حرائق فيضانات انهيارات (فأنساهم أنفسهم)
منذ زمن وأنا أتوقف عند تلاوة الآية القرآنية الكريمة ﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ﴾ وكنت أرى حدودا بسيطة لدمار الإنسان لنفسه وقد نسي ربه بالمخدرات والخمور والانحرافات السلوكية الفردية الأخرى.
بيد أننا اليوم نشهد حالة تقرّب التصور للآية وبشكل واضح من تخريب الإنسان لعالمه وبيئته وحياته بشكل عبثي ومدمر لم يسبق له مثيل.
لم يعد الخطر الماثل اليوم هو خطر أنفلونزا الخنازير أو غيره من الفيروسات التي سعى الإنسان وبشكل علمي أو متخبط ومصلحي (أحيانا) لرسم صورتها كوباء مستغلا خوف الناس وبحثهم عن الصحة والأمان ليجني أرباحا وأموالا طائلة على حسابهم.
الوباء الماثل حاضرا هو وباء البشر الذي نسي ذكر ربه فأنساه الله نفسه، وانبرى يدمرها دون رحمة أو شفقة أو حب، مع أنها نفسه، التي لا يساوم على أمانها وسلامتها في وضعه الطبيعي، أما وقد نسي الله واتجه لعبادة أهوائه ومصالحه وشهواته دون قيد أو انضباط لتعاليم خالقه، فالنتيجة لا تحتاج خيالا واسعا، بل هي واقع نعايشه، وما سيأتي أمر وأدهى.
اختصرت آخر 150 عاما المتأخرة تغيرات مناخية كانت دون عبث الإنسان تستغرق ملايين السنين، وكما يقول العلماء إن أطماع البشر هي التي تحرك عجلة المناخ بهذه السرعة المذهلة.
وقد تسبب ذلك التدخل العابث في العديد من الكوارث المخيفة، ففي روسيا دمرت الحرائق التي غالباً ما تحدث جرّاء تفاعل مواد قابلة للاشتعال مع ارتفاع درجات الحرارة وهبوب الرياح أكثر من 668 ألف هكتار، وقد أعلنت روسيا إثر ذلك إيقاف تصدير القمح الذي سنلمس آثاره على الإنسان بعد حين في الكثير من مناطق العالم، ولولا سرعة الروس في إعلان حالة الطوارئ لنقل مركز إعادة معالجة النفايات النووية الذي كادت تحاصره النيران ربما كانت الكارثة أكبر من التصور. وأجبرت النيران الهائلة - التي شبت في غابة قريبة من ميناء لافريو- سلطات اليونان على إخلاء 3 مصايف.
وهناك 30000 إيطالي دفعهم ارتفاع درجات الحرارة بشكلها الجنوني إلى ملازمة الفراش وقد تكالبت عليهم الأمراض، كالحمّى والتهاب الحلق، والعديد من الأعراض والمشاكل في الجهازين التنفسي والهضمي.
أما باكستان القريبة فلم تكتف الفيضانات بـ1600 غريق، لأنها لا زالت يوميا تحصد بآثارها العديد من الفقراء البائسين، في حادثة قيل عنها انها أكثر ضررا من تسونامي كما أعلن الناطق باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة.
دول الخليج هي الأخرى ليست بعيدة عن تلك التأثيرات المناخية، فالخبراء يقولون ان الأمطار التي سقطت بغزارة في مناطق متفرقة من المملكة كجدة والرياض هي فركة أذن، وإشارة تحذير من الطبيعة، ولو لا قدر الله ارتفع موج البحر في الخليج العربي إلى 8 أمتار فإن دولا بكاملها ستكون مهددة بالغرق الكامل كقطر والإمارات والكويت وعمان. وبعد أن نقلت بعض ما كتب بقلم ربى أبو عمّو في جريدة الأخبار 11/08/2010 فسأنقل كذلك نصا يشير إلى آثار أخرى للاحتباس الحراري (فبحسب ناجي كوداي، مستشار السياسات المناخية في الـ«اندي آكت» (indyact)، وهي جمعية عالمية مستقلة، ترتبط حياة عدد من الحشرات والكائنات الحية بالاستقرار المناخي، وأيّ تغيّر يؤدي إلى اضطراب في حياتها، ولاحقاً إبادتها، حتى تفقد التربة من ينقل البذور إليها. والنتيجة اختلال في شبكة الطبيعة، ما سيؤثر على المحاصيل الزراعية وملايين الناس التي تعتاش من الزراعة. كذلك فإن ارتفاع حرارة مياه البحر بنسبة جزء في المئة، يؤدي إلى موت الأسماك أو هجرتها).
هذا هو واقع الإنسان اليوم وهو يدمر نفسه بجشعه وحبه للهيمنة الاقتصادية والتحكم، وإذا استمر في ما هو عليه من السير نحو هذا الدمار السريع والمنفلت فسنشهد الكثير من تناثر الجثث والضحايا لأسباب نتصورها متعددة من فيضانات وسيول وأعاصير وأمطار في غير مكانها وموسمها وحرائق وهزات، لكنها في حقيقة الأمر تعود لسبب واحد وهو عبث الإنسان الذي نسي ربه فأنساه نفسه، فقرر ليحترق ويسحق كل شيء وتبقى أطماعي وجشعي.