لسنا كذلك أيها السادة
أسوأ شيء هو أن تفعل الفعل أو تهيئ ظروفه ومقدماته ثم تتهم الآخرين به، وتبالغ في تقريعهم على غبائهم وسذاجتهم.
لقد وصفتنا بعض الجهات الصحية بأننا اتبعنا الجهل وانخدعنا بالإعلام الساذج الذي وصلنا عبر منتديات ليست ذات اختصاص، وقبلنا بكلامها واندفعنا لموقف سلبي من لقاح (H1N1).
الغريب أن بعض الأطباء (وليس كلهم) الذين تحركوا يروجون للقاح انفلونزا الخنازير (H1N1)، بدافع الحب والخدمة والعمل التطوعي لم تخل بعض ندواتهم ومحاضراتهم من تهكم واضح على العقول، ووصفها بأوصاف ليست محبذة.
أقول هذا محتفظا لهم بالشكر والتقدير على ما قدموه من بيان مهم لحقائق غابت عنا، ونحن حتى اللحظة أحوج ما نكون لها، وادعوهم للمزيد فثروتهم العلمية والمعرفية لا تقل من وجهة نظري عن أي مختص آخر تتاح له الفضائيات ويفتح أمامه الإعلام.
مزعج وركيك كان التحقيق الذي قرأته يوم الأربعاء 18/11/2009 في جريدة الرياض بعنوان (ثقافة القطيع.. ضعفاء الشخصية ساروا بجهلهم خلف محترفي الشائعات على النت)، أعوذ بالله من عقلية القطيع التي كرر ما يشبهها أكثر من مسؤول في وزارة الصحة.
1- أعتقد أن ثقافة الصمت التي تحلت بها وزارة الصحة بامتياز هي التي دفعت الناس لتتخذ هذا القرار الرافض للتعاطي مع اللقاح في كل المدارس والمؤسسات، وقد أشرت لذلك منذ خمسة أشهر في مقال بعنوان (أصبحنا بحمد الله 43) وكتبت (فبعض دول العالم أخذت موضوع الوباء بجد، فخصصت تحذيرات وتعليمات ومطويات، وعممت في مدارسها ولموظفيها العديد من التوصيات، وتحركت وزارات الصحة فيها على قاعدة القلق ومسابقة الزمن، لوصول الثقافة والمعلومة التوجيهية للمواطن قبل وصول المرض، وأعدت مراكز للاستقبال وحثت الناس على التوجه إليها حال الشعور ببعض الأعراض.
لكن وزارات الصحة في العالم العربي لا تزال في سبات عملي، تتحرك بالبركة، دون أن تفكر في الاستنفار التوعوي والتثقيفي حول المرض، فعالم الطلاب بعيد عن الموضوع تماما، والمحطات الفضائية لا تنشغل بالموضوع إلا بذكر إحصائيات المصابين في نشرات الأخبار، والصحف إيجابية لا تريد تعكير صفو استمتاع الناس، وإن شاء الله ما يصير إلا الخير)20/6/2009 جريدة (اليوم).
2- أما الميزة الثانية لوزارة الصحة والتي أنتجت ما يسميها البعض ثقافة القطيع فهو عدم الجدية التي لمسناها في مدارس أبنائنا وفلذات أكبادنا، فالمعقمات التي يتحدثون عنها هي مجرد كلام للإعلام، ولا وجود له في أغلب المدارس، وتأخير بدء الدراسة لمدة أسبوعين لبدء تنسيق تدريبي بين الصحة والتعليم، لم ينتج عنه في أغلب مدارسنا سوى أقل من حصة واحدة شرح فيها بعض المعلمين - جزاهم الله خيرا - تعليمات حول النظافة وطريقة غسل اليدين.
وبالمناسبة كنت عائدا بالطيران إلى مطار الدمام فقدمت لي كبقية المسافرين ورقة لتعبئة بعض البيانات حول انفلونزا الخنازير، وحين وصلنا لأرض المطار قدمت الورقة مع جواز السفر، فقال لي الموظف: (أنا أختم الجواز والورقة لا حاجة لي فيها)، وحين استفسرت منه أخبرني أن مجموعة من وزارة الصحة كانت هنا لكنهم ذهبوا، وليس من مسؤوليتي استلام أوراق الصحة، سألته هل ذهبوا الآن؟ أجاب منذ فترة سبقتكم رحلة طيران وهم ليسوا هنا، والآن الطائرة الثالثة هبطت بعدكم وهم غائبون.
3- لا بد من مراجعة حقيقية تكشف لنا السبب الكامن وراء بحث الناس عن معلومات واتخاذهم مواقف صحية بعيدا عن وزارة الصحة في بلادهم، ليصل الأمر إلى أن وزير الصحة يلقح فلذة كبده أمام الفضائيات ولا ينعكس لذلك أثر إيجابي في مزاج الناس.
فهل ضعف الثقة بسبب الشهادات الطبية التي يكتشف تزويرها بين الفينة والأخرى وهي بالمئات؟ أم بسبب الضعف في مستوى العلاج؟
لست أدري لكن البحث أجدى من اتهام عقول الناس.