حوار الوصول وحوارات المراوحة
المؤسسات الصغيرة إذا اشتركت مع بعضها في تبني المشاريع، والشركات الكبيرة إذا تعاونت فيما بينها في إنجاز مهام تجارية ومصالح بينية، فإنها تحتاج إلى لقاءات مطولة، تتدارس فيها تفاصيل الصفقة، وهواجس الأطراف المشاركة، وحدود المشاركة لكل جهة ومن ثم الالتزامات المستحقة لأطراف الجهد المشترك.
وعليه فليس غريبا إذا ما تحرك مجتمع للتعاون بين مكوناته أن يشهد مجموعة من الحوارات والنقاشات التي تحتاج نفسا طويلا، وجهدا متواصلا كي يتم التعاون بأمان وقناعة في تبني بلد برمته، واستنقاذه من مكاره لا تحمد عقباها.
لكن دعونا قبل كل شيء نقل انه ليست كل الحوارات تفضي إلى نتيجة، فبعضها ممل وبعضها سقيم وبعضها الآخر مضر.
هناك حوارات توصل لمشتركات ضرورية وأساسية بين المتحاورين وما يمثلون، وهناك حوارات المراوحة في المكان (مكانك سر ومكانك).
حوارات الوصول تتحرك للأمام ولا تجتر القديم، لأنها تمتلك قوة بنائية تمكنها من ترتيب القضايا بطريقة تراكمية.
حوارات الوصول هذه تقول ان هذا الجانب أو الهاجس أو الإشكال (لا مشاحة في الألفاظ) بحث في حوار ما، وكتاب ما وفضائية ما، وقيل ما قيل فيه وفي رده والإجابة عنه، فتسعى لحل عقدة جديدة تساعد في تقريب الهدف من اللقاءات والمحاورات، أو صعود درجة أخرى على سلم يرتقي بالجميع وصولا نحو الغايات العليا والنبيلة.
حينها يغادر الحوار بعض أزقته الضيقة التي راوح فيها وينطلق إلى الفضاء الرحب، ويكون طريقا للوصول وليس وحلا للمراوحة في المكان، وتكرارا لاسطوانات مشروخة ومملة.
كما أن حوار الوصول يعتبر ما اتفق عليه في حوارات سابقة بمثابة القاعدة التي يشيد فوقها، لأن الحوارات عادة تكون بين أقطاب لها ثقلها الاجتماعي ولها قاعدتها الجماهيرية.
لقد سبق حوار الشيخ البريك والشيخ الصفار على قناة دليل الفضائية 2/ابريل/2010 عدة حوارات، فحوار مع الصفار أجراه الدكتور عبد العزيز القاسم في الرسالة (ملحق لجريدة المدينة) في مكاشفاته التي لا تستر شيئا، وكان حوارا مطولا ومستفيضا عام 2005، وسبق حوارهما لقاء في فضائية العربية في برنامج إضاءات 7 /2 /2006، وآخر في نفس الفضائية (نقطة نظام) 4/مارس/2005 وحوار في موقع إيلاف21/نوفمبر/2003، ، وحوار بجريدة الوسط البحرينية 19/سبتمبر/2003، وحوار في فضائية الجزيرة (الشريعة والحياة) 11/يوليو/2004، وحوار بفضائية الوطن الكويتية 13/فبراير/2010 وحوار بجريدة عكاظ 1/ابريل/2010 وغيرها من الحوارات واللقاءات السابقة.
الآن وبعد أن انضم إلى ذلك الكم والكيف من الحوارات حوار قناة دليل الفضائية قبل أسبوعين، فلا بد من ركائز تؤسس على تلك الحوارات، وإلا أصبحت حوارات سأم ومراوحة وإعادة مملة لما سبق إليه آخرون من إشكالات وردود أصبحت لتكرارها تولد غثيانا عند المتلقي المتلهف والمنتظر للجديد.
ستكون الحوارات قليلة الجدوى أو معدومتها إن لم تؤسس قواعد اتفاقية تخدم الحوارات المستقبلية، لأنها كما أظن ستتحول إلى عبث يتسلى به المجتمع إلى حين ثم تتبخر، لتبدأ الحوارات الأخرى من نقطة الصفر وهكذا.
وأخيرا حوار الوصول يتطلب ذاكرة وبرامج بإمكانها نسخ الماضي من الأفكار والآراء التي تم تداولها، دون الحاجة إلى إعادة كتابتها والحديث فيها من جديد.
يشبه الأمر بعض أجهزة الهاتف النقال التي تملك الاستعداد لنقل كافة البيانات المتوفرة في النقال القديم دون الحاجة لصرف جهد جديد.
المطلوب من كل محاور أن يتحصل على الحوارات التي سبقته فيقرأها ويسمعها كي يتحرك ويتفكر ويتحدث في الجديد بعد أن ألم وهضم القديم، كما أن المطلوب من مديري الحوار في الفضائيات وعلى صفحات الجرائد والمجلات أن يجمعوا أكبر كم ممكن من الجهود التي سبقتهم فيجعلونها زادهم الذي يصطحبونه في مسيرهم، ويوفرونها لضيوفهم في الحوار لتكون الفائدة قيمة.