المنابر وخطب الجمعة
«حث مفتي عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ الأئمة والخطباء على عدم الغلو في الخطبة واختيار الموضوعات المناسبة والمتنوعة والتطرق للحديث عن فضل يوم الجمعة وما يجب على المسلم فعله في هذا اليوم العظيم الذي ميز الله الأمة الإسلامية به» جريدة الوطن29/9/2010.
يوم الجمعة، صلاة الجمعة، خطبة الجمعة، معان جميلة في قلب الإنسان المؤمن، يجدد فيها روحيته ويذكر فيها ربه ويستغفره مما بدر منه.
والتعامل الذي أراده القرآن الكريم من الإنسان في يوم الجمعة، هو السعي والتفرغ لذكره عزّ وجل حين ينادي المنادي للصلاة، ويرتفع الأذان على منارات المساجد ﴿ فاسعوا إلى ذكر الله ﴾، وفي المقابل الإعراض عن كل شاغل يمنع أو يحد من ذلك الذكر وإن كان في أصله جائزا كالبيع والشراء ﴿ وذروا البيع ﴾.
يفترض أن يذكر يوم الجمعة وخطبه وأذكاره برب العباد، بعطاياه ومننه وتعاليمه ورزقه لعباده، وأن تذكر كل المنابر الدينية وفي كل مناسباتها الدينية بروح الدين وجوهره الذي قد يغيب لصالح حضور قشوره فقط.
من هنا يأتي التأكيد على ضرورة أن تركز خطب الجمعة ومنابر المناسبات الدينية على رسالة الدين، المملوءة بحب الناس وحب البشر وحثهم على القيم والتعاليم التي تؤكد في نفوسهم الصدق والأمانة وطهارة القلب ونظافة اللسان وغير ذلك من القيم والسلوكيات التي يحث عليها الشارع المقدس.
جهل الخطيب أحيانا بل دائما يلعب دوراً محورياً في قلب هذه الرسالة القيمية والإنسانية إلى رسالة كره وحقد وضغائن يثيرها بين أبناء المجتمع، ليجد له موقعا واسما، وليحقق لذاته رقما بين الأرقام، وكم رأينا مغمورين برزوا بإلقاء خطبة أو كلمة أو فتوى معتوهة وحافظوا على أسمائهم على صفحات الجرائد ونشرات الأخبار وكأنهم الدين وحماته دون منافس.
تتحرك خطب الجمعة أحيانا في سياقات ردة الفعل على أحداث حصلت هنا أو هناك وعلى مواقف وتصريحات وانفعالات طارئة وغريبة انبعثت من حاقد أو متحامل على الدين، لكن تلك الخطب والمنابر لا تبشر برؤية، ولا تساهم في صنع توجه حسن بقدر ما تشبع غرائز الحاضرين بالحنق والغيظ.
لك أيها القارئ الكريم أن تلحظ وجوه المصلين وهم يهمون بالدخول للجامع في أجمل ثيابهم وأكمل زينتهم، وأبهج لحظات حياتهم، فوجوههم باسمة وألسنتهم مشغولة بذكر الله، ولك أن تلمحهم وهم خارجون من الصلاة - حين يكون الخطيب من الصنف الذي نتحدث عنه - كيف يكونون واجمين هلعين حانقين وقد ضاق بهم كل فسيح جراء التهويل والتضخيم والانفعال الطائش.
أشير في الخاتمة إلى حالة من الإشباع الكاذبة التي قد تخالج ذهن الخطيب أو صاحب المنبر، بسبب الدور الذي يعتقد انه قد أداه على أحسن وجه وأكمل صورة حين تخرج جموع المصلين من بين يديه وهي في أقصى حالات التشنج والبغضاء للآخرين.
وعادة ما يكون الداعي لهذا الإشباع بالإضافة إلى الإحساس الداخلي المتولد من الانفعال والتوتر العالي، هو إرضاء الناس وجموع المصلين والإيحاء لهم أن صاحب القريحة الفذة قد أدى ما عليه بخطبته وشعاراته.
كم تحتاج منابرنا وخطبنا واحتفالاتنا الدينية إلى المزيد من النقاء والطهر والعقل المتزن والمتحدث الواعي الورع، كي تكون كل النداءات الدينية التي تتجه إلينا طريق خير وحياة لنا، كما في قوله تعالى: ﴿ واستجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ﴾، وتكون كل النداءات نداءات خير في كل صغيرة وكبيرة، فنذكر الله سبحانه في مناسباتنا وصلواتنا، وننسى الحقد والبغضاء ونرفض السعي لها، قال تعالى: ﴿ فاسعوا إلى ذكر الله ﴾.