الاحترام والإكرام خلق حضاري
ورد عن رسول الله أنه قال: «من أكرم أخاه المسلم بكلمة يلطفه بها، ومجلس يكرمه، لم يزل في ظل من الله تعالى ممدود عليه بالرحمة ما كان في ذلك»[1] .
كما يحتاج جسم الإنسان لبيئة صحيّة يأمن من خلالها الأمراض والأسقام، وتساعد أجهزته وأعضاءه للقيام بدورها السليم، كذلك تحتاج نفسه إلى بيئة اجتماعية سليمة، من أجل أن تكون مشاعره وأحاسيسه سوية وفي المسار الإيجابي. وكما أن للميكروبات والجراثيم أثرًا سيئًا على جسم الإنسان، فكذلك للأجواء الاجتماعية السلبية أثر سيء على نفس الإنسان، بخلاف الأجواء الإيجابية والتي تنعكس عليه بالراحة والرضا وتدفعه للسلوك المستقيم.
من أهم الأمور التي يحتاجها الإنسان في بيئته الاجتماعية هو احترام الآخرين له. إذا كان الناس يتبادلون الاحترام، فإن نفوسهم تكون مرتاحة، ومشاعرهم وأحاسيسهم تكون سوية، وإذا ما فقدوا الاحترام فيما بينهم، تكون النفوس معرضة لاضطرابات تدفع إلى ردود فعل سلبية، وسلوك عدائي تجاه بعضهم بعضا. من هنا تسعى المجتمعات الراقية إلى المحافظة على أجواء الاحترام داخل محيطها، ونجد في تعاليم الإسلام ما يؤكد على هذا الجانب. فالذين تعيش معهم بشر مثلك، وكما أنك تود أن تُحترم وتُقدر، فهم أيضًا يودون ذلك. وكما تنزعج أنت من أي إساءة وإهانة، فالآخرون كذلك. بالإضافة إلى أن تعاملك الحسن مع من يعيش معك يعزز هذا السلوك في المجتمع فتضمن أن يتعامل الناس معك ومع عائلتك تعاملًا حسنًا.
النصوص الدينية الواردة في هذا الجانب كثيرة منها ما ورد عن النبي قوله: «أذل الناس من أهان الناس»[2] . من يسيء للآخرين يكشف عن نفسية غير سوية بخلاف من يحترم الناس. الإسلام يؤدب المسلم على أن يتعامل مع الآخرين بالاحترام مهما اختلفت مواقعهم وألوانهم وتوجهاتهم. حتى الصغار فإن الإسلام أولاهم عناية فائقة، ووضع لهم حضًا وافرًا من الاحترام، فلا ينبغي الإساءة للصغير أو إهانته، كان رسول الله يبدأ الأطفال بالسلام، ويوجه أصحابه لاحترام الأطفال، ولذلك تجد أن الطفل في بيوت الأئمة ينادى بالكنية، فلا يكتفى بالاسم المجرد فقط (يا فلان) بل يقال له يا (أبا فلان) حتى يشعر بقيمته ومكانته. بينما تجد في بعض المجتمعات حتى اسم الطفل المجرد يشحون به عليه فيغيرونه إلى ما يشعره بالنقص. هذه حالة متخلفة، لأن الطفل يعيش مرحلة التنشئة وبناء الشخصية، إذا تربى على الاحترام فسوف يحترم الآخرين. وأنت ترى كيف أن الطفل يلتقط كلماته من داخل بيته، فإذا سمع كلامًا بذيئًا فسوف يتعلمه ويتداوله، لذلك لا ينبغي للرجل إذا حصل بينه وبين زوجته خلاف أن يهينها وينهال عليها بالكلمات النابية سيما بمحضر أطفاله، لأن ذلك يوجد جرحًا كبيرًا في مشاعرهم وأحاسيسهم. وعلى الرجل أن يعلم أن إهانة المرأة خلاف الرجولة قال : «ما أكرم النساء إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم»[3] .
الإسلام يربينا أن ننظر للإنسان من خلال إنسانيته، فنتعامل معه بالحسنى مهما اختلف لونه وشكله وتوجهه وموقعيته، يقول الحديث الشريف: «من أكرم أخاه المسلم بكلمة يطلفه بها»، بكلمة طيبة تستطيع أن تدخل السرور على قلب أخيك، كما في الرواية عن رسول الله أنه قال: «الكلمة الطيبة صدقة»[4] ، كما أن الابتسامة أيضًا لها دورها في نفسية الإنسان: «تبسمك في وجه أخيك صدقة»[5] ، يتعجب الإنسان كيف يبلغ بالآخرين البخل حتى بالابتسامة في وجه من يلقونه من الناس! علمًا بأن البحوث العلمية تشير إلى أن الابتسامة تصنع أثرها السحري في صحة الإنسان، حيث تساعد على تخفيف ضغط الدم، وتنشيط الدورة الدموية، واتزان نبض القلب، وما إلى ذلك، ولكنك تجد من يقابل الناس باكفهار وبرود وتجاهل. أشعِر من يقابلك باهتمامك واحترامك له، حتى يقبل عليك، ويأنس بك وتأنس به. ورد عن الإمام الباقر : «عظموا أصحابكم ووقروهم ولا يتجهم بعضكم بعضًا»[6] ، ينبغي أن نرتقي في تعاملنا مع بعضنا، وأن نحترم بعضنا بعضًا، سيما المجتمعات التي تعيش حالة من التهميش والانتقاص يفترض أن تعوض ذلك في تعاملها الداخلي، فإذا كان الآخر يسيء لأبناء المجتمع فلماذا يسيء أبناء المجتمع لبعضهم بعضا؟
اهتم رسول الله وأهل بيته الكرام باحترام الآخرين وإكرامهم وأكدوا عليه قولاً وعملاً، وقد ورد عنه : «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جليسه»[7] . وعن الإمام الصادق : «من أتاه أخوه المسلم فأكرمه، فإنما أكرم الله عز وجل»[8] . وعنه : «إنه من عظّم دين الله عظّم حق أخوانه، ومن استخف بدينه استخف بإخوانه»[9] .
