بين التعقل والانفعال في المطالبة بالحقوق
ألقى سماحة الشيخ حسن موسى الصفار ظهر يوم الجمعة الموافق 8 ربيع الآخر 1425هـ كلمة عقب الصلاة كلمةً تحدث عن الأساليب المختلفة التي يتخذها الناس تجاه المطالبة بحقوقهم.وقد تخلل كلمته مجموعة من الأمثلة والنماذج من الواقع المعاصر. كما دعّم حديثه بمجموعةٍ من الأحاديث النبوية والروايات عن أهل البيت (عليهم السلام).
وفيما يلي تقريرٌ عن ما جاء في الخطاب:
مواقف الناس تجاه حقوقهم على أصنافٍ ثلاثة:
الصنف الأول: الساكتون عن حقوقهم، الذين يفوضون أمرهم إلى الله تعالى ويدعونه للأخذ بحقهم، ولكن الإرادة الإلهية ليست قائمة على التدخل في قضايا البشر مباشرةً، مع أن لله –جلّ وعلا- القدرة والإمكانية على ذلك وإنما جعل لهذا الكون وللحياة الاجتماعية سنناً وقوانيناً يسير الكون والحياة وفقها. ولو كان الأمر كذلك لكان هناك تدخل مباشرٌ من الله تعالى تجاه ما جرى على الأنبياء العظام والأولياء الصالحين طوال التاريخ.
وآخرون من هذا الصنف يتألمون ويتذمرون لسلب حقوقهم ويكتفون بهذا القدر ويرفعون الراية البيضاء أمام حقوقهم المسلوبة صغيرةً كانت أم كبيرة.
الصنف الثاني: الانفعاليون في المطالبة بحقوقهم، الذين يتصرفون بغضب وانفعال وباستخدام مختلف الوسائل والأساليب المتاحة لديهم في حالةٍ من الانفعال للوصول إلى حقهم.
وقد يصل هؤلاء إلى حقوقهم في بعض الأحيان، ولكن في الغالب لا يصلون إلى حقوقهم عبر هذا الأسلوب.
الصنف الثالث: المتعقلون في المطالبة بحقوقهم، الذين يستخدمون عقولهم ويفكرون في الكيفية الممكنة للوصول إلى الحق، ولا يسمحون لحالة الانفعال أن تغلب عليهم، وإنما مرجعهم الأساس إملاءات العقل عليهم.
ويلوح في الأفق كلمةً عصماء لأمير المؤمنين حيث يقول في كلمةٍ له من الكلمات القصار في نهج البلاغة: «لنا حق فإن أعطيناه وإلا ركبنا أعجاز الإبل وإن طال السُرى». وأعجاز الإبل: تعني ركوب الدابة كرديف. السُرى: السير في الليل.
ويقول شرّاح نهج البلاغة في معنى هذه الكلمة: إن لم نُعطى حقّنا فإننا لا نسكت عنه، وإنما نسعى من أجله ولو بأقل الإمكانات، وإن كنا ردفاء في ركوبنا وكان السير ليلاً وطويلاً، لكننا لا نتنازل عن حقنا وإنما نسعى من أجله.
مع أنه لبعض شرّاح نهج البلاغة رأيٌ آخر كالشريف الرضي (رحمة الله عليه) –جامع نهج البلاغة- يقول في شرحه لهذه الكلمة: وهذا القول من لطيف الكلام وفصيحه، ومعناه: أنا إن لم نُعطَ حقنا كنا أذلاء، وذلك أن الرديف يركب عجز البعير كالعبد الأسير ومَن يجري مجراهما . ولكن الشرح الأول يبدو هو الأوفق لنفسية أمير المؤمنين ، وبلحاظ الكلمات الأخرى له .
هناك شعوبٌ كثيرة في العالم تعتقد أن لها حقوقاً، ولكنهم لا يسكتون عن حقوقهم ويطالبون بها، ولكن وفق استراتيجية وخطةٍ وتفكيرٍ مدروس، بينما هناك شعوبٌ أخرى لا تجد أمامها إلا أحد خيارين: إما السكوت أو الانفعال. وفي بعض الأحيان ينقلب الحق فبدل أن يكون الحق لجهةٍ معينة يكون عليها، وكل ذلك بسبب استخدام الانفعال تجاه المطالبة بالحقوق.
