يا منير الدموع مظهر وعليك بالجوهر
ما أكثر الدموع التي تتهاطل من أعيننا في لحظات الخشوع والتذلل لله سبحانه وتعالى، حيث يكون الإنسان مستذكرا لتقصيره ولما اقترفته يداه وهو بين يدي خالقه يدعو ويتضرع.
أيام معدودة وستطل علينا العشر الأواخر من شهر الصيام، حيث يتجه المسلمون لإحيائها بالعبادة وخصوصا ليلة القدر ﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾ وستغص جميع المساجد بالمصلين بدءا من بيت الله الحرام إلى كل بقعة مسجدية على وجه المعمورة.
سنشاهد الخشوع والدموع على الفضائيات وسنرى الأجساد التي ترتعش من خوف الله سبحانه، وستذكرنا هذه المشاهد بملايين المسلمين الذين رأيناهم وحضرنا مع بعضهم في الأعوام السابقة في مشاهد شبيهة لهذا المشهد، الذي ندعو الله أن لا يطمس بل يزداد إشعاعا وضياء. أكثرت من الحديث مع ابني منير ذي الـ 15 عاما وأنا أقول له إن الملايين من المسلمين يحيون ليالي القدر كما تراها وتشاهدها وتحضر إحياءها سنويا، لكن أغلبهم ينفضون ثيابهم على عجلة من أمرهم ليعودوا إلى حياتهم الطبيعية وكأن شيئا لم يكن.
لو قرر 10% منهم أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر لتغير حالنا إلى أحسن حال، ولو قرر 10% منهم الانخراط في أعمال تطوعية لمجتمعاتهم لتغيرت صورة الكثير من المجتمعات، ولو قرر 10% منهم نصرة قضاياهم لم رأيت هذا الهوان في المسلمين، يا بني يمكن لنا ولهؤلاء انجاز الكثير ولكن حين تتحول الوقفة بين يدي الله إلى وقفة وعي ومسؤولية.
يا منير إن حالة الخشوع وما يصاحبها من تفاعل ودموع سلاح ذو حدين فلا تعوّد نفسك على الدموع التي تشعرك وكأنك تحللت من أخطائك السابقة وأن ذنوبك غفرت وأصبحت كيوم ولدتك أمك هكذا لأنك بكيت فقط.
يا بني احذر نشوة الفرح بالدموع التي توحي لك أنك أديت ما عليك أمام الله سبحانه وأمام خلقه، وأنت لم تنجز حقوق والديك عليك وحقوق إخوانك وأقاربك وجيرانك وغدا زوجك وأولادك.
ليس ثمن الجنة هو الدموع بل العمل في طاعة الله والكدح فيما أمر وأداء الواجبات وترك المحرمات، وأن تجعل نفسك وما تملك بين يدي الله ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾.
يا منير حين يبكي الإنسان يكون أقرب إلى ربه فاجعل دموعك دموع إقلاع عما يبعدك عنه بعد جفافها وانتهاء الابتهال والدعاء، فدموع الواحد منا هي غالبا حسرات على ما فرّط في جنب الله ﴿أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتى عَلَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ﴾.
واجعل دموعك دموع قرار بأن تكون حياتك قريبة مما يرضي الله، قرر في ليالي هذا الشهر الفضيل أن تتمحور حياتك حول تعاليمه وأن تصطبغ بهديه وإرشاده، فالدموع تجف ويتضاءل أثرها إن لم تتحول إلى قرارات ومسالك عمل.
يا بني لا يغرك مظهرك ولا مظهر أي أحد آخر – مهما كان - وابحث عن الجوهر، فهو واقع الإنسان الذي يتمثل في تعامله وقوله وتصرفاته، فالدين ليس في الدموع ومظاهر الخشوع، الدين يا بني في الشارع والدراسة والعمل والسوق والسياقة والأهل والعائلة، وحين السراء والضراء والرضا والغضب، هناك تعرف جواهر الناس وحقيقة إيمانهم.