ومن مظاهر الإكرام:
إفساح المكان للآخر: إذا جلست في مكان وجاءك أحد فتنازل له عن مكانك أو افسح له إلى جانبك، فذلك يشعره بالاحترام والمكانة فيسر بذلك، كما أنه سوف ينعكس بالإيجاب عليك، من حيث الراحة النفسية، ورضا الله عز وجل. رواية جميلة تقول أن رجلًا دخل المسجد ورسول الله جالس وحده، فتزحزح رسول الله عن مكانه له، فتعجب الرجل وقال: في المكان سعة يا رسول الله! فقال : (إن من حق المسلم على المسلم إذا أراد الجلوس أن يتزحزح له)[10] . حركة بسيطة تشعر من يقدم عليك بالاهتمام. حتى في الطريق، كما في قيادة السيارة ينبغي أن نتحلى بالذوق الرفيع وأن نعطي فرصة لمرور الآخرين. وفي رواية عن رسول الله أنه قال: (من أخذ بركاب رجل لا يرجوه ولا يخافه، غفر له)[11] .
كان رسول الله يكرم من يدخل عليه حتى ربما بسط ثوبه، وآثره بالوسادة التي تحته. جاء عن سلمان الفارسي، قال: دخلت على رسول الله وهو متكئ على وسادة فألقاها علي ثم قال يا سلمان: (ما من مسلم دخل على أخيه المسلم فيلقي له الوسادة إكرامًا له إلا غفر الله له)[12] المغفرة والثواب ليست في العبادة فقط بل بما تفعل من خير مع الناس أيضًا.
كما جاء في صفة خلق رسول الله : انه كان أكثر الناس تبسمًا ما لم ينزل عليه قرآن ولم تجر موعظة، ما شتم أحدًا بشتمة ولا لعن امرأة ولا خادمة بلعنة، ولا يأتيه أحد حرًا أو عبدًا أو أمة إلا قام معه في حاجته، يبدأ من لقيه بالسلام ومن رامه بحاجة بادره حتى يكون هو المنصرف، وما مدّ أحد يده فيرسل يده حتى يرسلها، وكان لا يجلس إليه أحد وهو يصلي إلا وخفض صلاته وأقبل عليه وقال: ألك حاجة؟
ومن مظاهر الإكرام:
الترحيب: بأن تلقي على القادم عليك تحية تشعره بسرورك بقدومه، كما جاء عن الإمام الصادق : (من قال لأخيه المؤمن مرحبًا، كتب الله له مرحبًا إلى يوم القيامة)[13] . ليس من الخلق الإسلامي أن لا تكترث بالقادم عليك أو أن تستقبله ببرود مشاعر، سيما الإنسان المتدين ينبغي أن يكون أكثر احترامًا للآخرين، يخبرني شخص أنه دخل على شخص متدين وله مكانة مرموقة وكانت بيده سبحة وهو يلهج بالتسبيح، ثم يكمل الرجل متعجبًا: دخلت مع ولدي وجلسنا ولكنه لم يلتفت إلينا، بل ظل يلهج بتسبيحه!
هذا ليس من أخلاق الإسلام، إذ كان رسول الله يخفف صلاته ليقبل على القادم إليه، ومن مظاهر الإكرام:
الإطعام: وهو من خلق الكرام، كما نقرأ في القرآن الكريم عن ضيف إبراهيم الخليل : ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلاماً قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ * فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ﴾ [سورة الذاريات، الآيات: 24-26].
وهناك رواية جميلة تقول أن رسول الله في أحدى الغزوات «مر به ركب وهو يصلي فوقفوا على أصحاب رسول الله فسألوهم عن رسول الله ودعوا وأثنوا وقالوا: لولا أنا عجال لانتظرنا رسول الله فأقرؤه السلام ومضوا، فانفتل رسول الله مغضباً ثم قال لهم: يقف عليكم الركب ويسألونكم عني ويبلغونني السلام ولا تعرضون عليهم الغداء»[14] !
نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يتحلى بأخلاق الإسلام وأن نتعامل مع الجميع على أساس إنسانيتهم فهذا ما يطلبه منا ديننا الكريم.
«الخطبة الأولى: الاحترام والإكرام خلق حضاري»