لا عليك، الآن يأتيك الضابط معتذراً ويُعطيك حقّك.
فلم يُصدق الرجل الخبر.
فأمر الخياط أحد عمّاله بأن يمضِ إلى الضابط، ويقوله له: إن فلاناً الخياط يقول لك أقدم الآن ومعك المبلغ الذي في ذمتك لفلان، فهو في انتظارك في محل خياطته.
وبعد فترةٍ بسيطة أقبل الضابط مسرعاً معتذراً للرجل وأعطاه المال.
فتعجب الرجل، وسأل الخياط: من أنت وما مكانتك؟ هل أنت صهر الخليفة؟ أم أنك صاحب نفوذٍ في السلطة؟
قال الخياط: لا هذا ولا ذاك.
قال الرجل: إذن مَن أنت؟ وكيف لك بهذا التأثير على ضابطٍ كبيرٍ من ضباط الخليفة؟
قال الخياط: نعم هناك سببٌ أحكيه إليك:
في يومٍ من الأيام كنت نائماً في شرفة منزلي، المطلة على الشارع، وبينما أنا نائمٌ فإذا بي أسمع صياحاً في الشارع، فنظرت إلى الشارع وإذا بضابطٍ يمتطي فرسه، رأى امرأةً يظهر عليها ملامح الجمال، فطلب منها أن تركب معه.
فرفضت المرأة طلبه، وقالت له: أنا امرأة متزوجة وشريفة، وقد أقسم زوجي إن بت ليلةً خارج المنزل فإنه سيطلقني.
ولكن الضابط اختطفها عنوةً وغصباً.
يقول الخياط: فنزلت أنا وبعض الجيران نستعطفه ونطلب منه أن يترك المرأة، ولكن دون جدوى.
فعاد كلٌ منا إلى منزله. ولكني لم أستطع النوم، إذ كيف أنام وقد شهدت مظلمةً لإنسانٍ بريءٍ لا حول له ولا قوة. وبت أفكر في وسيلة أنقذ بها المرأة من بطش هذا الضابط. فخطرت في بالي فكرة: أنزل إلى المسجد وأؤذن فيسمع الضابط الأذان فيعتقد أن الليل قد انتهى، فيُطلق سراح المرأة.
فنزلت بسرعة إلى المسجد، وصعدت المئذنة وأذنت بأعلى صوتي.
وما أن انتهيت من الآذان، وإذا بمجموعة من الضباط اجتمعوا حولي غاضبين: كيف تؤذن في هذا الوقت؟ لقد أزعجت الخليفة، وإنه الآن يريدك؟ فأخذوني إلى الخليفة.
التفت الخليفة لي غاضباً، وقال: لماذا تؤذن الآن، ولم يحن وقت الأذان بعد؟ هل البلد فوضى؟ أليست هناك قوانين؟
فالتفت إليه، وقلت: يا أمير المؤمنين، لقد انتهكت القوانين، وانتهكت الأعراض، وأذاني ليس أول مخالفة، بل هناك ما هو أشد وأدهى.
فقال الخليفة: وماذا حصل.
فقصصت عليه ما قام به الضابط مع المرأة.
قال الخليفة: أو تعرف شكل الضابط.
فوصفت له شكل الضابط، وعرفه الضباط. فأمر بالقبض عليه فوراً، ولما اعترف بما فعل وشكته المرأة، أمر بقتله، وأطلق سراح المرأة.
ثم قال الخليفة لي: بارك الله فيك، وجزاك الله خيراً، وهذه علامةٌ بيني وبينك، إذا رأيت أية مظلمة ما عليك إلا أن تصعد المئذنة وتؤذن.
وإلى هذه اللحظة أي مشكلة يقوم بها أي ضابطٍ من الضباط أهدده إما أن يُصلح خطأه أو أصعد على المئذنة وأؤذن.

هذه القصة المعبرة كانت مدخلاً لحديث سماحة الشيخ حول حقوق الإنسان في الإسلام، وقد تحدث سماحته عن هذا الموضوع في بعدين:

أولاً- الشعور بالمسؤولية تجاه أية مظلمة تحصل في المجتمع.


