بعوضة ومستهلك
ربما تبخرت آمال المواطنة التي رفعت دعوتها الأولى من نوعها في المملكة للحصول على مبلغ مالي، ضد فندق في جدة، إثر تعرضها للسعات بعوض أثناء إقامتها فيه.
البعوض الذي تناوب على جسدها وسبب لها بعض الاحمرار الذي بانت علاماته المتفرقة في بعض أنحاء جسمها، استدعى الكشف عليها من قبل طبيب الفندق، للتأكد من كون سبب الاحمرار يعود للسع البعوض.
"وفي حين عرض الفندق على المواطنة تعويضها بالإقامة في جناح بدلا من غرفتها، شريطة تنازلها عن الشكوى، رفضت المواطنة العرض، ووكلت محاميا للترافع عنها أمام القضاء، نظير الآلام الجسدية والنفسية التي لحقت بها جراء تلك اللسعات، بحسب صحيفة الدعوى" (جريدة عكاظ 15/3/2010).
لقد لفت انتباهي ذلك المبلغ الذي طلبه المحامي تعويضا من الفندق وهو خمسة ملايين ريال سعودي، وحين رأت المحكمة أن المبلغ كبير رفضت الدعوى، إلا أن المحامي احتج على رفض الدعوى وطلب رفع أوراقه إلى محكمة الاستئناف (التمييز).
سأنتقل من ثقافة هذه السيدة التي لم تفرط في شيء من حقوقها، وبين ثقافة الأغلبية منا التي نراها واضحة وجلية في خبر ساقته جريدة الوطن السعودية: "فبحضور لا يتجاوز 6 أشخاص وغياب شبه كامل للإعلام عقدت جمعية حماية المستهلك أول أمس ندوتها التعريفية في غرفة الشرقية التي تقام بمناسبة يوم المستهلك الخليجي بعنوان «أموالنا، حقوقنا»" (15/3/2010).
(وأشار الحمد إلى أن الندوة هدفها تعريف المستهلك بحقوقه فيما يخص التعاملات التجارية والقروض البنكية والشخصية بالإضافة إلى الخطوات والأنظمة الواجب اتباعها لضمان أيسر الطرق للحصول على أفضل الخدمات التجارية والنقدية من الجهات ذات العلاقة بفوائد ميسرة وشروط مبسطة) نفس المصدر.
مواطننا يا جمعية حماية المستهلك لا يريد أن يعرف كيف يحمي نفسه لا من البائعين ولا من غيرهم، ولا يريد معرفة شيء عن تعاملاته اليومية مع الباعة والبنوك والأسواق.
نفسية مواطننا طيبة وترابية، ويمكننا الاستشهاد بأمثلة وتطبيقات كثيرة. ربما هي بعيدة عن المستهلك وحماية المستهلك، لكنها قريبة من قضايانا اليومية، وعلى سبيل المثال في كل يوم نشاهد طوابير من الناس يوقفهم رجال المرور أو الشرطة بسب أخطاء أو مخالفات أو سرعة تتجاوز المسموح به، لكن الأغلب منا لا يعلم أن على رجل المرور أن يترجل من سيارته إلى سيارة المخالف ويتحدث معه مبتدئا بالسلام، الذي يحصل هو أن الواحد منا يهرول إلى سيارة الشرطة ورجل الشرطة جالس في سيارته.
والكثير منا لا يعلم أن القانون الذي تفرضه مديرة في مدرستها أو مدير في مدرسته ويحاول أن يلزم به الطلاب لا يجب على الطالب أن يلتزم به ما لم يكن قانونا عاما من الوزارة أو إدارتها المحلية.
قبل أسبوعين تقريبا خرجت عصرا بسيارتي وأنا أمر على الجسر الذي ينقلك من قلب القطيف إلى حي الشاطئ، وكانت السيارات متكدسة على الجسر، بسبب عودة الناس من أعمالهم، وحيث إن نهاية الجسر تتسع لأربعة مسارات، لم يترك رجال الشرطة إلا مسارين بسبب وقوف سياراتهم في طرفي الطريق.
خاطبت رجل الشرطة الذي (أعتقد) أنه استجاب حين التفت لما أقول: أتعلم أن وقوف السيارات بهذا العدد الهائل على الجسر يسبب خطرا على حياة الناس؟ إن الجسر ليس كالطريق العادي في تحمله للضغط والأثقال، وأقترح عليك إما نقل نقطة التفتيش للأمام، أو ترك كل المسارات مفتوحة كي لا تتكدس السيارات.
نحن كعادتنا لا نقرأ ورقة الضمان لأي جهاز نشتريه، ولا نأخذ الوقت الكافي لقراءة شروط البنك الذي نجمع أموالنا فيه، ولا ندخل على أي موقع حكومي لنا فيه معاملة ما، لنعرف ما لنا وما علينا، ومع كل الاحترام للقراء، فمهما كانت قصة البعوضة مضحكة، فإن صاحبة القصة تحرك فينا البحث عن كرامة أنفسنا حين نعرف ما لنا وما علينا.