الشيخ الصفار يجرّم الاعتداءات الأمريكية على النجف ويُدين التمترس بالأماكن المقدسة
* مقاومة الاحتلال أمرٌ مشروع، ولكن التمترس بالأماكن المقدسة وتحويلها إلى ساحةٍ للحرب والصراع أمرٌ مدان.* أمر المرجعية الدينية بضرورة خروج كل أطراف العنف من النجف الأشرف كان يجب أن يُلتزم به وينفذ.
* الشيعة منزعجون وغاضبون على الأمريكيين والمتواطئين معهم بالدرجة الأولى، وعلى من أعطى الفرصة لهم لإدارة المعركة في المدينة المقدسة.
أدان سماحة الشيخ حسن موسى الصفار القوات الأمريكية والقوات الحليفة، فهي تتحمل القسط الأكبر من المسؤولية لما يجري من أحداث دامية في النجف الأشرف، واعتبر ما يجري فاجعة من الفجائع التي تعيشها الأمة الإسلامية في هذا العصر. وفي الوقت ذاته أدان التمترس بالأماكن المقدسة وتحويلها إلى ساحة للحرب والصراع. وأكد أن مقاومة الاحتلال الأمريكي أمرٌ مطلوب، ولكن الصحن الحيدري ليست الساحة التي ينبغي اختيارها للمقاومة. وأكد على الموقف الذي طالما طرحته المرجعية الدينية العليا في النجف، بضرورة خروج جميع المتقاتلين وأن لا تكون النجف ساحة للقتال، مضيفاً أن بعض الأطراف لا تصيغ سمعاً للمرجعية، مصرةً على مواقفها، وكانت النتيجة ما يحدث الآن. جاء ذلك في الكلمة التي أقاها الشيخ الصفار ظهر الجمعة 27 جمادى الآخرة 1425هـ (13 أغسطس 2004م).
تحدث الشيخ الصفار في بداية الكلمة عن غريزة الدفاع عن الذات وأن تعالى قد زوّد كل كائن حي بهذه الغريزة، وبإمكانات وقدرات معنوية هي العقل، ومادية هي أعضاء الجسد، وذلل له الإمكانات الموجودة في الكون، وجعل ذلك ساحةً مفتوحةً للجميع، من أجل أن يتمكن كل إنسانٍ فرداً كان أو مجتمعاً من أن يحمي وجوده ومصالحه. ولذلك يقول تعالى: ﴿وَلَوْ لا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ موضحاً أن الآية تؤكد أن هناك توازناً في القوى فليست هناك جهة واحدة تمتلك القوة والآخرون مجردون عنها، وإنما بإمكان أي جهةٍ أن تتسلح بالإمكانات والقوى للدفاع عن نفسها.
وأشار إلى معاني كلمات هذه الآية فقال: صوامع: هي أماكن العبادة عند المسيحيين، تبنى خارج المدن إذ ينعزل فيها بعض الرهبان للعبادة، بِيَع: هي الكنائس، أماكن العبادة لعامة المسيحيين، وتكون في المدن، صلوات: هي معابد اليهود، مساجد: هي أماكن العبادة للمسلمين. ويُجيب على سؤال: لماذا تُركز الآية الكريمة على أمكان العبادة؟ بقوله: لأن حرص الناس على أماكن العبادة وحمايتها عادةً ما يكون أكثر من أي مكانٍ آخر. وأضاف: أصل انشداد الإنسان إلى حالة روحية، دينية، له نصيبٌ من الاحترام والاهتمام، مبيناً أن الأحكام الفقهية تنص على عدم جواز الاعتداء على معابد أتباع الديانات الأخرى، مستنكراً على من يُجيز لنفسه الإساءة لمقدسات وأماكن عبادة أتباع الديانات أو المذاهب الأخرى، مؤكداً أن احترام هذه الأماكن احترامٌ لأصل التوجه الديني ولمشاعر الآخرين. «مستشهداً برواية تقول: إن رجلاً قال للإمام الصادق ، متحدثاً عن مساجد المخالفين لأهل البيت من بقية المسلمين: إني لأكره الصلاة في مساجدهم، فقال له الإمام : لا تكره - إلى أن قال : فأدّ فيها الفريضة والنوافل واقض ما فاتك.»
