عيسى بن مريم الوجيه في الدنيا والآخرة
تقرأ في الخطبة الأولى:
ـ الاحتفاء بالأنبياء والإنشداد إلى سيرهم منهج قرآني.
ـ لماذا أطلق على نبي الله عيسى كلمة الله، واسم المسيح؟
ـ المسيحيون الذين يعيشون في دول عربية وإسلامية يجب أن يتمتعوا بحقوقهم الكاملة ولا يجوز الاعتداء عليهم.
ـ حينما تمر هذه المناسبة علينا أن نبادل أتباع هذه الديانة المشاعر الإيجابية.
ـ امتلاك الجاه، أمر مشروع وينبغي أن يطمح إليه الإنسان المؤمن.
وفي الخطبة الثانية:
ـ أكثر من ثلاثين آية في القرآن الكريم تتحدث عن ﴿العاقبة﴾ أي نتيجة الأمور.
ـ الرساليون تفكيرهم مستقبلي.
ـ في كل عام ذكرى عاشوراء تفرض نفسها أكثر على المجتمع البشري
ـ كل المحاولات والجهود التي صرفت في إضعاف مناسبة عاشوراء ذهبت هباء منثورًا.
ـ كيف لوسائل إعلام تحترم نفسها أن تتجاهل مناسبة عظيمة كعاشوراء؟
قال الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم وجيهًا في الدنيا والآخرة ومن المقربين * ويكلم الناس في المهد وكهلًا ومن الصالحين * قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر * قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرًا فإنما يقول له كن فيكون﴾.
الاحتفاء بالأنبياء والإنشداد إلى سيرهم منهج قرآني، فإن القرآن الكريم قد تحدث عن سير الأنبياء وحياتهم ودعى البشرية للاقتداء بهم والإنشداد إليهم، وفي سوره شواهد كثيرة. في هذه الأيام يحتفي المسيحيون ـ وهم يشكلون ثلث سكان المعمورة تقريبًا ـ بذكرى ولادة نبي الله عيسى بن مريم . نحن نختلف مع المسيحيين دينيًا لأننا نعتقد بلزوم الإيمان بنبوة خاتم الأنبياء محمد ، وأن رسالته هي آخر الرسالات، وأنه جاء مصدقًا للأنبياء والرسل السابقين، ونختلف معهم فيما حصل من تحريفات طالت الكتب المقدسة التي نؤمن بها في الأساس، ونستنكر ما وقع فيها من تحريف. لكن هذا الاختلاف لا يشرع لنا أن ننظر إلى احتفائهم بذكرى ولادة السيد المسيح بنظرة سلبية، بل نرى أنه احتفاء يجب أن يوظف في قراءة السيرة الصحيحة لنبي الله عيسى ، وفي الارتباط بالقيم المقدسة التي حملها وحملها جميع الأنبياء، وفي كتابنا المقدس، القرآن الكريم نجد حديثًا كبيرًا وكثيرًا عن نبي الله عيسى وعن ولادته ومنها هذه الآيات: ﴿إذا قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم﴾.
لماذا أطلق على المسيح عيسى بن مريم أنه كلمة؟
لأن وجوده ارتبط بكلمة من الله تعالى، ﴿كن فيكون﴾ وجوده لم يكن نتاج حالة طبيعية، بلقاء ذكر بأنثى، وإنما كان خارج هذا السياق المألوف بأمر من الله تعالى لذا أطلق عليه ﴿بكلمة منه﴾. ويحتمل أن يكون معنى ﴿كلمة﴾ هو المخلوق والموجود، كما في الآية الكريمة: ﴿قل لو كان البحر مدادًا لكلمات ربي﴾ يعني لمخلوقات ربي وموجوداته.
ولماذا أطلق عليه المسيح؟
إما لأن الله تعالى قد مسح عنه الإثم والرجس والدنس فهو معصوم، أو إشارة إلى معجزاته بأنه كان يمسح على المرضى مثل الأعمى والأكمه والأبرص فيطيبون بإذن الله تعالى.