إذ على الإنسان أن يتحمل مسؤوليته تجاه المظالم التي تحصل بين آونةٍ وأخرى، لا أن يبقى مكتوف اليد. ذلك لأن حقوق الإنسان مسألة عينية على كل فرد من أفراد المجتمع حسب قدرته وإمكانياته أن يعمل من أجل حماية حقوق الإنسان.
وحقوق الإنسان هي أهم وأقدس قضية يُمكن أن يدافع عنها أحدٌ من أبناء البشر، لأنها تمس جوهر إنسانية الإنسان، ولأنها تعني الحفاظ على المنح التي منحها الله تعالى للإنسان، كالكرامة كما يقول تعالى: ﴿ولقد كرمنا بني آدم.

ثانياً- مسؤوليتنا تجاه العمل من أجل حماية حقوق الإنسان.


هناك مسؤوليتان رئيسيتان:

المسؤولية الأولى: نشر الوعي بحقوق الإنسان.

إذ أن المشكلة الكبرى التي نواجهها هي جهل الإنسان –في الغالب- بحقوقه، لذلك نرى أن هناك منظمات كثيرة على مستوى العالم تعني بتعليم وتدريب ونشر ثقافة حقوق الإنسان.

وهل يحتاج الناس إلى من يُعلّمهم بحقوقهم؟ بلى! وخاصةً في مجتمعاتنا، وذلك لأن الناس –في الغالب- لا يقرؤون، بل لا يهتمون بمعرفة حقوقهم، فمن المهم أن يكون هناك نشرٌ لثقافة حقوق الإنسان.

وحقوق الإنسان التي نتحدث عنها لها أكثر من جانب:

1- الحقوق المرتبطة بعلاقة الإنسان بالقيادة السياسية في بلده.

2- الحقوق المرتبطة بعلاقة الإنسان بمجتمعه.

3- الحقوق المرتبطة بعلاقة الإنسان بعائلته.

في جميع هذه الجوانب ينبغي أن يكون هناك وعيٌ وثقافة بحقوق الإنسان.
إن كثيراً من المواطنين لم يقرؤوا عن أنظمة بلدهم، ولم يطلعوا على أنظمة الوزارات التي يتعاطون معها في حياتهم العملية، والبعض لم يطلع حتى على قوانين الشركة أو المؤسسة التي يعمل فيها، إضافةً إلى قوانين المرور، والمستشفيات.

فإذا كان المواطنون عارفين بالقوانين فإنهم يفوتون الفرصة على أي موظفٍ يُريد الانحراف على قوانين الدولة.

إضافةً لذلك هناك كثيرٌ من الطلاب يجهلون قوانين الجامعات التي يدرسون فيها، وقد يتعرضون لظلمٍ بسبب جهلهم هذا. وأيضاً في العلاقات الزوجية إذ يُقبل، في كثيرٍ من الأحيان، الزوج والزوجة على الزواج ولا يعلم كلٌ منها بحقوقه تجاه الآخر.

وتبرز للعيان رسالة الحقوق للإمام زين العابدين علي بن الحسين ، وهي من عيون التراث العربي والإسلامي، وهي رسالة ينبغي لكل فردٍ أن يتمعن فيها، ويتتلمذ عليها.

كما ينبغي أن تُنشر ثقافة الحقوق عبر وسائل التعليم، كما يوجد الآن في الكثير من دول العالم؛ وكذلك عبر المؤسسات الدينية. ومع الأسف هناك تقصيرٌ في هذا الجانب إلى حد أصبحت مسألة حقوق الإنسان مسألة غربية، وفي الواقع إذا كان الغرب قد أقر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان نتيجة نضالٍ وصراعٍ خلال قرونٍ من الزمن، فإن الإسلام من أول يومٍ جاء فيه جاء بوثيقة حقوق الإنسان الأشمل والأفضل.

المسؤولية الثانية: السعي والعمل من أجل حقوق الإنسان.

ويُمكن لنا أن نتصور انتهاكات حقوق الإنسان ضمن ثلاثة موارد:

المورد الأول: سلوكيات الناس في حياتهم الاجتماعية مع بعضهم البعض.

المورد الثاني- القصور في السياسات والأنظمة والقوانين.

