تسلل الشيطان إلى عمل الخير
قال الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم * إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون﴾.
القرآن كتاب الله المجيد، وقراءته عبادة عظيمة، حيث يُندب للمسلم قراءته كل يوم، وكما في بعض الروايات خمسين آية كل يوم على الاقل.
عن أبي عبد الله الصادق قال: «القرآن عهد الله إلى خلقه فقد ينبغي للمرء المسلم ان ينظر في عهده وان يقرأ منه في كل يوم خمسين آية».
ولأن قراءته عمل عبادي فعلى الإنسان أن يتحصّن أثناء قراءته بالله عز وجل، ولذا جاء استحباب أن يتعوذ الإنسان من الشيطان الرجيم كما ورد عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله كان إذا قرأ القرآن قال: ﴿أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم﴾. والآية الكريمة أمر بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم عند قراءة القرآن.
من هذه المقدمة نمضي إلى فكرة أوسع وهي أن يأخذ الإنسان حذره حينما يقدم على فعل الخير، لأن هناك أخطارًا تحيط به بمجرد أن ينوي فعل الخير، لصرفه عنه أو لإفساد عمل الخير وإخراجه عن مساره الصحيح. لذا على الإنسان أن يستحضر ما يوجب الخلل في أي عمل يقوم به، وأن يتنبه أن هناك شيطانًا يتربص به الدوائر، ولا يريد له الخير أبدًا. قد يتصور البعض أنه طالما كان يعمل الخير فهو في مأمن من الخطر، بينما الواقع بالعكس، وكثير من النصوص القرآنية وروايات النبي وأهل بيته تدل على أن الإنسان يحتاج إلى حصانة أكبر حينما ينخرط في عمل الخير، لأنه مستهدف من قبل الشيطان الرجيم، وما دام في أجواء الخير والتقرب إلى الله تعالى فهو عدوه الدود ولن يتركه وشأنه، جاء عن الإمام الصادق : «إن الشياطين أكثر على المؤمنين من الزنابير على اللحم» وعن الإمام الباقر : «إذا مات المؤمن خلى على جيرانه من الشياطين عدد ربيعة ومضر كانوا مشتغلين به». وجاء عن الإمام الصادق : «لقد نصب إبليس حبائله في دار الغرور فما يقصد فيها إلا أولياءنا» ونقرأ في مناجاة الإمام زين العابدين : «إلهي أشكو إليك عدوًا يضلني وشيطانًا يغويني قد ملأ بالوسواس صدري، وأحاطت هواجسه بقلبي، يعاضد لي الهوى، ويزين لي حب الدنيا، ويحول بيني وبين الطاعة والزلفى».
تتجلى مكائد الشيطان للمؤمن في عمل الخير في عدة أمور من أهمها:
الأول: تشويه الإخلاص في العمل. حيث يتوجه الإنسان لفعل الخير قاصدًا وجه الله تعالى والتقرب إليه، ولكن الشيطان لا يعجبه هذا فيسعى كي يوجه هذه النية الصالحة إلى أغراض أخرى، وهذا ما يطلق عليه الرياء. الرياء آفة كل عمل صالح، جاء عن رسول الله : «إن الملك ليصعد بعمل العبد مبتهجًا به، فإذا صعد بحسناته يقول الله عز وجل اجعلوها في سجين إنه ليس إياي أراد به».
ينقل أن شخصاً ظريفاً مرّ على قوم يبنون مسجدًا فسألهم ماذا تعملون؟ قالوا نبني مسجدًا. قال: لمن؟ قالوا لله تعالى. قال لهم: فاحرصوا أن يكون لله وحده.
ثم جاء بعد فترة ورأى البناء قد اكتمل فكتب عليه عبارة تشير إلى أنه من بنى المسجد، وحين رأى القوم ذلك أنكروا فعله، ووبخوه: كيف تجرؤ على أن تكتب أسمك عليه ولم تعمل فيه شيئًا؟ قال: سبحان الله! إن كنتم بنيتموه خالصًا لوجه الله تعالى فما يضركم أكتب اسمكم أو اسمي؟ فالله يعلم أنكم من بنيتموه وأجركم محروز عنده. وأما إذا كنتم قد بنيتموه للناس ليمدحوكم فذاك شأن آخر وأنا أعتذر إليكم.