ثم يصفه تعالى بأنه ﴿عيسى بن مريم﴾ ينسبه إلى أمه، لأنه ليس له أب، وتبشر الملائكة مريم بأن ابنها عيسى ﴿وجيهًا في الدنية والآخرة﴾ وبهذه المناسبة لنا كلمتان:
مهما اختلف أتباع الديانات الأخرى معنا في الدين، إلا أن ديننا يأمرنا باحترامهم ما لم يعتدوا علينا: ﴿لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين﴾ نختلف معهم ونرى أن ديننا الحق، ولكننا ندعو إلى ديننا بالحكمة والموعظة الحسنة، ولا نجبر عليه أحدًا، لأن الله تعالى يقول: ﴿لا إكراه في الدين﴾ هم أحرار ومحاسبون أمام الخالق كما سنحاسب نحن، وفي هذه الحياة يجب أن يكون هناك احترام متبادل، وبحث في المشتركات: ﴿قل يا أهل الكتب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم﴾، لقد عاش المسيحيون في ظل الحضارة الإسلامية، في حرية ورفاه واحترام في المجمل، رسول الله كان يعامل الآخرين بكل احترام، يحترمهم كبشر، يحترم حقوقهم الإنسانية، يدعوهم إلى الدين فإن لم يستجيبوا يتركهم واختيارهم، كما أمره الله تعالى. أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كذلك في حياته مشاهد ومواقف كثيرة تدل على احترام أتباع الديانات الأخرى، وتبيين حقوقهم الإنسانية المشروعة.
الآن في عالمنا الإسلامي يوجد مواطنون من المنتمين للمسيحية في السودان، ومصر، ولبنان، والعراق، وإيران، ودول إسلامية أخرى. هؤلاء المسيحيون يجب أن يتمتعوا بحقوقهم الكاملة حقوق المواطنة والإنسانية ولا يجوز الاعتداء عليهم، ولا الإساءة لهم ما داموا ملتزمين بحقوق الآخرين ولم يعتدوا. رأينا في الفترة الأخيرة كيف أن مواقف متشددة استهدفت المسيحين في العراق وهو أمر مدان ومرفوض، لكن هذه المواقف المتطرفة لم توفر أحدًا بل استهدفت الجميع، واعتدت على الجميع، والمسلمون الواعون يرفضون مثل هذه المواقف، ويرون أن المسيحيين في أي بلد عربي أو إسلامي هم جزء من أوطانهم لهم ما لبقية المواطنين من الحقوق، وعليهم ما عليهم من الواجبات. ونحن في المملكة العربية السعودية وإن لم يكن بيننا مواطنون مسيحيون فهناك وافدون وعمال، موجودون في بلادنا من أبتاع الديانات الأخرى، ويجب التعامل معهم باحترام، ولا يصح الإساءة إلى أحد منهم، هؤلاء أمانة عندنا، نحن نقرأ في الفقه الإسلامي مصطلح (أهل الذمة) فهم في ذمتنا، وسوف يحاسبنا الله تعالى على طريقة التعامل معهم، لذلك ينبغي للإنسان أن يؤدي إليهم حقوقهم، وخاصة إذا كانوا في وضعية ضعيفة كالخدم والسائقين، فهؤلاء يك
ونون تحت سلطة الإنسان وإدارته، فعلى الإنسان أن يتقي الله في التعامل معهم. إن ما نسمعه وتنشره الصحف من إساءات لبعض الخدم من مسلمين وغير مسلمين لهو أمر مشين معيب، لا ينبغي أن يحصل في مجتمع مسلم، لأنه يخالف قيم الإسلام، ويخالف الحقوق الإنسانية.