وتحدث الشيخ الصفار عن مكانة النجف الأشرف مؤكداً على أنه مكان مقدّس، وقداسته نابعة من أن فيه مرقد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، هذا الرجل الذي قد يختلف المسلمون حول مستوى وحجم مكانته، ولكن لا يختلفون حول فضله وأصل عظمة مكانته. وأضاف: إن للنجف تاريخاً علمياً، وأنها أسهمت بشكلٍ كبير في إثراء المعرفة والثقافة الإسلامية، والأدب الإسلامي، وأنها تحتضن لأكثر من ألف سنة حوزةً علميةً من أعرق الحوزات والمعاهد الدينية، وتمتاز عن بقية الحوزات والمعاهد الدينية باستقلاليتها، فلم تكن خاضعةً لأية حكومةٍ من الحكومات، ولا أي سلطةٍ من السطات. والنجف ترمز إلى المرجعية الدينية لأتباع أهل البيت في غالب الأدوار والمراحل الزمنية، إضافةً إلى وجود روايات عند الشيعة حول فضل منطقة النجف، ومنطقة الغري، ومسجد الكوفة.
وأضاف الشيخ الصفار: هذه المدينة المقدسة أصبحت في هذه الفترة مسرحاً لمشاهد الرعب والعنف والدمار والاعتداء على مقدساتها، فقد أصبح مقام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، والصحن الحيدري الشريف، ثكنةً عسكرية، معتبراً ذلك فاجعةً من الفجائع التي تعيشها الأمة الإسلامية في هذا العصر بأن تكون مقدّسات الأمة مستباحة ومنتهكة. وأكد أن قوات الاحتلال الأمريكي تتحمل القسط الأكبر من المسؤولية، باعتبارها قوات احتلال، وأنها تريد إخضاع كل القوى في العراق. فهي لا تريد لأي قوةٍ أخرى أن تكون شامخة وواضحة في العرق. ويُضيف إن الجهات الأخرى التي تريد مقاومة الأمريكيين وتتمترس بالأماكن المقدسة وتحولها إلى ساحة للحرب والصراع مدانةٌ أيضاً. مؤكداً في الوقت ذاته أن مقاومة الاحتلال حقٌ مشروع، بل يكون واجباً ضمن شروطه وضوابطه، ولكن النجف الأشرف ليست الساحة التي ينبغي اختيارها لإدارة المعركة مع الأمريكيين.
واستشهد الشيخ الصفار بموقف الإمام الحسين الذي رفض المقترحات الموجهة إليه بالبقاء في بيت الله الحرام والاحتماء به، مبيناً سبب ذلك بقوله لأخيه محمد بن الحنفية: يا أخي قد خفت أن يغتالني يزيد بن معاوية بالحرم فأكون الذي يستباح به حرمة هذا البيت. وقال لابن الزبير: لأن أقتل خارجاً منها بشبرين أحب إلي من أن أقتل خارجاً منها بشبر. وعلى العكس من ذلك كان موقف عبد الله بن الزبير الذي احتمى بالبيت الحرام فكان السبب في استباحة حرمة البيت، وقصف الكعبة المشرفة بالمنجنيق من قبل الحجاج بن يوسف الثقفي الذي جاء مع جيشه بأمر من عبد الملك بن مروان، ودارت المعركة في ساحة البيت الحرام، وقتل ابن الزبير في وسط البيت.
وعقّب الشيخ الصفار ذلك بقوله: على الإنسان المؤمن أن يحترم المقدسات بأن لا يُعطي الفرصة للأعداء لانتهاكها. مؤكداً على الموقف الذي طالما طرحته المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف، بضرورة خروج جميع المتقاتلين من جميع الأطراف، وأن لا تكون مدينة النجف ساحة للقتال، معبراً عن أسفه، لعدم إصغاء بعض الأطراف لكلام المرجعية الدينية، مصرةً على مواقفها، وكانت النتيجة ما يحدث الآن. وأضاف: قد تكون لهذه الجهات أهداف صحيحة شريفة، ولكن هذه الوسيلة خاطئة، لا يقبلها الشيعة، مؤكداً انزعاج الشيعة وغضبهم على الأمريكيين والمتواطئين معهم بالدرجة الأولى، وعلى من أعطى الفرصة لهم لإدارة المعركة في المدينة المقدسة، وأن أمر المرجعية الدينية بضرورة خروج كل أطراف العنف من النجف الأشرف كان يجب أن يُلتزم به وينفذ، ولكن: إنا لله وإنا إليه راجعون.
فسماحة الشيخ الصفار لا يبرئ ساحة الاحتلال الأمريكي، ولا القوات الحليفة، فهم مجرمون بعدوانهم السافر على كل العراق، وعلى المقدسات خاصة. ولكن في الوقت نفسه يدين الأطراف التي اختارت المدينة المقدسة حتى تكون ساحةً لمعاركها.