ولا نريد من خلال هذه القصة أن نشرّع لأي أحد أن يسرق أعمال الآخرين، لكنها مجرد ظريفة للتذكير والاعتبار.
والسؤال هنا إذا عمل الإنسان خيرًا يقصد به وجه الله تعالى، ومدحه الناس عليه فهل يكون قد أفسد عمله بالرياء؟
زرارة وجّه مثل هذا السؤال إلى الإمام الباقر عن الرجل يعمل الشيء من الخير، فيراه إنسان فيسره ذلك. فقال الإمام : «لا بأس، ما من أحد إلا ويحب أن يظهر له في الناس الخير، إذا لم يكن صنع ذلك لذلك». ولكن يجب الحذر حتى لا يكون مدح الناس هو الدافع لعمل الخير, وانما الدافع هو ابتغاء وجه الله تعالى. جاء عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يقول: «للمرائي أربع علامات: يكسل إذا كان وحده، وينشط إذا كان في الناس، ويزيد في العمل إذا أثني عليه، وينقص منه إذا لم يثن عليه». فالرياء مؤشر من مكائد الشيطان للإنسان، وعلى الإنسان أن يكون حذرًا منه.
الثاني: عدم استثمار العبادة وعمل الخير في تعزيز التقوى والقرب من الله تعالى, وإصلاح سلوك الإنسان العام, فتكون العبادة وعمل الخير مجرد عمل روتيني طقوسي دون توجه لأهداف العبادة والطاعة.
الثالث: الغلو في العمل الديني. حينما شرّع الله تعالى العبادات، وضع لها ضوابط وحدوداً فلا تقبل الزيادة ولا النقص. صلاة الصبح ركعتان ومن رأى أنه في نشاط ورام أن يصليها أربع لم تقبل منه. وغسل الوجه واليدين في الوضوء يجب مرة واحدة ويستحب ثانية ويبطل إذا غسل مرة ثالثة. الطواف الواجب سبعة أشوط ومن جعله أقل أو أكثر لم يقبل منه. مطلوب من الإنسان أن يتعبد الله تعالى بما شرع الله سبحانه وتعالى وليس كما يريد هو، فهذا من مكائد الشيطان. ان الله تعالى ينهى عن الغلو في الدين ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ﴾.
الرابع: الإساءة إلى الآخرين في عمل الخير والعبادات. هناك أمور واجبة وهناك مستحبات، وكلها يحب الله تعالى من عبده أن يتقرب له بها، ولكن ليس على حساب الآخرين، وليعلم من يقع في ذلك أنه قد وقع في شِراك الشيطان وحبائله. فعلى سبيل المثال يستحب للرجل أن يجنح يديه في السجود، ولكنه إذا صلى جماعة وكان في ذلك مزاحمة لمن بجانبه سقط الاستحباب. ويستحب للصائم أن يؤخر إفطاره بعد الصلاة، ولكن إذا كان هناك من ينتظره للإفطار سقط الاستحباب. من يأتي لصلاة الجماعة أو لمجلس العزاء ويوقف سيارته في طريق الغير بحيث يعطل حركتهم فليعلم أنه وقع في فخ الشيطان. ومن يقيم مجلساً دينياً فيرفع صوت المكبرات المزعجة للجيران فهو ينحرف بعمل الخير عن مساره الصحيح ويناله الإثم بدل الثواب. ومن يريد أن يعمل الخير لمجتمعه ويرى غيره أيضًا يسعى لخدمة المجتمع فيزعجه ذلك لأنه يريد أن يكون الأوحد والأبرز في المجتمع فيسعى لإفساد أعمالهم، فهو أيضًا قد وقع في فخ الشيطان.
على الإنسان المؤمن أن يكون يقظًا لأن الشيطان يريد أن يصرفه عن عمل الخير، وأن يفرغ العمل الخيري من محتواه. الآية الكريمة تتحدث عن الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم عند قراءة القرآن، وفيها توجيه للإنسان بأن يستعيذ من الشيطان الرجيم في كل عمل خير يقوم به، (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) لا تفسر القرآن حسب هواك، ولا تقرأه من أجل أن يمدحك الناس، ولا تأخذك الميول والتعصب في تفسير القرآن الكريم، وهكذا في كل أعمال الخير ينبغي أن يكون الإنسان يقظًا حذرًا.