وحينما تمر هذه المناسبة علينا أن نبادل أتباع هذه الديانة المشاعر الإيجابية، كما أننا نفرح حينما يتفاعل الآخرون مع مناسباتنا، علينا أن نتفاعل مع مناسباتهم. الأشخاص الذين يتحفظون في تهنئة المسيحيين بعيد الميلاد، عندهم زيادة في التشدد والتحفظ، وإلا فليس هناك مانع أن نتفاعل مع الآخرين في مناسباتهم، وخاصة في مناسبة إيجابية هي ذكرى ولادة نبي من أنبياء الله العظام ومن أولي العزم، والاختلاف في تاريخ ولادته ليس أمرًا مهمًا فعند المسلمين اختلاف في تواريخ ولادات ووفيات أئمتهم وقادتهم.
الصفة الأخرى التي ذكرها الله تعالى لنبيه عيسى : ﴿وجيهًا في الدنيا والآخرة﴾، الله تعالى منحه الوجاهة في الدنيا كما منحه الوجاهة في الآخرة، وذكر هذه الصفة (الوجاهة في الدنيا) لنبي الله عيسى تدل على أهمية هذه الصفة، من المهم أن يكون الإنسان وجيهاً في الدنيا، كما يطمح أن يكون وجيهًا في الآخرة، ولكن لماذا ينبغي ذلك؟
الوجاهة أصلها امتلاك الجاه، بأن تكون للإنسان سمعة ومكانة عند الآخرين. ورد عن رسول الله أنه قال: «الجاه أحد الرفدين، والآخر المال».
والسؤال هنا: هل من السيئ أن يسعى الإنسان لكي يكون وجيهًا في مجتمعه؟ كلا، إنما يكون سيئًا إذا كان يستخدم الجاه في الطريق الخطأ، أما أصل امتلاك الجاه فهو أمر ينبغي أن يطمح إليه الإنسان المؤمن، لأن حياته تكون أصلح بذلك ويستطيع أن يخدم رسالته بوجاهته، تمامًا كما يستطيع أن يخدم بماله، ورد في الحديث: «نعم العون على الدين الغنى» المتدين الغني الذي يبذل ماله في نصرة الدين مكسب كبير، وكذلك المتدين الوجيه حينما يوظف وجاهته في خدمة دينه ومجتمعه فهو مكسب كبير أيضًا.
المجتمع الذي يكون فيه عدد أكبر من الوجهاء والبارزين يكون مجتمعًا أقوى وأكثر احترامًا في محيطه، بشرط أن يوظف هذا الجاه في خدمة المجتمع، ورد عن رسول الله : «إن الله تعالى ليسأل العبد في جاهه كما يسأله في ماله، فيقول يا عبدي رزقتك جاهًا فهل أعنت به مظلومًا أو أغثت به ملهوفًا» فالجاه مصدر قوة في حياة الإنسان وحياة المجتمع، وعلى كل إنسان يستطيع أن يجعل من نفسه شخصية بارزة عليه أن لا يزهد في ذلك، والوسائل الآن متاحة، بالعلم، بالثروة، بالملكات والقدرات، بالسعي والعمل وحسن العلاقة مع الآخرين، وعلى الإنسان أن يسلك الطرق المناسبة لكي يكون شخصية بارزة في مجتمعه، لماذا تقبل أن تكون نكرة؟ فكر في أن تكون لك شخصية، لتكن مؤلفًا، فنانًا، ثريًا، عالمًا. امتلاك الجاه أمر مفيد، ولا ينبغي الزهد فيه، وعلى المجمتمع أن يشجع هذه الحالة لأن هذا ضمن رصيد المجتمع ومصلحة المجتمع.
حالة سلبية ومرضية تلك التي يكسر فيها المجتمع رموزه وشخصياته البارزة فيه، أو يحبط من يسعى بهذا الاتجاه، الصحيح هو التشجيع على أن يسلك هذا الطريق بالوسائل المشروعة، وأن توظف المكانة والجاه لمصلحة المجتمع، هذا ما نستنتجه من وصف الله تعالى لنبيه عيسى . بأنه وجيه في الدنيا والآخرة، وبالفعل فهو كذلك وجاهته في الدنيا واضحة، فالمنتسبون إليه هم الأكثر, والديانة المنسوبة إليه هي الأولى من حيث عدد الأتباع، كما أنه وجيه في الآخرة لأن له شفاعة ومكانة عند الله.
