قبل أن تحرم للحج
مع الحجيج وفي أشهر الحج، ولكن قبل أن تتوجه قوافل الحجاج قاصدة بيت الله الحرام، أحببت التوجه إلى كل من ينوي الحج، وقد أعد عدته وجهز أموره منتظرا ساعة الانطلاق لأكتب له بضع كلمات من القلب علها تجد طريقا سالكا إلى قلبه.
إن أول عمل عبادي ستقوم به في الحج هو الإحرام بما يعنيه من تجرد من اللباس الذي اعتدته وألفته، ولكن قبل أن تتجرد من لباسك، وتخرج من رباطك المادي الذي يمنعك من الوصول إلى هدفك، تجرد من العديد من القضايا قبل ذلك، وقبل أن تنهي علاقتك بملابسك وما يجرك إلى الأرض من ماديات عليك واجبات يجب أن تتجرد منها وأن تنهي علاقتك بها.
التجرد من اللباس ما هو إلا حالة رمزية يفترض أن تستبطن الكثير من المعاني التي ربما نغفلها أو نتغافلها، فهناك أصر وهناك أغلال وهناك فواتير كثيرة للمتخلف من السابق، وعلينا أن نسبق التجرد من اللباس بالتجرد من تلك الأغلال والقيود.
1. تخلص من الديون التي عليك إلى الله سبحانه وتعالى، حقوق الله المالية والمادية التي عليك من زكاة وحقوق شرعية وغير ذلك، تجرد منها وأنت على ثقة أنها لا تضيع عند الله، وأنها ليست من المال المعدوم بل من المال المدّخر لك.
هناك من يقول: أريد فقط تطهير المال الذي سأذهب به إلى الحج، أما باقي أموالي فسأرجئها إلى وقت آخر، ولست أدري كيف ضمن حياته لذلك الوقت الآخر؟ وكيف سيلبي الله بقوله «لا شريك لك لبيك» وهو يعصي الله ويحب المال؟ أوليس المال هنا شريكاً لله في الحب؟
وقد روي عن الباقر «من حج بمال حرام نودي عند التلبية: لا لبيك ولا سعديك».
2. تخلص من حقوق الناس المادية، ومن مطالبتهم لك بما في ذمتك لهم، فإذا كان أحد يطالبك بمال اقترضته منه، وكنت تماطله لفترة طويلة، وتتهرب من السداد، فبادر حتى تأتي إلى الله بروح خفيفة ليست مثقلة بحقوق الآخرين.
لا تكذب على نفسك وأنت تتمسك بأستار الكعبة طلبا للمغفرة في حين تتصرف وبكل جرأة في أموال الناس، وتماطل في ردها إليهم، لا تخدع وجدانك بدموعك في عرفة، في حين تدمع أعين الناس بسبب ضياع أموالهم التي تستحوذ عليها.
ثق دائما أيها الحاج أن الدموع الصادقة هي التي تؤثر الأثر الدائم، وإن الدموع التي تعلم تقصيرها وتصر عليه سيكون تأثيرها آنيا وموضعيا، واعلم أن الله سبحانه وتعالى يعلم بدموعنا من أي صنف هي، كيف لا وهو القائل ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾.
3. ابدأ في التخلص مما تخلف عليك من عبادات، من صيام وصلاة وواجبات أخرى، ولتبدأ المشوار المعنوي قبل المشوار الرمزي المادي حتى تصل البيت الحرام ولك كل القابلية على العبادة والتقرب من الله سبحانه وتعالى.
4. تجرد من حقوق الناس المعنوية، فلكل منا أخطاؤه على الآخرين، فأغلبنا إن لم يكن كلنا يغتاب ويحسد وقد ينال من كرامة الآخرين، فلتكن شجاعتنا في أخذ براءة الذمة منهم أكبر من تهورنا وجهلنا بالنيل منهم.
لنقرر أن نتجرد من السلوكيات التي ليست من لباس ديننا وقيمه ومبادئه، حتى نتجرد من ملابسنا حين الإحرام ونحن عازمون على تاريخ جديد أنصع وأطهر مما مضى، وحج مبرور وسعي مشكور وتجارة لن تبور إن شاء الله.