فإذا كانت أنظمة الدولة تشكوا من قصورٍ تُشكل ثغرةً تنفذ منها انتهاكاتٌ لحقوق الإنسان، وهذا أمرٌ وارد فالكمال لله، وهنا ينبغي أن يسلك الواعون في المجتمع الوسائل والأطر المشروعة القائمة من أجل سد هذا القصور، وينبغي التعاون والتواصل مع الدولة من أجل معالجة هذا النقص القصور.

المورد الثالث- الممارسات الخاطئة من قبل بعض أجهزة الدولة.

إن جهاز الدولة الوظيفي جهازٌ كبير، والمؤسسات التابعة للدولة مؤسساتٌ كثيرة، ولا تستطيع الدولة أن تضبط تصرفات كل الموظفين والأجهزة بحيث تكون موافقةً للأنظمة والقوانين. هناك وسائل تعتمدها الدولة للضبط كهيئة الرقابة والتحقيق، ولكن مع ذلك، أثبتت الأوضاع على مستوى العالم بأنه لا توجد دولة تخلوا من الفساد، ومن سوء الاستفادة من المواقع والمناصب، وإن كان بدرجات متفاوتة، تبعاً لتفاوت الضمانات والوسائل والأساليب المتاحة في الدول.

وعلى المواطنين أن لا يسكتوا على ذلك، بل عليهم أن يتحملوا مسؤوليتهم في إيصال العلم إلى المسؤولين. إذ يفترض أنه ليس من مصلحة الحاكم أن تنحرف أجهزته عن القوانين، ولا أن يُسيء الموظفون العلاقة مع المواطنين، لأن ذلك يضر بوضع الحاكم.

وهنا تظهر بعض الإشكاليات، ومنها:

1- تسود عند بعض المواطنين فكرة سلبية وهي أن هذا الأمر لا يجدي نفعاً، ولو أن الدولة تريد إصلاح جهازها الوظيفي لفعلت. وهذه الفكرة فكرةٌ خاطئةٌ ومتخلفة، ونابعة من الكسل والتقاعس وضعف الثقة بالنفس. إن على الإنسان أن يكون شجاعاً في الدفاع عن حقه ضمن الأطر الصحيحة والأساليب المشروعة. فقد روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أنه قال: «لا يُنال الحق إلا بالجد»، وقال : «ما ضاع حقٌ خلفه مطالب».

وفي الواقع تحرك الإنسان للدفاع عن حقوقه هو تحركٌ لصالح الدولة، لأن انتهاك حقوق المواطنين يضر بالدولة. فيجب أن نتجاوز هذه الثقافة السلبية.

2- التعاون من أجل حقوق الإنسان، لأن حقوق الإنسان لم تعد مسألة فردية يقوم بها الأفراد، وإنما أصبحت تحتاج إلى مؤسسة وأطر وتعاون. وإن تأسيس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان بالمملكة نموذجٌ بارزٌ لهذا الجانب، فينبغي التعاون من أجل حماية الوطن من انتهاكات حقوق الإنسان.

وبعد ذلك فتح المجال للمداخلات، وكان من بين المداخلين: الأستاذ خليل الفزيع، الدكتور سعد الناجم، الدكتور نبيل محيش، المهندس عبد الله المقهوي، الشيخ عبد اللطيف النعيم عميد أسرة النعيم، الدكتور محمد الهرفي، الشيخ جواد الجاسم، الصحفي عبد الله قمبر، الشيخ موسى أبو خمسين.

كلمة الختام


وفي كلمة الختام لسماحة الشيخ الصفار شكر فيها جميع المداخلين على إضافاتهم النيرة، وأشار سماحته إلى ضرورة تعزيز روح الأمل والفاعلية وخصوصاً لدى الطبقة الشابة من الأبناء، فقد أصبح الأمل عندهم ضعيفاً ، وأصبحت الفاعلية مفقودة لديهم.
وكرر سماحة الشيخ شكره إلى راعي السبتية العميد عبد العزيز الموسى على هذه الدعوة الكريمة.

ثم تناول الجميع طعام العشاء.

وبإمكانك الاستماع للمحاضرة عبر الوصلة التالية:


media/ent_lucture/1425/14250402.asf