نسأل الله أن يشملنا بشفاعة أنبيائه وأوليائه وصالح المؤمنين.
قال الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿فاصبر إن العاقبة للمتقين﴾.
الإنسان العاقل لا يقدم على عمل إلا ويتوخى منه نتيجة، وكلما كان العمل مستلزمًا لجهد أكبر تكون النتيجة المتوخاة أكبر وأعظم. لكن النتائج تختلف في نظر الناس، فهناك من يتوخى نتائج عاجلة، وهناك من له بعد نظر فيرى النتائج الآجلة وليس العاجلة فقط. عادة ما تكون الأعمال القليلة نتائجها عاجلة، أما الأعمال الضخمة عادة ما تكون نتائجها آجلة، وبعبارة أخرى فإن النتائج والإستهدافات كلما كانت أكبر وأعظم احتاجت إلى جهد أكبر ومدى زمني أكبر. القرآن الكريم دائمًا يركز على مسألة العاقبة أي النتيجة، أكثر من ثلاثين آية تتحدث بهذا اللفظ ﴿العاقبة﴾ كقوله تعالى: ﴿والعاقبة للمتقين﴾ ، ﴿فانظر كيف كان عاقبة المجرمين﴾، ﴿اولئك لهم عقبى الدار * وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار﴾ قد يقوم الإنسان بعمل ولا تكون له نتائج سريعة، أو تكون نتائجه السريعة سيئة أو جيدة، لكن هذا ليس هو المقياس. المقياس هو المستقبل؟ ماذا ستكون نتائج هذا العمل في المستقبل؟ الأعمال الشهوانية قد تكون لها لذة ولكن ماذا عما بعد؟ أمير المؤمنين علي يقول عن مثل هذه الأعمال: «تزول اللذة وتبقى التبعة».
الأنبياء والأئمة كانت لهم استهدفات عظيمة هي تغيير المجتمعات البشرية حتى تسير في الخط المستقيم، مسألة التغيير في المجتمعات البشرية عادة ما لا تظهر نتائجها سريعًا بل تأخذ مدى طويلًا، من هنا فإن الأنبياء والأولياء كانوا يتحركون ببعد نظر، وما كانوا يستعجلون النتائج، ولا يتوخون النتائج العاجلة، لأن الوحي كان يؤكد عليهم دائمًا بالصبر، كما في الآية الكريمة: ﴿فاصبر إن العاقبة للمتقين﴾ لا تستعجل النتائج المهم أنك تسير في الطريق الصحيح أنك تحمل رسالة وتؤدي دورك وواجبك، متى ستكون النتائج وكيف؟ هذا ليس من مهمتك، هو أمر موكول إلى الله، ولهذا كان الأنبياء يتحركون ويواجهون البلاء بعزيمة، يبدون في لحظة من اللحظات وكأنهم انهزموا وانكسروا وكأن الباطل قد ساد وهيمن، ولكن في أعماق نفوسهم يعلمون أن النصر سيكون لهم، وأن النتيجة ستكون لصالحهم، لأنهم ينظرون بعين الله وبنظرة مستقبلية، وهذا ما نرى أنموذجه واضحًا في ثورة الإمام الحسين . من كان معاصرًا للإمام الحسين وأمام المقاييس الظاهرية يرى بأن الحسين مهزوم لا محالة، ولذا نصحوه بأن لا يخرج، كيف يمكن مواجهة جيش مدجج بالسلاح وقوة عاتية، بنفر قليل من الأصحاب؟ المعادلة المادية كانت واضحة، والإمام الحسين كان مدركًا لهذا الأمر، لذلك لم يكن يتحدث عن نصر مادي، وما كان يطلب الأنصار حتى يشاركوه غنائم النصر، وإنما كان يطلب منهم أن يشاركوه شرف الشهادة ففي خطبته بمكة المكرمة قبل خروجه قال: «ألا ومن كان باذلًا فينا مهجته، موطنًا على لقاء الله نفسه فليرحل معنا» وفي رسالته التي كتبها إلى بني هاشم: «من لحق بي منكم استشهد، ومن لم يلحق لم يدرك الفتح» يعتبر شهادته فتحًا لأنه كان ينظر نظرة مستقبلية، كان ينظر إلى القرون المقبلة، وهذه هي التربية الإلهية، كان ينظر إلى النتائج في الآخرة، ومن أدعيته في اليوم العاشر من المحرم وبعد أن قتل معظم أصحابه وأهل بيته قال: «اللهم إن كنت حبست عنا النصر في الدنيا فاجعلها لنا ذخرًا في الآخرة».