من المؤسف أن المجتمعات العربية غالباً ما تسودها حالة الانفعال حتى على أبسط الأشياء، وكأنه لا يوجد أسلوبٌ لمعالجة الأمور والوصول إلى الحق إلا عبر الانفعال. وعاشت هذه المجتمعات عقوداً من الزمن حالة الانفعال والانفعال المضاد، بين الحكومات والشعوب، وبين الشعوب أنفسهم أيضاً.
فالمجتمعات العربية بحاجةٍ كبيرة إلى التعقل في مواجهة مشاكلها وقضاياها على مستوى العلاقات الاجتماعية الفردية وعلى مستوى الاجتماع السياسي.
ينبغي أن لا يكون هناك تنازلٌ من أي إنسانٍ عن حقه كفردٍ أو كمجتمع، ولكن لابد أن يكون هناك خطط متعقلة، واستراتيجية واعية، ومن ملامح ذلك:
أولاً- معرفة الحق المراد الوصول إليه.
أن يعرف الإنسان ماذا يُريد، ويبلور تصوره عن حقه، أمرٌ في غاية الأهمية للوصول إلى الحق، ولكن المشكلة أن كثيراً من الناس لا يعرفون ماذا يريدون وما هي حقوقهم.
ثانياً- وضع الخطط المناسبة للوصول إلى الحق.
ثالثاً- استقطاب أكبر قدر ممكن من الرأي العام.
ذلك لأن إقناع الرأي العام الداخلي إذا كان الحق فردياً، أو الرأي العالم العالمي إذا كان الحق عاماً يُساهم بشكلٍ كبيرٍ في إيصال صاحب الحق إلى حقه.
هناك رواية تنقل في عهد رسول الله أن رجلاً كان متضرراً من جاره وبعد محاولاتٍ عدة من أجل إصلاحه شكاه إلى رسول الله ، فأشار إليه الرسول بأن يُخرج أثاث منزله إلى خارج المنزل، وأخبر كل من يسألك بموضوع جارك. وبالفعل قام الرجل بنصيحة الرسول وأخرج أثاث منزله خارجاً وكل من سأله أخبره بعدم استقراره في المنزل بسبب إيذاء جاره، وبعد ساعة رأى الجار أن سمعته تشوّهت أمام الرأي العام، فجاء إلى الرجل وقال له: أدخل أثاث منزلك وأنا مستعدٌ لحل المشكلة التي بيننا، وبالفعل تجاوزا المشكلة.
من هنا ينبغي للإنسان كفرد أو كمجتمع أن يتحلى بالتعقل في المطالبة بالحق، وأن يكون له نفسٌ طويلٌ حتى يصل إلى حقه، لأن الحقوق لا تنال دائماً بالصِّدام والعراك والانفعال وإنما تنال بالتعقل.
وتخلل كلمة سماحة الشيخ مجموعة من النماذج المعاصرة في أسلوب المطالبة بالحق عند المجتمعات العربية وغيرها، مؤكداً سماحته أن المجتمعات العربية بحاجة ماسةً لأن ترتقي لمستوى الشعوب الأخرى في المطالبة بحقوقهم.
كما وجّه سماحة الشيخ خطابه إلى الطلاب بمناسبة دخولهم في الامتحانات النهائية داعياً إياهم أن لا يعيشوا حالة الانفعال في قاعة الامتحانات وإنما ينبغي أن يكون الطالب هادئاً ويستخدم عقله لأن ذلك يجعل الطالب أقدر على الأداء الجيد، ومما يساعده على ذلك المذاكرة والتحضير الجيد للامتحان.
وأشاد سماحة الشيخ في ختام كلمته بالعمليات الأخيرة التي قام بها المقاومون في فلسطين، حيث استطاع أحد المقاومين الفلسطينية تفجير دورية إسرائيلية، واعترفت إسرائيل بذلك، مؤكداً سماحته أن استهداف الجهات العسكرية يُعطي نتائج أكبر ويخدم القضية الفلسطينية أكثر من استهداف المدنيين، كما أن الرأي العالمي يتعاطف مع القضية إذا كانت بهذا الأسلوب.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمدٍ وآله الطاهرين.
بإمكانك الاستماع إلى الكلمة عبر الوصلة التالية:
http://www.saffar.org/media/ent_friday/1425/14250408.asf