عيد الحزن يا جدة
ككل عروس كانت تتمنى أن يأتي العيد عليها وهي في أبهى جمال وأحسن كمال، معافاة فرحة مختالة، تشعر بكبرياء يسترها الحياء، وكانت تنتظر المصفقين والمهنئين والمباركين بالعيد كعادة شواطئها وأسواقها في كل عام.
فرح القدر لها فباغتها بخيره وبركاته، ضمن قاعدة «وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ» فكانت كمية وافرة من الماء الطاهر(المطر) أرادت أن تكون علامة خير ومؤشر بركة بالعيد السعيد ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ﴾، لكن الأمر توقف على استعداد العبد لتلقي هذه النعمة التي لم تكن كثيرة مقارنة لما يهطل من الأمطار يوميا في الدول الفقيرة التي تستفيد من المطر دون ضرر.
العبد هنا ككيان وكمؤسسات وكدولة لم يهيئ نفسه لاستقبال هذه النعم بحجمها البسيط هذا، مع كل الإمكانات والقدرات المتاحة من خيرات هذا البلد، فالميزانيات ضخمة كالعادة، والأرقام هائلة، لكن الجيوب والمناقصات المكشوفة تفضل الاحتفاظ بأغلب الخير لعيالها وحساباتها البنكية.
صفعت العروس وعاشت حزنها فقد فقدت أكثر من 113 من ضيوفها وهي تبحث إلى الآن عن 11000 مفقود كان يفترض أن يشاركوها فرحتها، حسبما ورد في جريدة اليوم 13/12/1430، ولن يعوضها عن ذلك مال ولا إعلام ولا مقال يكتب هنا أو تنفيس للاحتقان يحصل هناك.
عزائي لكل أم ثكلى ولكل أب فقد فلذة من أفلاذ كبده، ولكل طفل سيتضور ألما وحزنا لقسوة الأيام المقبلة، عزائي لأهلي في جدة ومختلف أرجاء الوطن الحبيب فالمفقودون في بطون الأودية فقدوا قبل ذلك في الضمائر الميتة، ودعائي أن يكون وضعهم حيث هم ارحم من وضعهم حين كانوا يسرحون ويمرحون على تراب عروس البحر.
عزائي لكم أهلي وأبناء وطني في جدة بمصابكم الثاني لأنكم ستعانون كلاما غير مسؤول من بعض المسؤولين، الذين سيحملونكم تبعات كل ما حصل، فأنتم من سكن عشوائيا وانتم اخترتم بطون الأودية، وأنتم بنيتم في مجرى السيل دون رخصة، وأخيرا أنتم كنتم تصلون صلاة الاستسقاء طلبا لهطول المطر.
عزائي لكم ثالثا فربما لا يستقيل وزير، ولا يتغير أمين ولن يبرح مسؤول من موقعه، وستستمر الأيام ويهدأ ثوران الخواطر، ويتعب اللسان عن الحديث عمّا حصل، وستكون دموعكم بالليل هي وحدها الملجأ والأنيس بعد الله سبحانه وتعالى.
أتقدم هنا لأمراء المناطق وعلى رأسهم أمير الشرقية الأمير محمد بن فهد والأمير خالد الفيصل أمير الغربية بأن يسهلوا أمر إشراك المواطنين في الوقوف مع إخوانهم في جدة، فالشتاء قادم وحاجة الناس هناك للشعور بالمساندة من قبل المجتمع كله لا تقل عن حاجتهم للمال والمسكن.
إنني اعتقد أن كافة المواطنين حاضرون للمساهمة العينية والمادية من أجل أهلهم في جدة، فمصابهم مصابنا، وما حلّ بهم آلمنا، فنحن كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى، والوطن بحاجة في مثل هذه المآسي إلى مراكز أو جهات واضحة تعلن استعدادها لتوصيل المساعدات وشد أواصر الأخوة والإنسانية بين المواطنين.