النتائج لا تقتصر على الدنيا، بل ما في الآخرة هو الأهم. العقيلة زينب حينما سألها بن زياد: كيف رأيت صنع الله بأخيك والعتاة المردة من أهل بيتك؟ قالت: «والله ما رأيت إلا جميلًا هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاج وتخاصم فانظر لمن الفلج يومئذ ثكلتك أمك يا ابن مرجانة».
الرساليون تفكيرهم مستقبلي. ونحن الآن نرى كيف أن نتائج ثورة الحسين تتجلى وتتضح زمنًا بعد آخر، وقرنا بعد آخر، في كل عام نرى أن هذه الذكرى تفرض نفسها أكثر على المجتمع البشري، رأينا التفاعل ضمن دائرة المجتمع الشيعي الذي عانى في كثير من الأزمنة والبلدان من الضغوط والحصار، ومن محاولات صرفه عن مبادئه بمختلف الوسائل والأساليب، لكننا نرى أن التفاعل داخل هذا المجتمع مع ذكرى الحسين في تقدم.
كم يسر الإنسان ويفرح أن يرى هذه المواكب والحشود من الشباب، قد يكون من الطبيعي أن تجد كبار السن يلتزمون بهذه المناسبة، لكن هؤلاء الشباب تراهم في بلادنا وسائر البلدان يأتون بحشود ضخمة وهم يحتفون بذكرى الحسين إذًا كل المحاولات والجهود التي صرفت في إضعاف هذا المبدأ ومحاصرة هذا التوجه، والضغط على أتباع أهل البيت ذهبت هباء منثورا. هاهم الناس وهم يعلنون ولاءهم لأهل البيت والحسين ، وما هذا التفاعل إلا دلالة كبيرة على أهم آثار ثورة الحسين إنها ربط الناس بالدين والتزامهم بالولاء لأهل البيت . في مختلف البلدان نرى هذا التفاعل يزداد عامًا بعد عام، كثرة المجالس والشعائر والإطعام والاهتمام، كل سنة أوسع من السنة التي سبقتها والحمد لله.
لأن الحسين إمام للأمة وابن بنت رسول الله فينبغي أن يكون موضع اهتمام المسلمين. في الماضي حاولت بعض الجهات أن تجعل هذه المناسبة وكأنها تشكل حاجزًا بين المسلمين، حالة انغلاق عند الشيعة عن بقية المسلمين، لكننا أصبحنا نرى أن عاشوراء أصبحت مناسبة للانفتاح، وللتواصل لكي يتجلى أمام جميع المسلمين قيمة هذه الثورة المباركة ودور أهل البيت . ينبغي أن نهتم بهذا الجانب، وأن نحتفي بما حصل من أيجابيات في هذه المناسبة، نشيد بما قام به رئيس الوزراء التركي «رجب طيب اردوغان» حيث أتى مشاركًا في مناسبة عاشوراء مع أن الشيعة لا يتجاوز عددهم ثلاثة إلى أربعة ملايين في تركيا، لكنه قدر مشاعر مواطنيه، وأبدى اهتمامه بمناسبتهم باعتبارها مناسبة إسلامية وألقى كلمة في مهرجان عاشوراء.
الرئيس الأفغاني شارك في مجلس عزاء، وشخصيات إسلامية من مختلف البلدان تبدي اهتمامها بهذه المناسبة، من يتابع الفضائيات لاشك أنه سمع كثيرًا من العلماء من أهل السنة والدعاة والكتاب يتحدثون بإيجاب عن هذه المناسبة العظيمة. بدأت المناسبة تأخذ الوجه الإسلامي الصحيح وهذه هي حقيقة الأمر، فهي ليست مناسبة شيعية تخص الشيعة، وإنما هي قضية ينبغي أن يهتم بها المسلمون جميعًا.
هناك مؤشرات إيجابية على هذا الصعيد لابد لنا أن نقدرها في بلادنا بعض أصحاب الشركات العاملة في المنطقة مراعاة منهم لمشاعر أبناء المنطقة وأيضًا اهتمامًا منهم بهذه المناسبة أعطوا للعمال والموظفين إجازة في يوم عاشوراء وبعض مؤسسات أخواننا أهل السنة في المنطقة في اليوم العاشر أغلقت أبوابها وعلقت لافتة تعزي أهل المنطقة وهذا شيء ايجابي.
بعض أخواننا أهل السنة من مناطق مختلفة من الرياض وجدة والقصيم وغيرها، يأتون ليعيشوا معنا هذه المناسبة عبر (لجنة التواصل الوطني) التي تأسست منذ سنوات وفي كل عام تدعو بعض الشخصيات ومن لهم مكانة كمثقفين ونشطاء وأدباء ودعاة، وبعضهم حينما يعود يكتب انطباعاته الايجابية وينشر ذلك في الصحف والإنترنت.
هذه مواقف ايجابية ينبغي أن نحتفي بها وأن نحمد الله على تحققها، وأن ننظر بإيجابية إلى الأمور. في كثير من الأحيان الناس تستقطبهم الأشياء السلبية فيضجون إذا كتب مقال ضد عاشوراء، أو ضد الشيعة، وهذا حقهم، لكن في المقابل ينبغي أن نشكر من يكتب بإيجابية، حتى لا تصور الأمور في أذهاننا أنها سوداء قاتمة، علينا أن نرسم الصورة كما هي وأن نبرز الجانب الإيجابي أكثر.
وأخيرا نحن نرى تفاعلا على المستوى العالمي، وكالات الأنباء ووسائل الإعلام، والفضائيات لا تكاد تجد واحدة منها لم تشر إلى مناسبة عاشوراء، بعض بلادنا العربية والإسلامية ضمن قاعدة (عمك اصمخ) كأنه ليس هناك حدث مهم، ومناسبة عظيمة يتحرك فيها الملايين من الناس وهم يغضون الطرف عنها، كيف لوسائل إعلام تحترم نفسها أن تتجاهل مناسبة عظيمة كهذه؟ بالتأكيد ذلك بسبب سياسات معينة تفرض عليها، وإلا فان أي وسيلة إعلامية تترك وحرفيتها الإعلامية لا يمكن أن تتجاهل هذه المناسبة، لكن السياسات الطائفية والتجاهلية للآخرين هي التي تجعل بعض وسائل الإعلام في بعض بلادنا العربية والإسلامية تتجاهل هذه المناسبة العظيمة، نحن لا نريد منهم أن يتحدثوا لنا عن هذه المناسبة، إنما من أجلهم، واحترامًا لأنفسهم وحرفيتهم المهنية.
نسأل الله تعالى أن يوفقنا للاهتمام بهذه المناسبة والمناسبات الدينية والسير على نهج أهل البيت .
«الخطبة الأولى: عيسى ابن مريم الوجيه في الدنيا والآخرة»
«الخطبة الثانية: شمس الحسين تزداد إشراقاً»